#شوؤن دولية

أحمد عسكر: أهداف جولة وزير الخارجية الصيني الجديد إلى أفريقيا

أحمد عسكر 18-1-2023م *: أهداف جولة وزير الخارجية الصيني الجديد إلى أفريقيا

أجرى تشين جانج وزير الخارجية الصيني الجديد، جولة إلى أفريقيا من 9 يناير إلى 16 يناير 2023، شملت دول إثيوبيا وبنين وأنجولا والجابون ومصر، بما في ذلك زيارته إلى مقرَّي الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية. وقد باتت أفريقيا الوجهة الرئيسية للدبلوماسية الصينية على رأس كل عام جديد في تقليد أضحى ثابتاً لديها منذ سنوات، وتزامن ذلك مع كونها أول زيارة خارجية للوزير تشين منذ توليه المنصب في ديسمبر 2022.

وتسعى الصين من خلال تلك الجولة إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع أفريقيا، خاصةً أنها تأتي بعد شهر تقريباً من استضافة واشنطن القمة الأمريكية الأفريقية التي حضرها 49 دولة أفريقية، بما في ذلك الدول التي زارها تشين، وما تمخضت عنه تلك القمة من وعود أمريكية بضخ المزيد من الاستثمارات والمساعدات للدول الأفريقية؛ ما قد يعكس حجم التنافس الأمريكي الصيني في أفريقيا باعتبارها جزءاً مهماً من السياق الجيوسياسي التنافسي العالمي بين القوتين، وهو ما قد يعطي تشين منظوراً أوسع لتعزيز العلاقات الصينية الأفريقية في خضم تصاعد هذا التنافس، بحكم عمله سابقاً سفيراً للصين لدى واشنطن، كما أن الزيارة تتزامن مع زيارة وزيرتي خارجية دولتي ألمانيا وفرنسا إلى أفريقيا، وهما تقودان حملة تشويه ضد الصين لدى الأفارقة بهدف تحجيم دورها في القارة لصالح تعظيم مصالح أوروبا هناك.

دلالات التوقيت

تكتسب هذه الزيارة أهميتها من دلالات التوقيت التي جرت فيه. وتتمثل أبرز هذه الدلالات في الآتي:

1– تصاعد التنافس الدولي في أفريقيا: فقد أضحت مسرحاً واسعاً يتكالب عليه العديد من القوى الدولية والإقليمية؛ لأهداف مختلفة، على رأسها خلق النفوذ الذي يسهل في مرحلة تالية استنزاف المزيد من الموارد والثروات الطبيعية الأفريقية. ويتصدر التنافس الأمريكي الصين المشهد الأفريقي خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يدفع كل طرف نحو المسارعة لاستمالة الأفارقة عبر العديد من الأدوات والمحفزات لتعزيز الحضور والنفوذ هناك، حتى إن كان ذلك يهدد الاستقرار الإقليمي في بعض المناطق الأفريقية.

2– استمرار تداعيات الأزمات الدولية: يتأثر الواقع الأفريقي بالآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022، خاصةً فيما يتعلق بتعطل توريد سلاسل الغذاء والقمح وارتفاع الأسعار؛ الأمر الذي انعكس سلباً على معظم الاقتصادات الأفريقية التي تشهد ارتفاعاً في معدلات التضخم، وتراجع النمو الاقتصادي، وهو ما يسهل مهمة القوى الدولية في الانخراط داخل أفريقيا اعتماداً على حاجة الدول الأفريقية إلى المساعدات والاستثمارات والقروض.

3– انعقاد قمة واشنطن–أفريقيا: وهي القمة التي تكشف مخرجاتها عن قلق أمريكي متزايد من الصعود الصيني المتنامي في القارة الأفريقية؛ لذلك تحاول إدارة الرئيس بايدن اللحاق بركب الصينيين؛ من خلال إعادة تقديم واشنطن نفسها على أنها الشريك المفضل للدول الأفريقية؛ فقد وعد بايدن باستثمارات أمريكية تصل إلى 55 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة في مجالات الصحة والبنية التحتية والأعمال والتكنولوجيا، بالإضافة إلى أكثر من 15 مليار دولار في شكل التزامات وشراكات استثمارية وتجارية مع الأفارقة.

وإن كان الأمر يبدو صعباً في ضوء نفوذ اقتصادي متنامٍ للصين في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة مع توقعات بمضاعفات للأرقام الحالية التي تشير إلى بلوغ حجم التجارة بين الصين وأفريقيا نحو 254.3 مليار دولار في عام 2021 بزيادة 35.3% سنوياً، بما يجعلها أكبر شريك تجاري، ومستثمراً رئيسياً في القارة.

4– تزايد الدعاية المضادة للصين في أفريقيا: تواجه الصين، خلال الفترة الأخيرة، موجة واسعة من حملات التشويه المتعمدة لصورتها، وهي الموجة التي يتبناها الغرب من خلال نشر المعلومات المضللة، واتهامها بمحاولة استعمار القارة من جديد؛ بهدف تأليب الرأي العام الأفريقي ضدها؛ فقد شرع مسؤولو بعض القوى الكبرى – مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا – خلال زياراتهم إلى الدول الأفريقية، على مدار العام الماضي، في التحذير من التعاون مع الصين، في محاولة لتحجيم نفوذها على الساحة الأفريقية؛ خوفاً من تهديد المصالح الاستراتيجية لتلك القوى في القارة.

دوافع رئيسية

تتعدد الدوافع الصينية من إجراء هذه الزيارة إلى أفريقيا. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الدوافع على النحو التالي:

1– تأكيد النفوذ الصيني في أفريقيا: وذلك من خلال تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الدول الأفريقية، خاصةً أن بكين قد بدأت تشعر بالقلق إزاء تحركات منافسيها الاستراتيجيين على الساحة الأفريقية، وهو ما دفعها لتعزيز تحركاتها هناك؛ فقد فسَّر البعض زيارة تشين إلى إثيوبيا بأنها إنما جاءت لإظهار الدعم الصيني للنظام الإثيوبي على الصعيد الدولي، لا سيما في ظل توتر علاقاته مع الغرب والولايات المتحدة على خلفية الصراع في تيجراي.

كما تسعى بكين إلى تعزيز العلاقات المؤسسية مع الاتحاد الأفريقي، وهو ما ظهر في لقاء تشين مع موسى فقي محمد رئيس مفوضية الاتحاد؛ حيث أكد أن بلاده ستشجع المزيد من العلاقات الثنائية مع المنظمة القارية من خلال توفير فرص جديدة للقارة، وتسريع تنفيذ الوعود التي قطعتها بكين على نفسها خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي الأخير، وهو ما يحسن الصورة الإيجابية للصين لدى العقل الجمعي الأفريقي.

2– الاستفادة من القوة التصويتية الأفريقية: تهدف بكين إلى تأكيد مكانتها كقوة عظمى على الصعيدين الأفريقي والدولي في ضوء تنامي الحرب الباردة الجديدة مع الغرب، وتعتمد في ذلك على ضمان قوة تصويتية كبيرة داعمة لها في المحافل الدولية لتعزيز المواقف الصينية بشأن بعض القضايا، مثل تايوان (سياسة الصين الواحدة)، وبحر الصين الجنوبي، وهونج كونج. ومع اختيار الجابون عضواً جديداً غير دائم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، تبرز أهمية الزيارة الصينية إلى ليبرفيل من أجل الدعم المتبادل في مجلس الأمن. وفي سبيل ذلك أيضاً، أكدت بكين دعمها انضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين، وهو ما قد يعزز التعاون الثنائي والدعم بين الطرفين لخدمة قضاياهما المشتركة.

3– رسالة طمأنة إلى الأفارقة بشأن السياسات التنموية الصينية: حيث ترغب بكين في طمأنة الدول الأفريقية بأنها مستمرة في سياساتها التنموية تجاه القارة الأفريقية لتعزيز الشراكة مع دولها، وأنها لا تستهدف الوجود الأمريكي بالأساس، بل تسعى إلى توسيع خيارات الدول الأفريقية بحيث لا يصبح الغرب هو الملاذ الوحيد للأفارقة، وهي محاولة من بكين لتحسين صورتها لدى الأفارقة في مقابل شيطنة الوجود الأمريكي الذي يحفز الأفارقة على رفض الصينيين. ويدلل على ذلك تأكيد بكين مساندة إثيوبيا لاستعادة الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الصراع الإثيوبي في شمالها، بالإضافة إلى إعادة استئناف بعض المشروعات الصينية المعطلة في شمال، إثيوبيا مثل مشروع ويلكيت Welkait لتطوير السكر.

4– دحض الادعاءات الغربية والأمريكية ضد الصين: تتصدى بكين للموجة المناهضة لها في أفريقيا التي تشنها أطراف دولية مثل الولايات المتحدة وفرنسا، والتي تثير بعض الأزمات لعرقلة العلاقات الصينية الأفريقية، مثل قضية فخ الديون – بحسب الرواية الغربية – وهو ما دفع وزير الخارجية الصيني للرد بأن الشعوب الأفريقية وحدها هي التي تقرر إذا ما كانت المشروعات الصينية تسهم في تنمية القارة وتحسين الأوضاع المعيشية لشعوبها أم لا، كما أن الصين قد اتخذت عدة إجراءات بشأن شطب جزء من الديون المستحقة على معظم الدول الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، ولعل آخرها الإعلان عن شطب جزء من الديون الإثيوبية المستحقة للصين التي تبلغ نحو 13.7 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2000 و2020.

5– تأمين الوصول إلى الموارد الأفريقية: وهو مايمكن اعتباره الهدف الرئيسي من الجولة الصينية إلى أفريقيا في ضوء تطلع بكين إلى ضمان الحصول على الموارد والثروات؛ لدعم اقتصادها وصناعاتها المختلفة على خلفية الأزمات الدولية الراهنة؛ إذ تستورد من الجابون النفط وخام المنجنيز والخشب ومنتجاته، كما تعد بنين أكبر منتج للقطن في أفريقيا، وأكبر منتج للكاجو وفول الصويا، فضلاً عن كونها سوقاً رئيسية لتصدير السلع، فيما تعد أنجولا من أكبر منتجي النفط في أفريقيا. وهو ما يبرر المساعي الصينية، خلال هذه الجولة، لتعزيز علاقاتها بالدول الأفريقية في ظل تصاعد التنافس الدولي معها.

6– توسيع حجم الاستثمارات الصينية في أنحاء القارة: جاءت الجولة الصينية إلى أفريقيا بعد يوم واحد من قرار السلطات الصينية إعادة فتح حدود البلاد مع العالم عقب ثلاث سنوات من العزلة العالمية؛ ما يعني أن تلك الزيارة قد تعكس رسالة مفادها التزام بكين بتعزيز علاقاتها الاقتصادية واستثماراتها مع أفريقيا على الرغم من أن التجارة الثنائية ظلت مستمرة وقوية خلال تفشي جائحة كوفيد–19.

وتسعى بكين إلى فتح أسواق جديدة في غرب أفريقيا عبر بوابة بنين عن طريق ضخ المزيد من الاستثمارات، ودفع الشركات الصينية نحو الاستثمار هناك، كما أنها تتطلع إلى أن تكون شريكاً رئيسياً لبنين في القطاعين الزراعي والصناعي، وخاصةً أن الأخيرة قد تحظر تصدير الكاجو الخام في عام 2024، إضافة إلى استمرار المساعدات والقروض الصينية لتطوير قطاعات البنية التحتية الرقمية والنقل والنفط في البلاد، لا سيما أن شركة النفط الوطنية الصينية قد وقَّعت اتفاقًا مع حكومة بنين لتشغيل وبناء منشآت النفط هناك.

وذلك فيما تحاول بكين تخفيف حدة التوتر الذي ساد العلاقات مع أنجولا بسبب الديون الصينية المستحقة عليها، والعمل على إعادة الثقة بينهما، خاصةً أن العلاقات قد تراجعت في عهد الرئيس الحالي لورينسو، الذي سعى إلى تنويع شراكات بلاده الدولية؛ وذلك بالتزامن مع مرور 40 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وتنفذ بكين العديد من المشروعات الصينية في لواندا بعدد من المجالات التي أسهمت في إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

كما تسعى بكين إلى ضمان دعم الحكومات الأفريقية مبادرة الحزام والطريق الصينية في إطار اتساع طموحاتها في توسيع البنية التحتية لها، التي تمتد بشكل رئيسي من شرق أفريقيا إلى غربها، وهو ما تظهره الزيارة إلى كل من الجابون وبنين.

7– مواجهة النفوذ الأمريكي في القارة: تسعى الصين إلى قطع الطريق على القوى المنافسة لها – وعلى رأسها الولايات المتحدة – التي بدأت تعيد تشكيل علاقاتها مع أفريقيا منذ إطلاق استراتيجيتها تجاه القارة في أغسطس 2022، واستضافتها بعد ذلك قمة موسعة مع القادة الأفارقة في ديسمبر 2022، بالإضافة إلى توجهها نحو مزاحمة بكين في المجال التنموي بالدول الأفريقية.

لذلك تدفع بكين نحو تحجيم محاولات واشنطن لاستعادة حضورها الذي تراجع خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. وفي هذا السياق، تمثل أنجولا ساحة جديدة للتنافس بين واشنطن وبكين؛ فقد أعلن الرئيس الأنجولي جواو لورينسو في ديسمبر الماضي، عقب مشاركته في القمة الأمريكية الأفريقية بواشنطن، أن بلاده تتطلع إلى تعزيز علاقاتها مع حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، كما أنه يفضل التكنولوجيا العسكرية الأمريكية على نظيرتيها الصينية والروسية، وهو ما يعزز المخاوف الصينية التي تنظر إلى أنجولا باعتبارها دولة نفطية مهمة في غرب أفريقيا. ويتسع التنافس بين واشنطن وبكين في مجال الاتصالات في لواندا من خلال شركتي هواوي Huawei الصينية وأفريسيل Africell الأمريكية التي بدأت عملها في البلاد في عام 2022، وهو ما تعتبره الصين بمنزلة تحدٍّ لهيمنة هواوي في السوق الأنجولية.

يأتي ذلك في الوقت الذي تخطط فيه واشنطن لتكثيف زيارات مسؤوليها إلى الدول الأفريقية خلال الفترة المقبلة؛ حيث أعلنت وزيرة الخزانة الأمريكية “جانيت يلين” زيارتها إلى ثلاث دول أفريقية هي السنغال وجنوب أفريقيا وزامبيا، وهي الزيارة التي ستجريها عقب انتهاء زيارة وزير الخارجية الصيني إلى القارة؛ بهدف تقديم استثمارات مستدامة، وإثارة قضية الديون الصينية مع الأفارقة، لا سيما زامبيا المثقلة بالديون الصينية، وربما تتبعها زيارة للرئيس بايدن إلى أفريقيا في غضون شهور قليلة؛ الأمر الذي يعزز المخاوف الصينية من الموجة الأمريكية الأخيرة تجاه أفريقيا.

تداعيات محتملة

قد تحمل الجولة الصينية إلى أفريقيا العديد من التداعيات المحتملة التي ربما يكون لها انعكاساتها على مستقبل التنافس الدولي في القارة؛ فمن المتوقع أن يتسع دور الصين في أنحاء أفريقيا سعياً إلى قطع الطريق على منافسيها الاستراتيجيين، لا سيما واشنطن والغرب، وهو الأمر الذي سوف يدعم مكانة أفريقيا على الصعيد العالمي، خاصةً عقب اندلاع الأزمة في شرق أوروبا التي دفعت العديد من القوى الدولية والإقليمية نحو أفريقيا لتعزيز نفوذها؛ أملًا في الاستحواذ على مواردها وثرواتها لتعويض الآثار السلبية التي خلقتها الحرب الروسية الأوكرانية. إلا أنه من الصعوبة أن تُجارِيَ الولايات المتحدة التفوق الصيني اقتصادياً في الساحة الأفريقية، وإن كانت تحاول اللحاق به؛ الأمر الذي يعني تحول أفريقيا إلى ساحة معركة بين القوى الكبرى؛ ما قد يهدد الاستقرار الإقليمي، وإن كان من المرجح أيضاً أن يستفيد الأفارقة من الحوافز التي تقدمها القوى الكبرى في شكل مساعدات وقروض واستثمارات بهدف استمالتهم لصالح أي من القوى الطامحة إلى الهيمنة في القارة، إلا أن تلك الحوافز ستغذي في الوقت ذاته حالة الاصطفاف الإقليمي، وما قد يترتب عليها من انقسامات أفريقية تعمق الأزمات بين دول القارة خلال الفترة المقبلة.

وإجمالًا، يبدو أن عام 2023 سيكون مليئًا بالأنشطة الدبلوماسية المكثفة للقوى الدولية الفاعلة في أفريقيا؛ ما يعني أن أفريقيا قد أضحت أداة استراتيجية يتنافس عليها الجميع من أجل تعظيم الحضور والنفوذ فيها؛ لذلك يُستبعد أن تكون أفريقيا مسرحاً للتعاون الدولي، بل ستكون مسرحاً تنافسياً بامتياز بين القوى الكبرى في ضوء تضارب المصالح الدولية في كثير من الأحيان؛ ما يثير المخاوف من آثار التكالب الدولي على أمن واستقرار وثروات القارة الأفريقية.

 

* انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى