أقلام وأراء

أسعد عبود: تركيا واليونان وحرب منتصف الليل

أسعد عبود – 2/10/2022

لا يعوز تركيا واليونان اختراع الذرائع للذهاب إلى حرب. التاريخ والجغرافيا حاضران بكثافة كي يبررا اندلاع نزاع مسلح. وعندما يواصل قادة البلدين إفراغ ما في جعبتيهما من التهديدات، يكون ذلك بمثابة المقدمات الضرورية للانفجار.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحمل على كتفيه عبء اقتصاد متراجع، وبضعة أشهر قبل الانتخابات الرئاسية التي تقلقه فيها استطلاعات الرأي. وإذا لم يفز من الدورة الأولى فيها، سيعتبر ذلك بمثابة انتقاص من هيبته وسيجعل المعارضين أكثر تجرّؤاً على مهاجمته وتحميله تدهور قيمة الليرة، لأنه يتشبث بقاعدة اقتصادية ألا وهي أن خفض نسبة الفائدة هو الذي يساهم في كبح جماح التضخم، خلافاً لكل النظريات الاقتصادية التقليدية.

“سنأتيكم في منتصف الليل، كما عودناكم”، هكذا خاطب أردوغان الحكومة اليونانية، فاتحاً على مصراعيه، باب تاريخ طويل من العداء بين تركيا واليونان. ويأخذ الرئيس التركي على اليونان إقامة قواعد عسكرية في جزر ببحر إيجه بما يخالف اتفاقاً بين البلدين على إبقائها منزوعة السلاح، على رغم أن أنقرة لم تكف يوماً عن المطالبة بالسيادة عليها.

والحجة التي تقيمها اليونان لتسليح الجزر هي ضرورة الدفاع عنها في مواجهة غزو تركي محتمل، والمثال القبرصي لا يزال طرياً في الذاكرة.

وفي واقع الأمر، فإن ما يقلق اليونان هو اتساع الدور الإقليمي لأردوغان وتذكيره مراراً بحدود “الإمبراطورية” العثمانية. وكل خطاباته السياسية مفعمة بشواهد تاريخية وتحمل حنيناً لبسط النفوذ الجيوسياسي التركي على كل الأراضي التي كانت تحتلها الدولة العثمانية في ذروة مجدها. والحنين إلى استعادة الأمجاد يقود أحياناً كثيرة إلى حروب وكوارث. والأمثلة كثيرة على ذلك.

وتخشى أثينا أن يؤدي انشغال العالم بالحرب الروسية – الأوكرانية، إلى إغراء أردوغان بشن هجوم لاستعادة الجزر في بحر إيجه وخلق أمر واقع على المثال القبرصي. كما لا يتعين تجاهل أن المساندة التي تلقاها اليونان من الغرب وتحديداً من الولايات المتحدة وفرنسا، تستبطن رغبة في البعث برسالة واضحة إلى أردوغان الذي رفض الانضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا، كما أنه لا يزال على اتصال دائم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولا يشفع لأردوغان في الغرب أن مسيّرات “بيرقدار” التركية التي زود بها الجيش الأوكراني، لعبت حتى الآن الدور الأكثر حسماً في التصدي والانتقال إلى الهجوم المضاد ضد روسيا.

الغرب يريد من أردوغان وقفة صريحة حيال الحرب، حتى ولو كان ثمن ذلك دفع الاقتصاد التركي إلى مزيد من المتاعب، كونه يعتمد بنسبة كبيرة على السياح الروس وعلى التبادل التجاري المتزايد مع موسكو.

وأردوغان يفهم جيداً معنى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في اليونان في السنوات الأخيرة، وكذلك معنى الاتفاقات الدفاعية بين باريس وأثينا وصفقة تزويد اليونان بمقاتلات “رافال” الفرنسية العام الماضي. إنها الجواب على استرسال أردوغان في توطيد العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإبرام صفقة صواريخ “إس-400”.

يضفي هذا التعقيد في العلاقات بين تركيا واليونان من جهة، وبين الغرب وأنقرة من جهة ثانية، حالة من الغموض حيال ما يمكن أن يكون عليه الموقف الغربي إذا انفجر الصراع المسلح بين أنقرة وأثينا، على رغم أن الدولتين عضوان في حلف شمال الأطلسي، وأن الحلف محتاج أيضاً إلى أشد أنواع الصلابة والتماسك في لحظة المواجهة الكاسرة مع روسيا.

ويلاحظ المراقبون غياب أي جهود فعلية من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، لخفض التصعيد بين تركيا واليونان. وهذا أمر يمكن أن يساعد في تغذية لهجة التهديدات وصولاً إلى الحرب سواء بحوادث غير مقصودة أو بقرار صريح.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى