أقلام وأراء

فرنسا وألمانيا… هل تنجحان في عقلنة أميركا؟

أسعد عبود

أسعد عبود ١١-٥-٢٠٢٢م 

في الوقت الذي كان الرئيس الأميركي جو بايدن يوقّع على قانون لتسريع تسليم الأسلحة الى أوكرانيا بموجب “قانون الإعارة والتأجير” الذي كان معمولاً به عقب الحرب العالمية الثانية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يزور ألمانيا للقاء المستشار أولاف شولتس، للمرة الأولى منذ إعادة انتخابه لولاية ثانية في 24 نيسان (أبريل) الماضي.
صحيح أن ماكرون وشولتس أعلنا دعمهما “الكامل” لأوكرانيا في مواجهة الهجوم الروسي، لكن نبرة الخطاب الفرنسي – الألماني بدأت تختلف في اللهجة عن الحدة التي باتت سمة الخطاب الأميركي والتي توغل بعيداً في المواجهة مع روسيا نفسها بما يتخطى الحرب في أوكرانيا.  
لا يخفى أن ماكرون وشولتس واقعان تحت ضغط أميركي كبير، لا يتيح لهما التعبير صراحة عن رؤية مختلفة لأوروبا عن تلك التي تتصورها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
هنا يجدر  التوقف عند الاقتراح الذي حمله ماكرون إلى شولتس بإنشاء “منطقة أوروبية سياسية” تضم بريطانيا التي خرجت قبل عامين من الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا الساعية بقوة إلى الانضمام للاتحاد.
الاقتراح الذي لقي ترحيب شولتس، هو المخرج الذي يجده المحور الفرنسي – الألماني كي يتفادى انضماماً سريعاً لأوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، أولاً، لأن كييف لم تستوفِ شروط العضوية بعد، وثانياً تفادياً لمزيد من الاستفزاز الموجه نحو موسكو.
بينما أميركا ترى العكس، وتحض الأوروبيين على تسريع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي لتعزيز موقع الغرب في المواجهة الشاملة الدائرة مع روسيا. وتلقى واشنطن في طرحها مساندة من دول أوروبا الشرقية السابقة، لا سيما بولندا ودول البلطيق. وهذه الدول نفسها هي التي تعارض إنشاء “منطقة أوروبية سياسية” بحسب اقتراح ماكرون والذي سيتطلب تعديلاً في معاهدات الاتحاد الأوروبي.
هذا الاختلاف في الرؤى الى مستقبل أوروبا ليس تفصيلاً، في وقت تستعر فيه الحرب الروسية – الأوكرانية وتهدد بالاتساع نحو مواجهة لم يعد الحديث عن احتمال تحولها حرباً نووية من المحرمات.  
في هذا الخضم، يظهر الدور الفرنسي – الألماني وكأنه محاولة لعقلنة القارة وعدم مجاراة الإندفاع الأميركي – الأوروبي الشرقي إلى “إنهاك” روسيا نفسها وجعلها غير قادرة على شن غزو آخر ضد جيرانها. ويحمل كلام ماكرون عن ضرورة عدم “إذلال” روسيا، تذكيراً ضمنياً بما ولدته معاهدة فرساي عام 1919، التي كبلت ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، من روح الانتقام في ألمانيا وولادة النازية التي جلبت كارثة على أوروبا والعالم أكبر وأشد هولاً من كارثة الحرب العالمية الأولى.
الكلام الفرنسي موجه بالدرجة الأولى إلى إدارة بايدن كي تضبط انفعالاتها وتسيطر على عواطفها وأن لا تمضي في المواجهة مع روسيا إلى أبعد من حدود أوكرانيا. 
وعندما يدعو شولتس إلى الإسراع في الدخول في عملية تفاوض لإيجاد حل سلمي بين روسيا وأوكرانيا، فإنما هو يعبر عن تململ من الدعوات المتكررة كي تسارع ألمانيا بإرسال اسلحة ثقيلة ونوعية إلى أوكرانيا، وكذلك هو تعبير عن ضيق من الإهانات التي لا تتوقف والصادرة عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومسؤولين أوكرانيين آخرين بحق ألمانيا وقادتها بتهمة مهادنة روسيا.   
كما لا يمكن الاستهانة بالخلافات داخل الاتحاد الأوروبي حول الحظر الشامل لاستيراد الطاقة الروسية. إذ إن المسألة لا يمكن حصرها في الجانب التقني فقط، بل هي تعبير عن إقتناع معين في الأساس. هل يجب الذهاب في تحدي روسيا حتى النهاية، أم يجب الحفاظ على بعض الأواصر التي تشكل صمام أمان يحول دون الوصول إلى حرب أوسع وتعميم الاستنزاف الذي ينزل بأوكرانيا وروسيا. 
المسؤولية التي يتحملها المحور الفرنسي – الألماني، ثقيلة جداً لأن جذورها تمتد إلى خلاف مع أميركا نفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى