القدس

أبعاد ومخاطر تسوية الأملاك في مدينة القدس …!

راسم عبيدات *- 2/9/2021

الإحتلال يُدخل المقدسيين في متوالية من الأزمات والمشاكل والمصائب.. وبما يجعلهم في حالة من الإستنفار الدائم، والتأهب لخوض المجابهة والمواجهة لمخططاته ومشاريعه في التهويد والأسرلة على أكثر من جبهة في نفس الوقت، بحيث يريد من كل إنسان مقدسي، أن يشعر بانه مستهدف في ادق تفاصيل حياته الشخصية، وبالتالي عليه ان ينشد الخلاص الشخصي والفردي، وأن لا يلتفت الى الهم الوطني العام.

إحتلال يريد أن يوصل الإنسان المقدسي الى قناعة بانه وحيد وأعزل في المعركة والميدان، لا تنفعه لا حاضنة شعبية ولا وطنية، وأن “الكف لا يمكن لها ان تناطح المخرز”.. حرب شاملة يشنها الإحتلال على المقدسيين بلا توقف وبلا استراحات، تتجند فيها دولة الإحتلال بكل أجهزتها ومستوياتها ووزاراتها ومؤسساتها وجمعياتها الإستيطانية والتلمودية والتوراتية.. والهدف السيادة على المكان وتغيير واقع المدينة الجغرافي والديمغرافي ومشهدها الكلي من مشهد عربي- اسلامي مسيحي الى مشهد يهودي تلمودي توراتي.. وفرض الرواية الصهيونية على وجودها وتاريخها واقصاء الرواية الفلسطينية.. وممارسة كل أشكال التهجير والطرد والترحيل القسري، ضمن سياسة التطهير العرقي، من خلال “دسترة” و”قوننة” و”شرعنة” المشاريع والمخططات التهويدية.

ولعل قانون ما يسمى بأساس القومية الصهيونية واحد من هذه المشاريع الخطرة، ولكن في ذروة الهجمة على المدينة وسكانها، وفي ظل ما يشهده المجتمع الصهيوني أفراد ومجتمع وأحزاب وحكومة ودولة من عنصرية وجنوح نحو اليمين والتطرف.. وزيرة الداخلية الصهيونية المتطرفة شاكيد، والتي رغم سقوط قانون “المواطنة” – بند لم الشمل – في الكنيست، لكنها تصر على رفض فتح الباب أمام البدء في قبول طلبات لم الشمل، تحت ذرائع وحجج امنية والخطر الديمغرافي على يهودية الدولة.. هذه الوزيرة اليمينية المتطرفة، والتي تنتمي الى حزب “يمينا” بقيادة بينت رئيس وزراء الإحتلال، هي نفسها عندما كانت وزيرة لـ”العدل” في حكومة نتنياهو السابقة، أعلنت منذ آذار عام 2018 عن قرارها البدء في تسوية وتسجيل الأملاك في مدينة القدس ودائرة تسجيل الأراضي إستأجرت مكاتب ووظفت طواقم من الموظفين، وبدأت عملية التسجيل والعمل في العديد من الأحياء المقدسية، منها العديد من الأحواض في بيت حنينا وصورباهر والشيخ جراح والعيساوية والطور.

صحيح بأن تلك الأحياء او المناطق التي جرى اختيار تطبيق قانون تسوية الأملاك فيها، لم يكن بمحض الصدفة، فحكومة الإحتلال  وما يسمى بالصندوق القومي اليهودي “كاكال”، يعتقدون بوجود ثغرات في تلك المناطق تساعد سلطات الإحتلال والصندوق على السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي من خلال تطبيق قانون أملاك الغائبين، أو وجود مستوطنات قريبة في المنطقة، او عدم وجود تسوية خلال الإدارة الأردنية.

ما يسمى بالصندوق القومي اليهودي “كاكال” خصص موازنة بقيمة 100 مليون شيكل خلال السنوات الخمس القادمة، للقيام بعملية تسوية الأملاك في القدس، وكذلك في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني – 48، فهذا “الصندوق القومي اليهودي” يدعي أن الحديث يدور عن آلاف الدونمات في النقب والقدس الغربية والشرقية التي اشترتها شركات فرعية تابعة لـ”كاكال” على مر السنين، ولكن لم يتم تسجيلها في “الطابو”.

وتدعي مصادر في “الصندوق القومي اليهودي” أنه يوجد في سجلاته حوالي 17 ألف ملف من المستندات التي قد تشهد على الصفقات والممتلكات التي يمكن تسجيلها بملكيته، “إذا خضعت لإجراءات بيروقراطية وقانونية مناسبة”.

ويزعم “كاكال” أنه أبرم صفقات شراء هذه الأراضي قبل وبعد العام 1948، ولم تسجل في مكتب تسجيل الأراضي، وهذ الصفقات موثقة فقط في سجلات “كاكال” وشركات تابعة لها.

وأشارت التقديرات إلى أنه من بين الملفات التي سيتم فحصها وتسجيلها هناك حوالي 530 ملفا في الضفة الغربية و2050 ملفا في القدس تشمل 2000 قطعة أرض في مدينة القدس تصل مساحتها إلى 2500 دونم.

يدعي ما يسمى بوزير شؤون القدس الإسرائيلي في تصريح للقناة السابعة العبرية في 18/11/2020، أن إطلاق عملية تسجيل الأملاك والأراضي في القسم الشرقي في المدينة، تأتي لأنه فقط 5% من أراضي المدينة مسجلة في “الطابو”، وهذا مخالف للقانون، وانه يتوجب على السكان دفع الضرائب على تلك الأراضي، وطبعاً منذ فترة شرائها والتي قد تمتد لعشرات السنين.

وهناك هدف مركزي من حملة تنظيم وتسجيل الأراضي، هو التأكيد على السيادة، وبان القسم الشرقي من المدينة جزء من “القدس الموحدة”.

على مدار 54 عام من الإحتلال، في أغلب القرى والبلدات المقدسية التي تقع تحت سيطرة بلدية الإحتلال، لم تجري عملية تسجيل للأراضي والعقارات، وهذا عنى عدم وجود مخططات هيكلية لتلك القرى والبلدات، وبالتالي عدم منح تراخيص للبناء للسكان، وعملية الحصول على تراخيص، هي عملية بيروقراطية معقدة تمتد من 10 – 15 عام، مما يضطر السكان للقيام بالبناء غير المرخص، وغالباً ما ينتهي ذلك بعد كل الغرامات والمصاريف والتكاليف التي تدفع الى الهدم إما القسري الذاتي او بواسطة “بلدوزرات” وجرافات الإحتلال، وعملية الترخيص في القدس مكلفة جداً، رسوم ترخيص تصل ما بين 30 – 50 ألف دولار للشقة الواحدة بمساحة (100م2).

في ظل إطلاق مشروع تسوية وتسجيل الأراضي والعقارات في مدينة القدس، يقف المواطن المقدسي حائراً، هل يتعاطى مع عملية التسوية والتسجيل؟ او يرفض ذلك من منطلق سياسي، كون ذلك مخالف للقانون الدولي، والقدس مدينة محتلة وفقه، أو يقوم بعملية التسجيل لأن ذلك يضمن له حقوقه في أرضه وعقاراته ويحميها من عمليات التزوير والبيع والتسريب، أو ان ذلك سيجر عليه وبالاً من المصائب؟ فالضرائب التي ستفرض عليه، عن الأراضي التي سيقوم بتسجيلها، تكون كبيرة جداً، ويعجز عن دفعها، وبالتالي هو يسلم أرضه بيديه  لـ”كاكال”، ما يعرف بالصندوق القومي اليهودي.. فهذا الإنسان يعيش حالة من التناقض، أولاً القضية السياسية ورفض الإعتراف بشرعية ما يقوم به الإحتلال، والقضية الشخصية الذاتية، الرغبة في تسجيل أرضه وعقاراته “التطويب”، ولكن هذا قد يشكل مدخل للسيطرة على أرضه وأرض غيره، حيث العجز عن دفع الضرائب التي قد تفرض عليها، ناهيك عن أن 65% من أراضي مدينة القدس هي املاك غائبين.

المستوى السياسي الرسمي الفلسطيني في المنظمة او في السلطة ومرجعياتها المشكلة باسم القدس وزارة  محافظة مؤتمر شعبي ..الخ ليس لديهم لا رؤيا ولا منهجية ولا استراتيجية، ولا قرار وإمكانيات مادية ولا آليات لكيفية مجابهة ومواجهة هذا المخطط والمشروع التهويدي.. فقط بيانات وشعارات عامة وتصريحات  ولقاءات ومقابلات أعلامية من باب رفع  العتب ولا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب فيه..!

مشروع تسوية الأملاك والأراضي في مدينة القدس، مشروع تهويدي بإمتياز  يهدف الى:

تعزيز السيطرة على المدينة والسيادة عليها، تحت ما يسمى بـ”القدس الموحدة”،

تعزيز الإستيطان  وزيادة عملية الإستيلاء على الأراضي وطرد وتهجير السكان الأصليين،

تفعيل وتطبيق ما يسمى بقانون أملاك الغائبين، بحيث تسيطر دولة الإحتلال على أملاك المقدسيين المقيمين في الخارج او حتى خارج القدس، في مدن الضفة،

هذه العملية من شأنها اضفاء الشرعية على عمليات تزوير وتزيف الأراضي والممتلكات والقيام بتسريبها بشكل قانوني،

المواطن المقدسي سيضطر الى دفع مبالغ مالية باهظة كتكاليف على عمليات تسجيل الأراضي،

إدخال العائلات في خلافات داخلية واحتراب عشائري حول الملكية،

عدم توفر الأوراق والوثائق الثبوتية لعمليات التسجيل واثبات الملكية.

هذا غيض من فيض حول مخاطر قانون تسوية الأملاك والأراضي، ويحتاج الى منهحية ورؤيا فلسطينية واضحتين في كيفية التعاطي معه ودرء مخاطره التهويدية والإستيطانية.. فهل صناع القرار وقادة المرجعيات يصحون من سباتهم العميق؟

* كاتب ومحلل فلسطيني يقيم في مدينة القدس. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى