أقلام وأراء

أسعد عبود: باكستان ومخاطر الانزلاق إلى الفوضى

أسعد عبود 18-5-2023: باكستان ومخاطر الانزلاق إلى الفوضى

تمر باكستان بأزمة سياسية لا تقل خطورة عن أزمتها الاقتصادية، ما يهدد بانزلاق البلاد إلى مرحلة من الاضطرابات والفوضى. ويتصدر رئيس الوزراء السابق عمران خان المشهد بامتياز، منذ احتجازه في وقت من هذا الشهر خلال مثوله أمام المحكمة بتهم الفساد، ومن ثم إطلاقه بقرار من المحكمة العليا، التي رأت أن قرار احتجازه لم يكن قانونياً.

يرى خان أن الأزمة الاقتصادية التي تعجز حكومة شهباز شريف عن معالجتها، قد تشكل له معبراً للعودة إلى السلطة. لذا يجمع أنصاره من حوله، وينظم احتجاجات للمطالبة بإجراء انتخابات تشريعية في أسرع وقت ممكن، يقيناً منه أن إجراء انتخابات مبكرة قد يوفر له الحصول على أكبر كتلة نيابية، وتالياً يصبح تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة أمراً لا بد منه.
بيد أن الأمور في بلد مثل باكستان تبدو أعقد بكثير مما تظهر عليه. ومشكلة خان يكمن الجزء الأساسي منها في العلاقة مع المؤسسة العسكرية النافذة في البلاد. ويعلم خان أنه وصل إلى السلطة عام 2018 لأنه كان يحظى بدعم القوات المسلحة. وعندما وقع الخلاف بينه وبين المؤسسة العسكرية بسبب محاولته التدخل في قرارتها، جلب بطل الكريكيت السابق المتاعب لنفسه.
وما كان للأحزب المشاركة في الائتلاف الحكومي برئاسة خان، أن تخرج من الائتلاف لو بقيت علاقته سليمة مع الجيش. وعندما تقاطع التوتر مع العسكريين بالنقمة الأميركية على سياسته المؤيدة لروسيا (صادف الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022 مع زيارة كان يقوم بها خان لموسكو)، لم يعد في الإمكان بقاء حكومته، فكان التصويت بحجب الثقة عنه.
وعندما بات خان خارج السلطة، اعتقد أن تحريك الشارع يمكن أن يقلب الرأي العام ضد الحكومة ويضغط من أجل إجراء انتخابات مبكرة، في وقت تتفاقم فيه الأزمة الاقتصادية والخلافات مع صندوق النقد. وعندما تعرض خان لمحاولة اغتيال في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، اعتبر الرجل أن هذه رسالة من الحكومة والجيش. لكن الجانبين نفيا تورطهما.
وجلّ ما يريده الجيش وحكومة شهباز شريف هو إبعاد خان عن المشاركة في الانتخابات المقررة بعد آب (أغسطس) المقبل. وفي حال صدر حكم بإدانته بالفساد بسبب عقد مشبوه أبرمته حكومته مع إحدى الشركات، فلا يعود يحق له الترشح لمنصب عام. لكن قرار المحكمة العليا خلط الأوراق، وعزز أوراق خان مجدداً.
هذه المواجهة التي يخوضها خان مع الحكومة والجيش تهدد بزعزعة الاستقرار وتفتح الباب واسعاً أمام إضطرابات، قد يجد الجيش نفسه معها مضطراً إلى التدخل للإمساك بالزمام، كما حصل في مرات سابقة. وشهدت باكستان أكثر من انقلاب في أوقات الأزمات السياسية التي تصير مستعصية على الحل.
فإلى أي مدى يمكن أن يمضي خان في المواجهة مع الجيش والحكومة في آنٍ واحد، من دون أن يحمل الجيش على التدخل؟ هذا سؤال بات مشروعاً مع تسارع القلاقل والمواجهات في الشارع. وفي الأيام التي تلت توقيف خان، اشتبكت الشرطة مع مؤيديه الذين كانوا يتظاهرون يومياً للمطالبة بإطلاقه، وقد أضرمت النيران في إدارات رسمية، وقطعت طرق وخُربت منشآت للجيش، ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص.
واليوم، تشهد إسلام آباد تظاهرات مناوئة لقرار المحكمة العليا بإطلاق خان، الأمر الذي يضفي مزيداً من التوتر على الشارع الباكستاني. ولا تخفي الحكومة نيتها معاودة توقيف خان عندما تتاح لها الفرصة. وهذا تطور يدل إلى حدوث انقسامات بين القضاة بسبب الأزمة السياسية.
الظروف الإقتصادية والسياسية التي تمر بها باكستان، تشكل أكبر تهديد لديموقراطيتها الهشة. وتبدو الأمور سائرة نحو اكتمال كل العناصر التي تتيح خروج الجيش مجدداً من ثكناته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى