أقلام وأراء

أسعد عبود: تعثّر المفاوضات النووية كيف ينعكس إقليمياً؟

أسعد عبود 11-9-2022م

التعثر الذي أصاب المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية في الأيام الأخيرة، يعيد الشرق الأوسط إلى مناخات التوتر، التي سادت منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة في أيار (مايو) 2018، وحتى بدء مفاوضات فيينا غير المباشرة بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والحكومة الإيرانية في الأول من نيسان (أبريل) 2021.

هي مرحلة كان التوتر فيها على أشده بين إيران والولايات المتحدة، وتخللها إقدام واشنطن على إغتيال قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني في بغداد في 3 كانون الثاني (يناير) 2020، ورد إيران بقصف بالصواريخ الباليستية على قاعدة عين الأسد في العراق التي ينتشر فيها جنود أميركيون. وتصاعدت”حرب الظل” بين إيران وإسرائيل في أعالي البحار، وزادت الاستخبارات الإسرائيلية من نشاطها التخريبي داخل الأراضي الإيرانية أيضاً بتفجير منشآت نووية وصاروخية واغتيال للعلماء ولقادة في “الحرس الثوري” مسؤولين عن برامج تطوير المسيّرات الإيرانية.

تلك فترة شهدت تصعيداً لحرب مع كل سلبياتها الإقليمية، فتهدّدت الملاحة في البحر الأحمر، وتزايدت الضربات الصاروخية التي تشنها فصائل موالية لإيران في العراق على أهداف أميركية وبينها السفارة في بغداد.

وفي ما يذكر بتلك المرحلة، كان القصف الصاروخي الشهر الماضي على مواقع أميركية في حقلي العمر وكونيكو في دير الزور السورية وقاعدة التنف على مثلث الحدود السورية – العراقية – الأردنية، والرد الأميركي بالإغارة على مواقع لفصائل موالية لإيران قرب الحدود السورية – العراقية. حدث هذا في وقت كانت المفاوضات النووية تتعقد من بعد تفاؤل أبدته كل الأطراف في إمكان التوصل إلى تسوية تنقذ اتفاق العام 2015.

وبديهي أن يكون لتعثر المفاوضات النووية، انعكاساته على الملفات الإقليمية، التي تملك طهران وواشنطن تأثيراً فيها. والملف الأكثر سخونة هذه الأيام هو الملف العراقي الذي يمتلك من عناصر التفجير، أكثر بكثير مما يملك من عناصر التهدئة.

كان يؤمل في أن يتيح الاتفاق النووي لو تمت العودة إليه، حداً أدنى من التهدئة للساحة العراقية، وأن يدفع الأطراف المتنازعة إلى التفاهم على مخارج من الأزمات التي يتخبط بها الجميع.

ولن تكون هدنة اليمن بمنأى عن تلقي انعكاسات تعثر المفاوضات النووية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سوريا، التي تشهد تصعيداً في الغارات الإسرائيلية، ما يرفع من منسوب التوتر الإقليمي.

وأيضاً في ظل مناخات التوتر، قد يكون من المشكوك فيه نجاح الجهود التي يبذلها منسق الطاقة الأميركي آموس هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، على الرغم من إشاعة بعض الأجواء الإيجابية في هذا الملف. لكن القرار النهائي يبقى إقليمياً بامتياز.

صحيح أن لا إيران ولا الولايات المتحدة، قد أعلنتا عن الانسحاب من المفاوضات النووية. لكنّ الجانبين يبدو أنهما بدآ يأخذان في الاعتبار أن من الممكن للمفاوضات أن تنهار، وأن تدخل المنطقة تالياً في سيناريو استمرار المواجهة الأميركية – الإيرانية على غرار ما كان عليه الوضع في ظل رئاسة دونالد ترامب.

وما كلام جو بايدن الخميس الماضي، من أن الولايات ستفتش عن “خيارات أخرى” لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، إلا جرس الإنذار الذي يؤذن بالعودة إلى مرحلة “الضغط الأقصى”، التي تبناها ترامب، وما رافقها من توترات في الساحات الإقليمية.

أيام حاسمة تمر بها المفاوضات النووية. وإذا لم يتصاعد الدخان الأبيض من قاعات التفاوض في فيينا قريباً، فإن ضباباً كثيفاً سيغطي الشرق الأوسط.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى