أسعد عبود: قمة كامب ديفيد والردّ الصيني الروسي

أسعد عبود 20-8-2023: قمة كامب ديفيد والردّ الصيني الروسي
رفعت القمّة الثلاثية الأميركية- اليابانية- الكورية الجنوبية في منتجع كامب ديفيد الجمعة الماضي، التعاون بين الدول الثلاث إلى مستويات أعلى. وليس بخافٍ أنّ هذه الخطوة موجّهة بشكل أساسي لاحتواء النفوذ الصيني في المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك كرسالة ردع لكوريا الشمالية التي تؤرق تجاربها الصاروخية المتصاعدة، كماً ونوعاً، الدول الثلاث.
بذلت الديبلوماسية الأميركية جهوداً جبّارة لإقناع كوريا الجنوبية برفع درجة التعاون مع اليابان، نظراً إلى التاريخ العدائي الذي يتحكّم بعلاقات البلدين بسبب موروثات الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية بين عامي 1910 و1945. ولا يزال الكثير من القضايا الشائكة محل خلاف بين سيول وطوكيو.
بيد أنّ التطورات الجيوسياسية في آسيا، فرضت على كوريا الجنوبية واليابان إحداث نقلة على مستوى علاقاتهما الثنائية، والاستجابة للإلحاح الأميركي بوجوب النظر بجدّية أكبر إلى “الخطر” الذي تشكّله الصين من وجهة نظر واشنطن على مجمل دول آسيا، وليس على دولة بعينها.
وإنعقدت قمّة كامب ديفيد الثلاثية وسط مناخات دولية ساخنة، تمتد من الحرب في أوكرانيا إلى التوترات في إفريقيا وبحر الصين الجنوبي وتايوان وشبه الجزيرة الكورية.
ضمن هذه المناخات، تغيّرت اليابان نفسها، فهي آخذة في التحلّل من القيود التي فرضتها عليها هزيمتها الكارثية في الحرب العالمية الثانية. وقبل أشهر، أعلن رئيس الوزراء فوميو كيشيدا عن مضاعفة الموازنة العسكرية، وشراء أسلحة متطورة من الولايات المتحدة، ويطمح أيضاً إلى تعميق التعاون الدفاعي مع واشنطن.
ولا تقلّ طموحات الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول العسكرية، عن تلك التي يملكها كيشيدا، خصوصاً مع تصاعد التوتر مع الشطر الشمالي من شبه الجزيرة.
وقد التقى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي، مع نظيريه الكوري الجنوبي والياباني في تموز (يوليو) الماضي، في اجتماع ثلاثي في هاواي، ثم بشكل فردي في سيول وطوكيو. وقال مسؤولون إنّ الولايات المتحدة تحث البلدين على العمل معاً، وربط دفاعاتهما الصاروخية وتقاسم الإمدادات مثل الذخائر والمياه والوقود، في حالة تعرّض أي منهما للهجوم.
والصين تراقب كل ما يدور حولها بعين الريبة والشك. وانتقدت صحيفة “غلوبال تايمز” لسان حال الحزب الشيوعي الصيني، قمّة كامب ديفيد، قائلة إنّ “الولايات المتحدة تريد إنشاء تحالف على غرار منظمة حلف شمال الأطلسي في المنطقة، من شأنه أن يشكّل خطراً على اليابان وكوريا الجنوبية”.
والاستياء الصيني من سياسة الاحتواء الأميركية، تعبّر عنه بكين بزيادة تعاونها العسكري مع موسكو. وفي اليوم نفسه لانعقاد قمّة كامب ديفيد كانت البحريتان الصينية والروسية تشرعان في مناورات مشتركة في المحيط الهادئ، في رسالة لا غموض فيها. وزاد في الأشهر الأخيرة هذا النوع من المناورات بحراً وجواً.
وفي عالم منقسم بحدّة ويزداد إستقطابه تصاعداً، تساور الولايات المتحدة الخشية من تطور “الشراكة بلا حدود” بين الرئيسين الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، إلى تقديم بكين مساعدة عسكرية لموسكو في حربها في أوكرانيا. خطوة مثل هذه من شأنها إحداث اختلال كبير في معادلة الميدان الأوكراني.
ولهذا، تعتقد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أنّه يتعيّن ممارسة المزيد من الضغوط على الصين لردعها عن الإقدام على تقديم مساعدة عسكرية لروسيا. وفي هذا السياق، تكثف واشنطن جهودها لإقامة شراكات اقتصادية وعسكرية مع الدول المحيطة بالصين، وتواصل فرض القيود على وصول بكين إلى التكنولوجيا الأميركية.
القمّة الثلاثية في كامب ديفيد، هي أحدث حلقة في ميدان المواجهة الشاملة والمفتوحة بين أكبر اقتصادين في العالم. إنّه صراع على زعامة القرن الحادي والعشرين، ليس أقل من ذلك.
وهي مواجهة لا يوفّر الجانبان سلاحاً إلاّ ويستخدمانه من أجل تعزيز فرص انتزاع النفوذ والمكانة في أنحاء مختلفة من العالم.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook