ترجمات أجنبية

أحوال تركية – لماذا تريد أنقرة عودة العلاقات مع القاهرة

تقرير – (أحوال تركية) –  16/3/2021

تبذل الدبلوماسية التركية جهوداً حثيثة هذه الأيام من أجل إقناع مصر بتطبيع العلاقات بين البلدين وطي صفحة الماضي والشروع في حوار جدي يشمل القضايا الخلافية. وفي الوقت نفسه، تواصل أجهزة إعلام حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا السير على المسار نفسه بتسليط الضوء على أهمية مصر والدور المصري وأهمية عودة العلاقات التركية-المصرية الى طبيعتها.

يجري كل ذلك وفق تكتيك تتبعه الدبلوماسية ووسائل الإعلام التركية، هو التغاضي عن الشروط المصرية الصريحة والمعلنة لأي حوار مستقبلي أو عودة للعلاقات بين البلدين. ومن ذلك ما تقوم صحيفة “ديلي صباح” بنشره من مقالات رأي وتغطيات مكثفة حول الموضوع. وقد اخترنا من بينها ما كتبه كل من برهان الدين دوران ويحيى بستان حول هذه القضية الأكثر أهمية بالنسبة لتركيا في الوقت الحاضر.

يقول الكاتب دوران إن الوقت قد حان لكي يجري الجميع في الشرق الأوسط تقييماً استراتيجياً جديداً. ويضيف أن شرق البحر الأبيض المتوسط يتصدر عناوين الصحف بسبب اكتشاف احتياطيات الطاقة، وكذلك بسبب الاتصالات الدبلوماسية والتحالفات الناشئة والصراع على النفوذ هناك. وتركز التوترات الدولية في المنطقة على مواضيع الخلاف، حيث تؤدي الخلافات إلى نشوء تحالفات نتيجة التدخل الخارجي.

بطبيعة الحال، سوف تطفو على السطح القضايا الأكثر خطورة وأهمية بالنسبة لمصالح تركيا، والتي تدفعها إلى الركض وراء مصر طلباً للرضا، ومن ذلك نزاع تركيا الذي لا ينتهي مع اليونان، وثروات المتوسط، والتحالف في شرق المتوسط الذي ليست تركياً عضواً فيه. ولذلك، ربما تريد استخدام مصر كحصان طروادة لاختراق ذلك التحالف وغيره من التحالفات المماثلة.

على هذه الخلفية يظهر مباشرة حلم تركيا، في مقال الكاتب بوران، بعقد اتفاقية مع مصر. ويقول الكاتب إنه إذا أبرمت تركيا، التي لديها بالفعل اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، معاهدة مماثلة مع مصر، فإن مطالب اليونان المتطرفة ستموت وتغرق في المياه.

تريد أنقرة بث الخلاف بين القاهرة وأثينا، فتقول إن لمطالب أثينا غير المعقولة القدرة بشكل عام على الإضرار بمصالح تركيا وليبيا ومصر وإسرائيل ولبنان جميعاً. وإضافة إلى ذلك، سيكون من شأن التوزيع العادل لموارد شرق البحر الأبيض المتوسط أن يؤدي إلى تصعيد التوترات بين تركيا واليونان، وكذلك بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

لكي نكون واضحين، سوف يكون استئناف الدبلوماسية بين البلدين أخباراً جيدة لمصر أيضاً: فبسبب الانهيار الاقتصادي والتوترات حول السيطرة على نهر النيل، تحتاج القاهرة إلى قصة نجاح ترويها في الداخل. ويستخدم الإعلام التركي هذه الفكرة لترغيب مصر بالتفاهم مع تركيا.

ويقول دوران أيضاً إن السعي إلى التطبيع التركي مع مصر هو استمرار لالتزام أنقرة الحالي بإعادة ضبط علاقتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما أن إصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل مطروح على الطاولة أيضاً.

يمكن النظر إلى كل هذه الخطوات على أنها أجزاء من تقييم استراتيجي جديد، على خلفية التغيرات الإقليمية والعالمية السريعة. وحسب دوران، يتساءل البعض عن السبب في أن تركيا لم تسع إلى التطبيع مع مصر في وقت سابق. والجواب هو أن نظراءها لم يكونوا مستعدين للمضي قدمًا بذلك. ويشكل التوقيت عاملاً حاسماً عندما يتعلق الأمر بإصلاح العلاقات المتوترة.

كان على تركيا تقديم تنازلات كبيرة لإصلاح علاقاتها مع القاهرة أو الرياض أو تل أبيب أو أبوظبي خلال رئاسة دونالد ترامب -ذروة التقارب بين الخليج وإسرائيل. وعلى النقيض من ذلك، يسهل على الأتراك المضي قدماً الآن، بعد أن أظهروا قوتهم على الأرض من خلال عزل مناطق المشاكل والتركيز على المصالح المشتركة.

ويخلص المقال إلى أنه يجب أن يُنظر إلى “الاتصالات الدبلوماسية” بين مصر وتركيا على أنها جزء من تغيير أوسع في كيفية تعامل الإمارات والسعودية (وحتى إسرائيل) مع الأتراك.

من جهته، يُجمل الكاتب يحيى بستان المشهد برمته، فيقول إن الموقف التركي يختصر في وقف توسع التحالف المناهض لتركيا، وتعزيز مكاسبها الإستراتيجية وتشتيب تركيز خصومها. وكجزء من تلك الخطة، أرسلت تركيا سفن أبحاث زلزالية وسفن حفر، مع قوات البحرية، إلى الأجزاء المتنازع عليها في البحر الأبيض المتوسط للتعبير عن التزامها بوقف أي خطة إقليمية تستثني الأتراك.

في الوقت نفسه، أبرمت أنقرة اتفاقاً تاريخياً للولاية البحرية مع ليبيا، والذي يقسم إلى نصف الولاية القضائية البحرية المحددة في الوثيقتين القبرصية اليونانية واليونانية.

وهكذا، يبدو أن تركيا تقوم ببذل جهد دبلوماسي لتخفيف حدة التحالف المناهض لها. وفي الوقت نفسه، شجع فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية كلاً من مصر وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على تهدئة التوترات مع الأتراك والتعاون معهم. ومن هنا جاءت المساعي التركية لتعزيز الاتصالات الدبلوماسية.

على خلفية هذه التغييرات، حدث تطور كبير في مصر، التي أبرمت حكومتها اتفاقية للولاية البحرية مع اليونان. وفي نظر أنقرة، كان الاتفاق المصري اليوناني محاولة لإجهاض الصفقة التركية الليبية.

وسط هذا كله، تدرك أنقرة صعوبة المسار نحو تطبيع العلاقات مع مصر. ويختم الكاتب مقالته بقول إن مصر وتركيا ليستا جاهزتين بعد لفتح قنوات دبلوماسية بينهما. ومع ذلك، ثمة خلف الأبواب المغلقة محاولات لا تتوقف لفتح هذه القنوات.

أما على الصعيد المصري فيجب التوقف جيداً أمام الرد الواضح للدبلوماسية المصرية، حيث قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في تصريحات صحفية، إنه “لا تواصل خارج الإطار الدبلوماسي الطبيعي، وإذا وجدنا أفعالاً حقيقية من تركيا وأهدافاً تتسق مع الأهداف والسياسات المصرية… فستكون الأرضية مناسبة لاستعادة العلاقة الطبيعية مع تركيا”.

وتحدث سامح شكري عن رؤية بلاده بشأن استعادة “العلاقات الطبيعية” مع تركيا، فقال إنه “إذا وجدنا تغييراً حقيقياً في السياسة التركية، والتي تنسجم مع الأهداف المصرية الخاصة باستقرار المنطقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فستكون هذه هي الأرضية لاستعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا”.

وكان الوزير المصري يشير إلى التدخل التركي في الشؤون المصرية ودعم أنقرة لجماعة “الإخوان المسلمين” وحملة التحريض التي قادها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ضد مصر وقيادتها.

وتتوجس تركيا خيفة من جبهات بدأت تتشكل ضدها في شرق المتوسط بقيادة فرنسا واليونان وإسرائيل وجمهورية قبرص، بينما يستمر النزاع على حقوق التنقيب عن النفط والغاز في المياه المتنازع عليها في شرق المتوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى