ترجمات عبرية

يوغف الباز – هل عدو العدو هو صديق؟ تدخل اسرائيل في الحرب الاهلية في اليمن

هآرتس – بقلم يوغف الباز  – 19/11/2018

نشاهد في الايام الاخيرة تصعيد في الحرب الاهلية في اليمن. فقط في الاسبوع الماضي وردت تقارير عن أن تحالف عربي واسع برئاسة السعودية بدأ في قصف معاقل الحوثيين، معارضي النظام اليمني المركزي. السعوديين لم يكتفوا بذلك واعلنوا أنهم مستعدون لغزو بري. هذه الخطوات الدراماتيكية حدثت في اعقاب حملات الاحتلال الكبيرة للحوثيين، وهرب الزعيم الحالي من البلاد، عبد ربه منصور هادي. الحوثيون، تحالف قبلي زيدي (فرع هامشي من الشيعة، اتباعه يوجدون في شمال اليمن)، الذين يسمون على اسم الزعيم السابق حسين بدر الدين الحوثي الذي ترأس انقلاب فاشل في العام 2004 وصفي من قبل النظام – يحظون بدعم  جزء كبير من الجيش اليمني المخلص للزعيم السابق علي عبد الله صالح، وبدعم ايران الذي حجمه وطبيعته غير واضحين.

هذه ليست المرة الاولى التي فيها حرب اهلية في اليمن – دولة شرق اوسطية هامشية، تعتبر احدى الدول الفقيرة والمتخلفة في العالم – تتحول الى بؤرة لمواجهة كبيرة. قبل خمسين سنة تقريبا تسبب نزاع دموي كهذا بتغييرات بعيدة المدى في ميزان القوى الاقليمي وأدى بشكل غير مباشر الى حرب الايام الستة. في السنوات الاخيرة عند فتح الارشيفات كشف عن التدخل العسكري الاسرائيلي في الحرب الاهلية في اليمن. هذا التدخل يسلط ضوء جديد على ما يميل محللون كثيرون الى تقليله الى درجة اعتباره صراع عام لا مناص منه بين السنة والشيعة، أو بين السعودية وايران.

في 26 ايلول 1962 نفذت زمرة عسكرية انقلاب ضد الامام الزيدي محمد البدر، الذي قبل اسبوع من ذلك ورث كرسي والده المتوفى. المتآمرون قصفوا قصر الامام وسيطروا على الاذاعة واعلنوا عن اقامة الجمهورية العربية اليمنية. ولكن في منتصف تشرين الاول تبين أنه رغم بيان المتآمرين بشأن موت الامام الشاب، نجح الامام في الهرب الى شمال الدولة وجمع حوله جيش من القبائل المخلصة له وهدد وجود الجمهورية الشابة.

المتمردون ادركوا انه لا يمكنهم الصمود امام الملكيين بقوتهم الذاتية، فقاموا بالتوجه لجمال عبد الناصر، الرئيس الكاريزماتي لمصر، وطلبوا مساعدته. ناصر الذي سعى في حينه الى توحيد العالم العربي تحت زعامة مصر، وشجع انقلابات عسكرية ضد الانظمة الملكية العربية، قام بارسال عدة كتائب مختارة من المشاة الى اليمن. تدخل مصر في اليمن اثار الخوف الشديد لدى الدول العربية المعتدلة مثل السعودية والاردن، ولدى دول غربية لها مصالح في المنطقة، لا سيما بريطانيا التي سيطرت على عدن ومحيطها. الخوف كان من أن الناصرية ستمتد الى جميع الدول العربية، لذلك قرر الثلاثة دعم الامام. في حين أن السعودية والاردن ساعدا الجيش الزيدي في التموين والتمويل بصورة مكشوفة نسبيا، اتبع البريطانيون سياسة ضبابية مقصودة. القيت على وكالة الاستخبارات البريطانية (ال.ام.16) مسؤولية الاتصال بشكل سري مع الملكيين. وهي قررت استغلال خدمات شركة مرتزقة بملكية الكولونيل ديفيد سترلينغ، مؤسس وحدة النخبة في بريطانيا “اس.إي.اس” من اجل ان تستطيع بريطانيا الرسمية نفي أي تدخل. سترلينغ جند للعملية بضعة عشرات ممن خدموا في وحدته، الذين وصلوا الى اليمن بصفتهم مستشارين لقوات الامام بدر. عضو البرلمان البريطاني نيل ماكلين، وهو خريج الاستخبارات البريطانية، عمل وزيرا للخارجية للمرتزقة.

التدخل البريطاني أدى الى تعادل ميزان القوى الذي مال في البداية لصالح المصريين والمتمردين. مصر أخذت في التورط، زادت بعثتها العسكرية أكثر الى أن وصلت في الذروة الى 60 ألف جندي، ثلث الجيش المصري في حينه، وحاولت حسم المعركة، لكن عبثا. في آذار 1963 توقف المصريون المصابون عن الهجوم. بالتدريج بدأ يسود في الدولة جمود عسكري حيث كل طرف تحصن في مواقعه. المصريون سيطروا على جنوب اليمن، في حين سيطر الملكيون على الشمال. ولكن كانت افضلية واضحة للمصريين، مؤيدو الامام كانوا في جيوب جبلية، دون أي منفذ الى البحر. في بداية المواجهة نجحت السعودية في تسليح الملكيين بواسطة الجمال، لكن ذلك لم يكن كافيا. عند اطالة وقت الحرب والخوف الدائم من الانقطاع بحث الملكيون عن طرق جديدة لاحضار التموين وزيادته. في نهاية المطاف وجد المرتزقة حل يتمثل بالتموين عن طريق المظلات. بعد بحث طيران كهذا في اوساط زعماء دول المنطقة المعتدلة (الذين خافوا من عمل مصري مقابل)، توجهت بريطانيا لاسرائيل.

دولة اسرائيل التي في تلك الفترة كانت معزولة نسبيا وتم تحديها اكثر من مرة من قبل جيرانها، وافقت على ذلك. سلسلة احداث على طول الخمسينيات وبداية الستينيات، توحيد مصر وسوريا في كيان واحد خاضع لمصر، انقلاب عسكري في العراق فيه تم اعدام ممثلو النظام المؤيدين للغرب الذي بدا وكأنه وجه من القاهرة، محاولة انقلاب في الاردن بدعم الاستخبارات المصرية، تشغيل خبراء من المانيا عدد منهم نازيون سابقون، في مصر (بالاساس من اجل انتاج سلاح بعيد المدى وطائرات قتالية محلية) والتدخل العسكري في اليمن الذي استخدم فيه المصريون غاز الخردل ضد اليمنيين – كل ذلك رسخ مكانة جمال عبد الناصر كالزعيم الاخطر في المنطقة. الخوف الشديد من أن يقوم زعيم عربي بتوحيد ملايين العرب ضد الاقلية اليهودية ظهر من جديد. هذا الخوف اجتمع مع الخوف الشديد لاسرائيل الشابة بشأن امكانية حدوث كارثة ثانية. تشغيل الخبراء الالمان واستخدام المصريين للغاز أديا الى رؤية عبد الناصر الشيطان الكامل، الخليفة العربي لادولف هتلر. دولة اسرائيل قررت ضرب مصر بقدر استطاعتها.

في صيف 1963 اجرى ماكلن اتصال مع الملحق العسكري الاسرائيلي في لندن، العقيد دان حيران، وبحث معه بشأن مساعدة اسرائيل للامام. حيران نقل الطلب الاستثنائي عبر الوسائل المتبعة، وبعد بضعة ايام وصل ماكلن الى تل ابيب والتقى مع موشيه ديان، الذي رغم أنه كان وزيرا للزراعة، إلا أنه كانت له صلاحيات ولديه ذراع طويل في الأمن. والتقى مع مئير عميت، رئيس الموساد. اسرائيل وافقت مبدئيا وخلال خريف 1963 زادت الاتصالات بين الطرفين وبدأت تتبلور خطة عملية. العملية التي سميت في الجيش الاسرائيلي “عملية روتب”، وبعد ذلك عملية “دربان” بدأت تتبلور.

في 31 آذار 1964 اثناء الليل حلقت طائرة نقل اسرائيلية في سماء اليمن. الطاقم برئاسة الطيار المقدم آريه عوز وجه الطائرة نحو شمال الدولة بين معسكرات الجيش المصري. بعد لحظات شخص عوز في الاسفل عدد من الحرائق الصغيرة، واضاء الضوء الاخضر في اسفل الطائرة. القاء مظلات التموين بدأ، 12 صندوق من الخشب مملوءة بالوسائل القتالية، الذخيرة والمعدات الطبية شقت طريقها بهدوء عبر المظلات نحو الارض. نجاح الاسقاط عزز ثقة الطرفين. نتيجة لذلك وخلال السنتين التاليتين قامت اسرائيل بـ 13 طلعة جوية في سماء اليمن استهدفت تسليح الملكيين. ولكن بسبب حساسية الامر كان يجب الحفاظ على السرية التامة: باستثناء عدد قليل من القيادة العليا الملكية، لم يعرف باقي الاشخاص من هي الدولة المزودة، حتى للسعودية لم تكشف هوية حليفتها خشية أن يرفعوا أيديهم عن دعم الامام.

في حزيران 1965 بدأ المصريون بهجوم على طول الجبهة. الملكيون تضرروا جدا واوشكوا على الهزيمة. في اعقاب ذلك اقترح البريطانيون خطة جريئة: أن يقوم سلاح الجو الاسرائيلي بقصف قواعد المصريين في صنعاء والحديدة، والملكيون يقولون إن هذه طائرات من قبل المرتزقة أو اوروبيين. عيزر وايزمن والطاقم الجوي أيدوا الفكرة، لكن رئيس الاركان اسحق رابين ورئيس الحكومة ليفي اشكول منعوا ذلك.

في آب 1965 تم التوقيع على اتفاق وقف اطلاق نار بين مصر والسعودية بمشاركة ممثلين يمنيين من الطرفين. في اعقاب ذلك توقفت السعودية عن تموين جيش الامام بمن فيهم المرتزقة، الذين بدورهم حاولوا معارضة سوء المصير ولكن في النهاية اعترفوا بوضع الهدنة، وفي أيار 1966 توجهوا لاسرائيل من اجل تأجيل القطار الجوي. رغم محاولات تجديد التدخل (التي شملت افكار مثل ارسال مرتزقة امريكيين الى اليمن بدعم من اسرائيل وتدريب عسكري للامام في التخريب على الاراضي الايرانية) وحتى جس نبض ملك السعودية فيصل بشأن القاء المعدات جوا في شباط 1967 – فان الطلعات لم تستأنف تماما.

فقط النجاح الكبير لاسرائيل في حرب الايام الستة – التي جاءت بدرجة غير قليلة بسبب ضعف مصر في ازمة اليمن – أدى بسخرية شرق اوسطية معتادة الى التقارب بين مصر والسعودية والى انسحاب القوات المصرية من اليمن. في 1970 انتهت الحرب بانتصار الانقلابيين.

حرب اليمن في 2015 مثل اختها في الستينيات تعبر عن ميزان القوى المعقد في الشرق الاوسط. وخلافا للوصف القطبي الثنائي الاعلامي الذي يقول إن الحرب في اليمن هي حرب شيعية – سنية فيها ايران والسعودية تدعمان أبناء جنسهما، ايضا هذه المرة الصورة الاقليمية معقدة اكثر. البعد بين الشيعة الاثني عشرية، الفرع الحاكم في ايران، وبين الفرع الزيدي، أقل بقليل من البعد بين الشيعة والسنة. القبائل اليمنية في حينه كما هي الحال الآن، مخلصة بالاساس لاهدافها. علاوة على ذلك، جزء كبير من جيش اليمن المؤيد للرئيس السابق صالح، يؤيد كما قلنا المتمردين الحوثيين. الدهشة تزداد عندما يتبين أن صالح المحسوب ايضا على الزيديين انضم في انقلاب 1962 الى جيش المتآمرين واصبح مع مرور السنين أحد القادة الاساسيين فيه.

حروب اليمن المختلفة تمثل ميوعة التحالفات السياسية وموازين القوى في الشرق الاوسط: الاصدقاء القدامى يتحولون بين عشية وضحاها الى اعداء، ومصالح باردة تختلط مع ولاءات قبلية وعمليات ثأر قديمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى