أقلام وأراء

أحمد حافظ: الحكومة تتفنن في تأليب المصريين عليها: التنزّه على كورنيش النيل مدفوع الثمن

أحمد حافظ 25-7-2022م

تسببت عشرون جنيها (1.06 دولار أميركي) فرضتها وزارة الإسكان في مصر على من يريد التنزه في “ممشى أهل مصر”، الواقع على مسار نهر النيل بالقاهرة، في تأليب مواطنين ضد الحكومة؛ فالمتنزه كان من المفترض تخصيصه دون رسوم مادية وفق تصريحات أدلى بها مصطفى مدبولي رئيس الحكومة خلال افتتاح الممشى مؤخرا.

وعبّر الكثير من المواطنين عن غضبهم من إصرار الحكومة على التفنن في فرض رسوم تزيد الأعباء عليهم، لاسيما أن محدودي الدخل الذين يعيشون حياة قاسية جراء الغلاء المتصاعد صاروا مجبرين على دفع تكاليف التنزه على كورنيش النيل الذي يفترض أنه ملكية عامة ولا يجوز أن يكون الاستمتاع به نظير مقابل مادي.

وبدت مبررات وزارة الإسكان واهية بالنسبة إلى الكثير من المواطنين؛ فقد دافعت عن موقفها قائلة إن “الممشى تعرض لأعمال تخريب خلال فترة عيد الأضحى، ومن الضروري فرض رسوم على دخوله ليكون العائد للإنفاق على عمليات النظافة والترميم وفتحه مجانا سيعطي الفرصة للعبث والتخريب دون مسؤولية من الزائرين”.

سعيد صادق: تكرار فرض الضرائب كرس مشاعر الإحباط لدى الناسورأى معارضون للقرار أنه كان حريّ بالحكومة أن تستعين بأفراد أمن لحماية وتأمين الممشى من عمليات التخريب المحتملة التي يمكن أن يقوم بها متهورون أو مراهقون، بدلا من فرض رسوم لن يعجز عن دفعها سوى البسطاء، لأن الأسرة المكونة من زوج وزوجة وثلاثة أبناء على الأقل أصبحت مجبرة على دفع مئة جنيه نظير التنزه على كورنيش النيل.

وقال جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بالقاهرة إن “الحكومة أخطأت حين اعتقدت أن تسعير التنزه في الممشى أداة ردع تحمي من إتلاف مكوناته، وتبدو عاجزة عن تنظيم سلوكيات الناس. وتحديد سعر لتنفيس الناس عن مشاعر الضغط مبدأ مرفوض، لأنه يتزامن مع غلاء غير مسبوق وظروف عيش بالغة الصعوبة، وهو ما وضع مصداقية الحكومة على المحك”.

وتشكل المئة جنيه التي تدفعها الأسرة البسيطة رقما هاما بالنسبة إليها؛ لأن نصف هذا المبلغ يغطي إنفاقها الشهري على الخبز المدعوم، ولذلك من الصعب استقطاع قيمته من بند مصروفاتها لمجرد أن تدفعه مقابل نزهة على كورنيش النيل، ولو كان ذلك بغرض التنفيس عن مشاعر الضغط، فهذه الفئة تقتصد دائما لتواجه الظروف الحياتية الصعبة.

ومنذ أن أعلنت الحكومة عن مشروع “ممشى أهل مصر”، الذي قالت إنه سيكون مجانيا لكل المواطنين، ساد صمت بشأن تخصيص مبالغ مالية ضخمة لإنشائه، باعتبار أن الجميع سوف يستفيد من الاستمتاع بالنيل لأن المشروع نقلة حضارية تغير وجه وملامح القاهرة، لكن البعض صُدم وشعر بأن الحكومة خدعته بشعار المجانية. وتحول نواب في البرلمان إلى معارضين للحكومة وتقدم البعض بطلبات إحاطة عاجلة للمسؤولين عن المشروع والجهة التي أقرت فرض رسوم على التمتع بنهر النيل، من بينهم أعضاء في المجلس يفترض أنهم محسوبون على السلطة، وينتمون إلى حزب “مستقبل وطن”، وذلك لشعورهم بأن التذمر من فرض الرسوم والضرائب بلغ مداه.

ووصل الأمر إلى رفع دعوى قضائية ضد الحكومة بهدف إلغاء رسوم التنزه على كورنيش النيل باعتباره منفعة عامة ولا يجوز خصخصته أو تحديد مبالغ مالية تحول دون تمتع المصريين به، ثم إن هناك محاور استثمارية عديدة داخله (مقاه ومطاعم وألعاب وقاعات حفلات…) كفيلة بتخصيص عوائدها للإنفاق على الصيانة والأمن والتطوير.

جهاد عودة: الحكومة أخطأت حين اعتقدت أن تسعير التنزه في الممشى أداة ردعويرى مراقبون أن استسهال فرض رسوم وضرائب ولو بقيمة بسيطة يشير إلى أن تعاطي الحكومة مع الشارع يتّسم بالعناد وعدم إدراكها لخطورة التعامل مع صمته المتكرر برعونة واستخفاف وإصرار على تحميله وحده تكلفة الكثير من المشاريع التنموية، حيث يتم الاعتماد على جيوب المصريين في تمويلها ودعمها دون اختيار التوقيت والأسلوب المناسبين لفرض المزيد من الأعباء.

ولم تترك الحكومة سلعة أو خدمة إلا وحددت لها رسوما وضاعفت عليها الضرائب وسط أزمات اقتصادية حادة، حتى لو كانت ملكية خاصة (راديو أو سيارة مثلا) أو عامة (كنهر النيل)، ما تسبب في خسارتها الكثير من الدعم الشعبي في مواجهة خصومها، وصارت تواجه صعوبات بالغة في إقناع الناس بالإنجازات والتحديات الموجودة على الأرض، وأغلب توجهاتها وسياساتها تدعو إلى التشكيك في نواياها.

وأكد سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، أن “تكرار فرض الضرائب كرس مشاعر الإحباط لدى الناس، فليس منطقيا محاصرتهم برسوم على التنزه عندما يحاولون الترويح عن أنفسهم، وهو حصار يشكل خطورة على المجتمع ويقود إلى زيادة الغضب على الحكومة بسبب تصرفاتها”.

وتعتقد دوائر سياسية أن فرض رسوم غير مبررة أحيانا يعبر عن انعدام الحنكة السياسية لدى الحكومة، فهي تنفق مئات المليارات من الجنيهات على مشاريع تنموية وخدمية ثم تنسف كل هذه الجهود لمجرد تحصيل مبلغ هزيل من جيوب البسطاء كما حدث مع “ممشى أهل مصر”، رغم أنه يمكنها أن تتحمل ذلك نيابة عنهم لتثبيت مصداقيتها.وقد لا تكون القيمة التي تم فرضها ذات أهمية بالنسبة إلى البعض. لكن العبرة باستسهال اللجوء إلى جيوب الناس والتعامل معهم كخزينة بنكية تمول عجز الموازنة والمشاريع التنموية، والجور على حقوقهم في التنفيس عن غضبهم قرب النهر بعدما أصبحوا مجبرين على الاحتجاج الصامت ضد الغلاء والظروف الحياتية الصعبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى