أقلام وأراء

أسعد عبود: الحرب تعيد أوروبا إلى ‘نهضة الفحم’

أسعد عبود ٢٣-٦-٢٠٢٢م

تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية لا تتوقف عند حد، أزمة غذاء تحدق بعشرات الملايين من البشر، لا سيما في الدول الفقيرة، بسبب عدم قدرة السفن الروسية على الرسو في كل الموانئ بسبب الحظر الغربي على موسكو، وكذلك بسبب الحصار الروسي المفروض على ميناء أوديسا الأوكراني، حيث أكثر من 30 مليون طن في الإهراءات والسفن.   

ومن تداعيات الحرب أيضاً، أزمة الطاقة في أوروبا واضطرار بعض الدول مكرهة إلى العودة إلى استخدام الفحم الحجري في توليد الكهرباء.   

لم يكن الإدمان الأوروبي على الغاز الروسي ينطلق من فراغ أو من رغبة في تعزيز موارد الخزينة الروسية، بل كان مبنياً على مصلحة تجارية في المقام الأول وقبل أي معايير سياسية. فالغاز الروسي كان الأقرب والأسهل وصولاً بالأنابيب إلى القارة الأوروبية.   

ويواجه الأوروبيون الذين تشهد دولهم نسب تضخم غير مسبوقة، مشكلة اقتصادية كبيرة في خضم عملية البحث عن طاقة بديلة للغاز الروسي أولاً، ومن ثم البحث عن دول جديدة يمكنها أن تعوّض الكمية التي تقرر الاستغناء عن استيرادها من روسيا.   

قبل الحرب الروسية – الأوكرانية، كان الاتحاد الأوروبي يستورد 30 في المئة من نفطه و40 في المئة من غازه من روسيا، ويدفع لموسكو ما يصل إلى 850 مليون دولار يومياً بالأسعار الحالية من أجل مواصلة تدفق الهايدركربون. إن فطم أوروبا عن النفط الروسي سيشكل تحدياً. والتخلص من الغاز الروسي سيكون عملية أصعب. 

إن “غازبروم” الروسية أكبر شركة منتجة ومحتكرة لتصدير الغاز، تهيمن على السوق العالمية. وهي أنتجت 540 مليار متر مكعب العام الماضي، أكثر من شركات “بي بي” و”شل” و”شيفرون” و”إكسون موبيل” و”أرامكو” مجتمعة، استناداً إلى بيانات من “شركة ماكنزي وود للاستشارات”.   

وبخلاف النفط، حيث عمد المنتجون الكبار مثل المملكة العربية السعودية تاريخياً إلى ضخ كميات إضافية للمساعدة على توازن السوق في الأوقات التي تعطلت فيها الإمدادات العالمية، فإن قطاع الغاز يعمل عادة بكامل طاقته تقريباً.  

ويعتبر الغاز أقل قابلية للاستبدال من النفط، لأن نقله من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة الاستهلاك، يتطلب خط أنابيب أو منشأة للتسييل، وتالياً استثماراً أكبر، مسبقاً.   

وتعمل الدول الأوروبية المشترية للغاز الروسي بدأب على إيجاد إمدادات وقود بديلة وقد تحرق المزيد من الفحم، للتغلب على نقص في تدفقات الغاز من روسيا، يهدد بأزمة طاقة في الشتاء إذا لم تتم إعادة ملء المخزونات.

وترى ألمانيا والنمسا وهولندا أن محطات كهرباء تعمل بالفحم قد تساعد القارة في اجتياز أزمة أدت إلى زيادات حادة في أسعار الغاز، وتضاف إلى التحدي الذي يواجه الحكومات في محاربة التضخم.

وفي هذا السياق، قالت ألمانيا إنها قد تعيد تشغيل محطات كهرباء تعمل بالفحم كانت تهدف إلى التخلص منها تدريجياً. وبرر وزير الاقتصاد روبرت هابيك هذه الخطوة قائلاً: “ذلك شيء مؤلم لكنه ضروري وسط هذه الأزمة لتقليل استهلاك الغاز”.   

ويرى رئيس شركة “روس نفت” الروسية العملاقة إيغور سيتشين، أن الولايات المتحدة أطلقت في أوروبا شرارة “نهضة الفحم”، ما يقوّض الجهود العالمية لتقليل البصمة الكربونية.

 أزمتا الغذاء والطاقة، يجب أن تشكلا حافزاً للدول الكبرى، لا سيما الأوروبية منها، كي تسعى إلى إيجاد حل سياسي يوقف النزاع الأوكراني، عوض مد كييف بمزيد من الأسلحة على أمل استنزاف الجيش الروسي. لكن ما يحدث اليوم أن الأمور تمضي في الاتجاه المعاكس. وها هي العقوبات الغربية غير المسبوقة التي فُرضت على روسيا بهدف حرمان آلتها العسكرية من الموارد، تحدث أثراً عكسياً في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية يفوق بأضعاف مضاعفة الأثر الذي أحدثته في روسيا نفسها.   

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى