أقلام وأراء

أسعد تيسير الحويحي يكتب – الانتخابات الأمريكية والمصالحة الفلسطينية

أسعد تيسير الحويحي – 26/9/2020

 كان للانتخابات التشريعية عام 2006 مدخلا حيويا للانقسام الفلسطيني، ولا يخفي على أحد ان الولايات المتحدة الأمريكية كانت المشجعة الأولى لهذه الانتخابات ، حيث اعترف أمير قطر الحالي تميم بن حمد آل ثاني أن الأمريكان طلبوا من دولة قطر أن تلعب دورا لإقناع حركة حماس في المشاركة في الانتخابات الفلسطينية عام 2006،حيث أجريت هذه الانتخابات في ظل ضعف السلطة الوطنية الفلسطينية المحسوبة على حركة فتح التي كانت قياداتها منقسمة وغير متماسكة ، وفي ظل الاستهدافات الإسرائيلية المتتالية، والهجوم الإعلامي الغير المسبوق ضد أداء السلطة ، و في نفس الوقت كان الشارع الفلسطيني معجب بأداء حركة حماس بسبب دعمها المالي الممنهج للأسر التي افقرتها الإجراءات الإسرائيلية ، وغياب حركة حماس عن السلطة الحاكمة ، وبالتالي كان نجاح حركة حماس في هذه الانتخابات أمر شبه محتوم لا يخفي على الولايات المتحدة وإسرائيل ، وهذا ما اكده نفتالي بينت ،رئيس حزب يمينا الاسرائيلي ، حيث صرح في شباط/فبراير 2014 “إن إصرار الإدارة الأمريكية السابقة على إجراء انتخابات برلمانية في المناطق الفلسطينية أفضى إلى سيطرة حركة حماس على قطاع غزة” . ويبدو ان هنالك خطة جديدة من قبل الولايات المتحدة واسرائيل عن طريق الانتخابات الفلسطينية بدعم تركي قطري ايضا، حيث استعدت الأخيرة بتقديم دعم مالي كمساعدات لهيئة الانتخابات الفلسطينية ، في حال توافقت الفصائل الفلسطينية على الانتخابات، واجتمع السفير القطري محمد العمادي بقيادة حماس في أكتوبر/2019 لحث الحركة للمشاركة في انتخابات تشريعية جديدة .

مع مطلع عام 2009 و بالتزامن مع انتهاء العدوان العسكري على قطاع غزة الذي أسمته إسرائيل عملية الرصاص المصبوب ، استلم الرئيس الأمريكي أوباما ونائبه جو بايدن سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، التي اختلفت سياستها تجاه قطاع غزة عن ادارة بوش الابن ، حيث سمحت إدارة أوباما لحلفائها في المنطقة بدعم قطاع غزة لا سيما قطر وتركيا، و زادت إدارة أوباما لدعمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأنوروا) في قطاع غزة، وصاحب ذلك أيضا تكثيف عمل الكثير من المؤسسات الغير الحكومية الدولية عن طريق مشاريع إنسانية من أهمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID))، وميرسي كور(Mercy corps) ، وانقاذ الطفل(-Save-children)،والرؤية العالمية(World Vision)، وأنيرا (Anera)، والعديد من المؤسسات الأخرى التي قلت فعاليتها بشكل ملحوظ بعد ان أصبح الانقسام أمرا واقعا، وشهد عهد أوباما أيضا سماح مصر لحركة حماس بتكثيف حفر أنفاق ضخمة وعلنية لجلب كافة أنواع البضائع الاساسية والثانوية. هذه الإجراءات لم تكن من أجل تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ،بل لتعزيز حكم حماس في غزة لضمان استمرار الانقسام الفلسطيني و رغبة في انفصال القطاع عن باقي الوطن.

كان الموقف الأمريكي من اتفاقيات المصالحة الفلسطينية مشابه و مؤيد للموقف الإسرائيلي، حيث بعثت الولايات المتحدة في أكتوبر 2009 رسالة الى مصر مفادها أنها لا تؤيد اجراء اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس بحجة أن ذلك يقوض المفاوضات مع اسرائيل، وان الولايات المتحدة لن تدعم اتفاق لا يتماشى مع مبادئ اللجنة الرباعية، وردا على اتفاق القاهرة عام2011 قال الرئيس أوباما: إن ما أعلن من اتفاق بين فتح وحماس يثير تساؤلات أساسية ومشروعة بالنسبة لإسرائيل ،وأضاف قائلا :كيف يمكن للمرء أن يتفاوض مع طرف أظهر أنه غير مستعد للاعتراف بحقك في البقاء. وعارضت أيضا إدارة أوباما اتفاق المصالحة بين فتح وحماس في أبريل 2014 الذي أدى الى تشكيل حكومة الوفاق، حيث ألغت إسرائيل على الفور جولة المحادثات المرتقبة ردا على ذلك، و قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين ساكي: “التوقيت مثير للمشاكل ونشعر بالتأكيد بخيبة أمل إزاء الإعلان”. وأضافت: “يمكن أن يعقد ذلك جهودنا بشكل خطير. ليس فقط جهودنا وإنما جهود كل الاطراف لمواصلة مفاوضاتها”.

لكن الموقف الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب كان مخالفا تجاه التقارب الفلسطيني ، وصرح عضو المكتب السياسي لـحماس، موسى أبو مرزوق في سبتمبر 2017قائلًا: إن “هناك تغييرًا في السياسة الأميركية بخصوص المصالحة، ما يعطي الرئيس عباس فرصة للتقدم في هذا الملف دون تردد أو خوف من قطع المساعدات” المالية، وأكد الرئيس عباس أن الولايات المتحدة لا تمانع محادثات المصالحة ، و وجه الشكر لترمب على تأييده لجهوده للمصالحة. وردا على توقيع اتفاق القاهرة في أكتوبر /2017 بين حركة فتح وحركة حماس برعاية مصرية، قالت هيذر نويرت، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية يعتبر مهما في سبيل إيصال المساعدات الإنسانية لأهل قطاع غزة، ورحبت بالجهد الذي تبذله السلطة الفلسطينية لتولي مسؤولياتها بالكامل في غزة.
ستعقد في بداية نوفمبر القادم الانتخابات الأمريكية بين الرئيس الجمهوري الحالي (دونالد ترمب) و منافسه الديمقراطي نائب الرئيس السابق باراك أوباما (جو بايدن)، في ظل تقارب فتحاوي حمساوي، لكن السؤال المطروح ،هل سيكون لنتائج الانتخابات الأمريكية أثرا على مجريات محادثات انهاء الانقسام الجارية حاليا ؟. صحيح أن مصطلح المصالحة مصطلح غامض و غير مفهوم و يختلف تعريفه من شخص الى آخر ومن فصيل سياسي الى آخر، لكن التقارب الحاصل حاليا كان سببه الرئيسي الانتكاسات الحديثة المتتالية للقضية الفلسطينية، التي بدأت باعتراف الرئيس ترمب بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ، وقامت الادارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس، ثم طرح مشروع أمريكي للتسوية يؤدي الى تصفية القضية الفلسطينية ،الذي أعطى الشرعية للاستبطان والضم الاسرائيلي لأراضي في الضفة الغربية، و مع هرولة الدول العربية الي التطبيع مع اسرائيل دون مقابل، الذي كان من نتائجه تخفيف تنافس المحاور الاقليمية تجاه الفلسطينيين، بالإضافة الى استمرار الأزمة الانسانية في قطاع غزة ، والعمل المستمر من قبل اسرائيل لانفصاله عن باقي الوطن، علاوة عن الأزمة الصحية بعد انتشار فيروس كورونا ،حيث لا يبدو في الأفق حل لهذه الجائحة ، بالإضافة الى الأزمة المالية الخانقة بسبب تجميد أموال المقاصة وتبعيات جائحة كورونا، كل هذه الأسباب لم تجعل خيارا أخر أمام القيادات الفلسطينية سوى التوجه الى حوارات لإنهاء الانقسام ، مع أن هذه المعادلة غير مقبولة من الشعب الفلسطيني، فلا يجوز أن نبحث عن المصالحة في زمن الانتكاسات فقط. لكن ستستمر هذه الانتكاسات اذا فاز الرئيس الحالي دونالند ترمب في الانتخابات الأمريكية ، فبالتالي سيتعزز التقارب الفلسطيني.

أما بالنسبة للاحتمال الآخر ،و هو فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي شغل منصب نائب الرئيس أوباما لمدة ثمانية أعوام ، وأعلن عن نفسه “صهيونيا”، ووصف دعوات بعض القادة الديمقراطيين لاشتراط المساعدات الأميركية لإسرائيل بأنها “خطأ جسيم”، ويعتبر موقفه من الصراع الاسرائيلي الفلسطيني شبه معروف و واضح ، حيث أعلن معارضته لمشروع ترمب واعتبره حيلة سياسية بهلوانية رخيصة وقال : “ليس هناك بديلا للفلسطينيين والإسرائيليين سوى العمل معا للتوصل إلى حل”. وأعرب عن أسفه للخطوة التي أقدم عليها الرئيس دونالد ترامب بنقل السفارة من تل أبيب، وقال إن السفارة “ما كان ينبغي أن تُنقل من مكانها” قبل التوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط ، لكنه تعهد بإبقاء سفارة بلاده في موقعها الجديد في القدس المحتلة، إذا ما انتخب رئيسا للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية وبذل جهود لإبقاء حل الدولتين قابلا للتطبيق. وأعلن بوضوح رفضه خطة الضم وبناء الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية. لذلك سيؤدي نجاح بايدن بالانتخابات الرئاسية الى تقارب فلسطيني أمريكي، الذي سيؤدي الى اعادة الاتصال الفلسطيني الامريكي، و فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن ،والضغط على السلطة لإعادة الاتصال بالجانب الإسرائيلي لتكون مدخلا لاستئناف المفاوضات على غرار عام 2014، هذا الاتجاه سيغضب حركة حماس وحلفائها من الفصائل ، التي ستتهم السلطة بالعودة الى التنسيق الأمني والتعويل على الادارة الأمريكية والاعتماد على المفاوضات كحل للصراع وتهميش وتحجيم أعمال المقاومة، ومن جهة أخرى سيعيد بايدن التمويل للأونروا مع التركيز على قطاع غزة، ودعم العديد من المشاريع في القطاع عن طريق المؤسسات الدولية الغير حكومية ، مما يؤدي الى تخفيف الضغط على حكم حركة حماس في غزة، فبالتالي ستتجنب التقارب من حركة فتح والسلطة، لذلك نجاح بايدن في الانتخابات سيعزز الانقسام الفلسطيني، على العكس من نجاح ترمب.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى