أقلام وأراء

أسعد عبود: أوروبا هل انتهى عصر الرخاء؟

أسعد عبود 20-07-2022 

لم يعد الرئيس الأميركي جو بايدن من زيارته السعودية بجواب حاسم في ما يتعلق بطلب واشنطن زيادة منظمة “أوبك” إنتاجها من النفط لتعويض النقص في السوق العالمية، وذلك جراء تناقص إمدادات الطاقة الروسية للدول الأوروبية، بسبب الحرب في أوكرانيا.

طبعاً، كان بايدن يأمل بنتيجة أكثر إيجابية، خصوصاً مع اقتراب الشتاء ومعاناة الدول الأوروبية الأمرّين جراء القرار الذي اتخذته بحظر استيراد النفط والغاز الروسيين، في سياق العقوبات الرامية إلى حرمان روسيا من الموارد الضرورية لتمويل حربها في أوكرانيا.

وبمجرد أن أعلنت روسيا عن وقف العمل بخط أنابيب “نورد ستريم -1” الذي يضخ الغاز إلى ألمانيا في الفترة بين 11 تموز (يوليو) الجاري و21 منه بغية إجراء صيانة للخط، حتى هوى سعر اليورو إلى أقل من دولار، للمرة الأولى منذ بدء الاتحاد الأوروبي العمل بالعملة الموحدة قبل عقدين من الزمن.

هذا التطور طرح الكثير من التساؤلات عما يمكن أن يحصل، في حال قررت روسيا وقفاً نهائياً لتزويد أوروبا بالغاز، رداً على مضي الدول الأوروبية في فرض المزيد من العقوبات على روسيا وتصعيد عمليات تزويد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة.

لا ريب في أن أوروبا واقعة لا محالة في مأزق كبير لم تشهد له مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية. وقد بدأ يتكشف يوماً بعد يوم الثمن الباهظ الذي سيدفعه الأوروبيون نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية، بينما هم عاجزون عن المبادرة إلى طرح تسوية سياسية، لأن بايدن لا يرى أن الوقت قد حان للولوج إلى الحوار سبيلاً للخروج من الحرب ولا يزال ثمة رهان على أن الأسلحة الأميركية النوعية التي بدأت تصل إلى الجيش الأوكراني، كفيلة بتغيير موازين القوى على الأرض وبدفع الروس إلى الوراء، وجعلهم يقبلون بتسوية تصب في مصلحة أوكرانيا.

وفي انتظار أن تفعل راجمات أميركا المتطورة “هيمارس” ومدافع “الهاوتزر” والطائرات المسيّرة، فعلها وتقلب النتائج الميدانية، يتعين على الأوروبيين قضاء شتاء قارس بينما الكثير من صناعاتهم مهددة بالتوقف عن العمل، نتيجة نقص الغاز الروسي.

إنها معادلة صعبة أقحمت الولايات المتحدة أوروبا بها، في وقت لا شيء مضموناً على الصعيد العسكري، إذ إن الأسلحة الغربية المتطورة، تنطوي على مخاطر كثيرة أبرزها إطالة أمد الحرب ليس لأشهر وإنما لسنوات. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً كلاماً صريحاً لهذه الناحية، ودعا إلى زيادة موازنة التسلح الفرنسية، وقد سبقه المستشار الألماني أولاف شولتس بالإعلان عن مخطط لبناء أكبر جيش في أوروبا وعن تخصيص مئة مليار يورو لتعزيز الدفاعات الألمانية.

وفشل بايدن في الحصول على وعد خليجي بزيادة إنتاج النفط، سيزيد من المصاعب أمام الغرب، ويهدد الوحدة عبر الأطلسي. وصدر كلام عن وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو قبل أيام، تحدث فيه بوضوح عن احتمال توقف إيطاليا عن تزويد أوكرانيا بالسلاح. وها هي إيطاليا تدخل في أزمة سياسية بعد تقديم رئيس الوزراء ماريو دراغي استقالته.

وباختصار، تقف أوروبا على مفترق طرق في مواجهة أخطر نزاع على أراضيها منذ الحرب العالمية الثانية. والمصاعب الاقتصادية التي تشهدها من موجات تضخم غير مسبوقة منذ عقود وتدنٍ في قيمة اليورو، هي مؤشرات على خطورة المرحلة المقبلة … هذا إذا افترضنا أن الحرب لن تتوسع ويتورط فيها حلف شمال الأطلسي مباشرة.

وعندما يتحدث رئيس الوزراء البريطاني سابقاً توني بلير المعروف بعدائه لروسيا، عن أن العالم بدأ مرحلة جديدة بعد الحرب الأوكرانية، وأن الغرب في طريقه إلى خسارة الأحادية القطبية التي تمتع بها منذ إنتهاء الحرب الباردة، فإن ذلك يعني أن قادة أوروبا يتعين عليهم سلوك واقعية سياسية في مواجهة التحديات الماثلة أمامهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى