أقلام وأراء

يونس السيد يكتب –   الاستيطان في المزاد الانتخابي

يونس السيد 23/11/2019

قرار واشنطن الاعتراف بشرعية المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، باعتبارها لا تتعارض مع القانون الدولي، لا يتعارض فقط مع حقائق الجغرافيا والتاريخ، أو القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن، وإنما يضع الاستيطان برمته كورقة للاستثمار في خدمة المزاد الانتخابي لإدارة ترامب وحليفه نتنياهو، على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف في أرضه ووطنه. 

تدرك واشنطن مسبقاً أن قراراً من هذا النوع، ناهيك عن أنه سيشعل غضب الفلسطينيين والعرب، ويضعها في مواجهة العالم، يخالف نهجها السياسي الذي اتبعته منذ عقود، والقائم على عدم الاعتراف بشرعية المستوطنات. لكن منذ متى، كانت إدارة ترامب، تقيم وزناً للقوانين الدولية أو قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو حتى تأبه للمجتمع الدولي والرأي العام العالمي؟! ربما كان ذلك قائماً عندما كانت الولايات المتحدة دولة عظمى مسؤولة، تحسب مصالحها بدقة في المنطقة والعالم، لكن مع مجيء إدارة ترامب سقطت كل هذه الحسابات، وباتت تقتصر فقط على مصالح هذه الإدارة، وكيفية إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية، حتى ولو على حساب الدور الأمريكي وانكفائه من قيادة العالم إلى قيادة أمريكا (أمريكا أولاً) وتحويل الولايات المتحدة إلى دولة عادية.

بهذا المعنى، لم يعد مستغرباً أن تقدم واشنطن على إغراق «إسرائيل» بهذا الكم من الهدايا المفاجئة التي صارت أكثر مِنْ أنْ تعد، ربما على سبيل الاستسهال أو حتى الاستهزاء، بعدما ألغت القوانين الدولية، واقتربت من التخلي عن منظمة الأمم المتحدة نفسها، تماماً كما تخلت عن الكثير من حلفائها في المنطقة والعالم، لكي تتفرغ إلى حل مشاكلها الاقتصادية وحروبها التجارية مع الصين وروسيا وأوروبا، وحيثما وجدت مصلحة لها في ذلك. 

دولتان في العالم فقط أصبحتا الآن فوق القانون هما، الولايات المتحدة و«إسرائيل»، وهما تحتاجان إلى بعضهما بعضاً، فترامب سارع لدعم حليفه نتنياهو بورقة الاستيطان في خضم أزمة تشكيل الحكومة «الإسرائيلية»، ليمنحه «إكسير» الحياة، على أمل تمديد بقائه في السلطة، في مواجهة خصمه الجنرال بيني جانتس، وبالتالي إنقاذ رقبته من حبل المشنقة مع اقتراب توجيه التهم رسمياً له ومحاكمته في ملفات الفساد والرشوة المتورط فيها، فيما ترامب الذي يواجه إجراءات العزل، بدوره، يحاول الاستفادة من بقاء نتنياهو في السلطة لضمان أصوات «الإنجيليين» المتساوقين مع اليمين «الإسرائيلي»، وهم جزء من قاعدة ترامب السياسية والانتخابية التي يعول عليها للفوز بولاية ثانية العام المقبل. 

كلاهما، نتنياهو وترامب، بحاجة لبعضهما بعضاً، لأنهما قد يواجهان المصير ذاته، إما المحاكمة وإما العزل، وبالتالي لم يعد ثمة قيمة لأية حقوق أو قوانين دولية، إذا ما آلت الأمور إلى هذه النتيجة، ولكن ماذا عن صفقة التسوية الأمريكية التي لا تزال إدارة ترامب تعمل على تطويرها منذ نحو ثلاث سنوات؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى