أقلام وأراء

يونس السيد يكتب – لبنان والتغيير السياسي

يونس السيد – 11/8/2020

مشهد الغضب اللبناني في «يوم الحساب»، وما تخلله من صدامات ومواجهات بين المحتجين، وقوات الجيش والأمن، يؤكد جدية اللبنانيين، وحاجتهم الماسة للتغيير، ليس بسبب انفجار مرفأ بيروت المدمر وتداعياتهالكارثية فقط، وإنما لأن لبنان المحاصر بسلسلة الأزمات السياسية، والاقتصادية، والصحية، والاجتماعية، انتقل إلى مرحلة الأزمة الأخلاقية، ولأن مصير الشعب اللبناني بأسره بات على المحك، ودخل في معادلة «إما نحن وإما هم».. أي إما بقاء اللبنانيين، وإما رحيل الطبقة السياسية برمتها.

لم تكن انتفاضة الشعب اللبناني في 17 أكتوبر/ تشرين الماضي، مجرد نزوة، أو حالة استعراضية عابرة، عندما طالبت برحيل الطبقة السياسية، ورفعت شعار «كلّنْ يعني كلن»، أي كل الطبقة السياسية التي حكمت لبنان طوال العقود الماضية، وحتى الآن، والتي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، والأهم أنها طرحت تغيير النظام السياسي القائم على المحاصصة المذهبية، والطائفية، واستبدال نظام وطني ديمقراطي به.

اليوم، بعد كارثة مرفأ بيروت، تبدو حاجة اللبنانيين اكثر إلحاحاً لتغيير هذا النظام الممتد منذ صيغة 1943 التي عفا عليها الزمن، مروراً باتفاق الطائف عام 1989، الذي يكرس الامتيازات الطائفية، والرئاسات الثلاث، وتوزيع المناصب والإدارات على أسس مذهبية، وطائفية، وهو ما لم يعد ينسجم مع إدراك ووعي وتطور الشعب اللبناني بأغلبيته الساحقة، وجنوحه نحو الانصهار الوطني، والعيش المشترك.

والسؤال الذي يشغل بال الجميع هو كيف يمكن حصول هذا التغيير، وكيف يمكن للبنان الخروج من كل هذه الأزمات المركّبة، هل عبر الانتخابات البرلمانية المبكرة، كما طرح رئيس الحكومة حسان دياب، وهو مطلب أساسي للحراك الشعبي منذ 17 اكتوبر/ تشرين الأول الماضي؟ أو مغادرة الطبقة السياسية الحاكمة للسلطة من دون توافق وطني، والدخول في حالة من الفوضى، وما برافقها من استغلال سياسي في الداخل والخارج؟ وفي حال التوافق على إجراء الانتخابات المبكرة وفق قانون الانتخابات الحالي، ما الذي يمنع من إعادة إنتاج الطبقة نفسها، وتربعها على عرش السلطة مجدداً؟ أي إعادة تسليم السلطة إلى «عصابات إجرامية منتخبة ديمقراطياً»، مع أن كل الطبقة السياسية قديمها، وحديثها، مطلوبة ليس للرحيل فقط، وإنما للتحقيق، والمحاسبة، ودفع الثمن، وبالتالي، لا بد من إيجاد قانون انتخابات عصري يضع الجميع على قدم المساواة ولا يمر عبر الطائفية والمذهبية، وتوافق وطني على تغيير النظام السياسي برمته، يريح الجميع من مسألة توجيه اتهام إلى شخص من طائفة معينة على أنه اتهام للطائفة كلها.

هناك بالتأكيد، في الداخل، من يحاول استغلال الاحتجاجات، واقتحام الوزارات بهدف إعاقة التحقيقات عبر إحراق وإخفاء أدلة معينة قد تدينه، أو تتسبب بمسؤوليته عن كارثة مرفأ بيروت، وهناك في الخارج حراك دولي واسع، ومؤتمر للمانحين لتقديم مساعدات إنسانية للبنان، لن تكون بالتأكيد من دون ثمن، بقدر ما ستكون مدخلا للتغيير السياسي المنتظر بغض النظر عن حدوده وآفاقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى