أقلام وأراء

أسعد عبود – الامتدادات الكارثية الأخرى للحرب

أسعد عبود ٢٤-٣-٢٠٢٢م

مع دخول الحرب الروسية – الأوكرانية أسبوعها الرابع، بدأت انعكاساتها الكارثية تظهر أكثر فأكثر على الدول الفقيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا ومناطق أخرى من العالم. ويطاول التأثير وإن كان بمستوى أقل الدول الأكثر غنىً. وحتى الأوروبيون بدأوا يقفون في طوابير لملء خزانات الوقود في سياراتهم، بينما التضخم يجتاح القارة وكذلك الولايات المتحدة.

وبذلك، لا تقتصر الآثار المدمرة للحرب على الخسائر البشرية التي تسقط من المدنيين في المدن الأوكرانية ومن الجنود على الجانبين ومن تدمير في البنى التحتية للمدن، وموجات تهجير للناس فاق عددهم الملايين الثلاثة ممن تمكنوا من اللجوء إلى دول أوروبية وربما أبعد.

والإنشغال العالمي بأسوأ حرب تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، يهدد بتناسي أزمات أخرى في العالم، يمكن أن تتفاقم وتكون لها آثار مدمرة على مستوى السكان وأمنهم الغذائي.

وهناك دول عربية غارقة أصلاً في حروب وأزمات داخلية، من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن وليبيا وتونس. كلها دول مرشحة أن تصل إلى حافة الجوع في حال لم يتسن لها الحصول على إمدادات غذائية، لا سيما القمح، في الأشهر المقبلة. وبما أن هذه البلدان تعتمد بشكل أساسي على القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا، فإنها ستجد صعوبات متزايدة في الحفاظ على أمنها الغذائي وقد تكون مرشحة لقلاقل أمنية.

وبدأت مصر تتأثر بموجة ارتفاع الأسعار العالمية الناجمة عن ارتفاع أسعار الوقود. ودفع ذلك، الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الطلب من الحكومة تسعير الخبز غير المدعوم للمرة الأولى منذ توليه السلطة.

ويشهد السودان تظاهرات شبه يومية احتجاجاً على ارتفاع أسعار مختلف السلع لا سيما الخبز. وتونس غارقة أصلاً في أزمة مديونية ومشاحنات سياسية داخلية، تلقي بثقلها على خطط الإصلاح الاقتصادي التي اتفقت عليها مع صندوق النقد الدولي. أما ليبيا، فإن التشنج السياسي عاد ليطغى على مستلزمات الحياة اليومية للمواطنين. ومع وجود حكومتين لن تكون الأمور مرشحة لتشهد مرحلة من الاستقرار. وفي اليمن، فشلت الأمم المتحدة هذا الأسبوع بجمع الأموال الكافية من المانحين الدوليين لمساعدة هذا البلد على تغطية احتياجاته لتفادي كارثة كبرى.

وتعبيراً عن عمق المأساة التي يمكن أن تضرب الدول الفقيرة نتيجة الحرب، وجه مدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي نداءً ملحاً الى الدول المتطورة قائلاً: “فيما تركزون على أوكرانيا، من فضلكم لا تهملوا منطقة الساحل أو سوريا والأردن ولبنان. إذا قمتم بذلك فإن التداعيات ستكون كارثية، أكثر من كارثية”.

وليست دول الشرق الأوسط أو أفريقيا وحدها التي تتلقى آثار الحرب الروسية – الأوكرانية، بل حتى الدول الأوروبية بدأت تعاني من الأضرار الجانبية للحرب. وفي هذا السياق، كشفت وكالة الطاقة الدولية عن اجراءات لخفض استهلاك النفط سريعاً في مواجهة مخاطر حصول “صدمة”، تشمل خفض الحدود القصوى للسرعة على الطرقات والعمل من بعد وجعل النقل العام أقل كلفة. ودعا قادة إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان، وهي الدول الأكثر تأثراً بارتفاع أسعار الوقود، إلى وضع استراتيجية مشتركة في الاتحاد الأوروبي لضمان أمن الطاقة.

وفي الولايات المتحدة، يدعو الرئيس جو بايدن يومياً الأميركيين إلى تفهم أن ثمة ثمناً يجب دفعه “للدفاع عن الحرية”، في إشارة إلى العقوبات الأميركية القاسية التي فرضتها واشنطن على موسكو ومن بينها وقف استيراد النفط من روسيا، الأمر الذي إنعكس ارتفاعاً في سعر غالون البنزين.

وكل شيء متوقف الآن، على مبادرة الدول الأغنى في العالم وعلى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، كي تبادر فعلاً إلى معالجة الانعكاسات الكارثية للحرب بين روسيا وأوكرانيا على دول كثيرة في العالم، تذهب ضحية قتال على بعد مسافات من حدودها.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى