أقلام وأراء

‏عمر حلمي الغول‏ يكتب – الإستطلاعات كاذبة

عمر حلمي الغول‏ – 7/11/2020

 تاريخيا ومنذ بدأت ظاهرة استطلاعات الرأي تأخذ مكانها في محاكاة العمليات السياسية والإنتخابية والظواهر المختلفة، لم تنحو جميعها منحاً دقيقا، ولجأت الجهات المتنافرة والمتحزبة واصحاب الخلفيات المتباينة بإسقاط رغباتها وقراءاتها هي، وجانبت الموضوعية لتحقيق غايات محددة في لحظة يذاتها. أضف إلى ان استطلاعات الرأي عموما فيها 3 عوامل لا بد من اخذهما بعين الإعتبار، الأول ان كل استطلاع يجتمل نسبة معينة من الخطأ، تقدرها الجهات القائمة بها بنسبة لا تزيد بالعادة عن 5% إلا ما ندر؛ الثاني إجمالا في حالات الإستقطاب والتجاذب بين قوى متصارعة غالبا ما يحدث تموج وسيولة في المزاج العام؛ ثالثا درجة ثقافة ووعي الشعب هنا او هناك تلعب دورا هاما في دقة الإستطلاعات من عدمها. لإن درجة الوعي تعزز الإستقرار في وجهات نظر الفئات المستطلعة، وتكون عادة اكثر مصداقية؛ وهناك إمكانية رابعة تؤثر على اتجاه المزاج العام، وهي إمكانية حدوث تطورات غير منظورة سلبية او إيجابية، كلاهما يكون له انعكاس على الشارع المستهدف بالإستطلاع. 

وإذا انتقلت من العام للخاص الأميركي، ودققت جيدا في إستطلاعات الرأي الأميركية عشية الإنتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر الحالي (2020) نلحظ انها: اولا لم تكن موضوعية تجاه المرشحين؛ ثانيا شابها التضليل والإسقاطات الرغبوية للقائمين عليها؛ ثالثا جانبت الصواب والحقيقة؛ رابعا كانت ذات خلفية ترهيبية، حيث اراد بعض القائمين عليها، والداعمين لجو بايدن، المرشح الديمقراطي الحؤول دون توجه انصار الرئيس المنتهية ولايته لصناديق الإقتراع، لإن النتيجة محسومة لنائب الرئيس السابق؛ خامسا عملية الإستفزاز ولدت ردة فعل قوية في اوساط المرشح الجمهوري، وسابقوا الزمن للرد على تلك الإستطلاعات، ولتأكيد حقيقة مغايرة؛ سادسا عمقت حدة الإستقطاب والتنافر في الشارع الأميركي. 

والان ونحن ننظر إلى ما يجري على ارض الواقع نجد ان نتيجة الإنتخابات، وبغض النظر عن المرشح صاحب الحظ بالرئاسة الجديدة متقاربة، والفوارق نسبية وضيقة، وليس كما اوحت تلك الإستطلاعات، مما افقد مؤسسات الإستطلاع ذاتها المصداقية في الشارع الأميركي، وكشف ظهرها، ووضعها محل شك، ويمكن للبعض ان يخلص إلى انها تفتقد لإبسط معايير إجراء استطلاعات الرأي. 

صحيح ان الرئيس المنتهية ولايته منفرا وعدوانيا ونرجسيا، ولا هم له غير مصالحه وحساباته الشخصية قبل اي حساب ديني او ايديولوجي، كما انه هدد مصالح الولايات المتحدة الداخلية والخارجية، بيد انه لم يقز برغبة خاصة منه، وانما حملته اصوات المقترعين، التي تناقضت مع مصالحها كجزء من الأمة الأميركية. ومازالت هذة الجماهير، التي صوتت له في الولايات المختلفة تدفع الثمن، وستدفع الثمن لاحقا وقريبا نتاج السياسات، التي إنتهجها وطبقها الرئيس دونالد ترامب. لإن سياساته لن ترتد عليه شخصيا، انما سترتد على الأمة الأميركية ربح او خسر، وكلما بقي في الحكم اكثر، كلما كانت خسائر الأمة الأميركية اكثر فداحة ودراماتيكية. 

لكن كما ذكرت، الناس عادة تكون عدوة نفسها، وتحكمها مصالح آنية وضيقة في التصويت لصالح هذا المرشح او ذاك، ولا تحاكم مرشحيها بموضوعية ومسؤولية، انما تأخذها إنفعالاتها العاطفية بعيدا عن المنطق العلمي، وتدفعها للسقوط في متاهات صحراوية قاحلة. وهنا يتساوي الوعي بين من يمتلك الوعي العالي، ومن يعاني من النقص المعرفي والثقافي والسياسي، فتحصد الأمة نتائج ضد مصالحها ككل، وليس ضد فريق بعينه. 

إذا الصورة التي نعيشها الآن في خضم العملية الإنتخابية الأميركية تشير إلى حقيقة دامغة وساطعة، عنوانها فشل استطلاعات الرأي الأميركية فشلا ذريعا في سبر غور المزاج العام الأميركي. وتؤكد على حقيقة ثانية، أن ترامب حتى لو هزم، إلآ انه تمكن من حصد نصف اصوات المقترعين الأميركيين تقريبا، وهو ما يشير إلى انه يمثل قوة حقيقية في المشهد الأميركي، ولم يكن ظاهرة عابرة. كما ان من صوت للمرشح الديمقراطي، لم يكن تصويتا له، بقدر ما هو تصويت ضد رجل العقارات الفاسد. 

مع ذلك لا يجوز إطلاق حكم قاطع على عدم موضوعية استطلاعات الرأي، لإن هناك استطلاعات موضوعية فعلا، ولكني اعتقد انها قليلة ومحدودة، وليست السمة العامة لعمليات استطلاع الرأي. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى