ترجمات عبرية

يوسي ملمان / صفقة كوشنير

معاريفبقلم  يوسي ملمان  – 21/9/2018

ينبغي الامل في أنه عندما صلى جارد كوشنير، جيسون غربنبلت وديفيد فريدمان أول أمس فانهم طلبوا المغفرة والغفران عن خطيئتين ارتكبوها قبل وقت قصير من يوم الغفران. احداهما هي وقف المساعدة الامريكية بمبلغ 20 مليون دولار لمستشفيين في شرقي القدس، احدهما هو الوحيد الذي يوجد فيه قسم لمعالجة امراض الشيخوخة ويعالج فيه الاطفال. والخطيئة الثانية هي وقف مخصص بمبلغ 10 مليون دولار لتمويل برامج ولقاءات بين اطفال اسرائيليين وفلسطينيين.

كوشنير هو صهر الرئيس دونالد ترامب، مستشاره الكبير والرجل الذي يهمس في اذنه. وضمن أمور اخرى هو مسؤول عن سياسته في الشرق الاوسط. اما غرينبلت فهو مبعوث الادارة الخاص للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. وفريدمان هو سفير الولايات المتحدة في اسرائيل. كلهم يهود نشأوا في التربة نفسها. تعلموا في مدارس دينية ثانوية في الولايات المتحدة. وغرينبلت انهى ايضا دراسته في مدرسة دينية في اسرائيل. وبعد ذلك واصلوا الدراسة في جامعات امريكية معتبرة. غرينبلت وفريدمان هما محاميان، وكوشنير ورث امبراطورية عقارات من أبيه، الذي حكم بالسجن لسنتين على الغش، اخفاء الضريبة والتحرش بشاهد. عمل فريدمان وغرينبلت كمحاميين ومستشارين لمجموعة ترامب، وكوشنير هو ابن بيت. قربهم من ترامب وعملهم معه ساعدهم على تلقي وظائف منشودة ومواقع قوة وتأثير في إدارته. رغم فوارق السن – فريدمان ابن 60، غرينبلت ابن 52 تقريبا وكوشنير ابن 37 – توجد لهم ميزة مشتركة: فكر محافظ ترامبي ودعم لليمين والقومية الاسرائيلية المتطرفة.

هذه هي اليوم الثلاثية التي تصمم السياسة الامريكية في النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. لا وزارة الخارجية، لا البنتاغون ولا السي.اي.ايه. في بداية ولايتهم حاولوا ان يبلوروا ما وصفه ترامب بانه “صفقة القرن”، والتي كان يفترض بها ان تحقق اتفاقا مخترقا للطريق بين اسرائيل والسلطة. وادعى الرئيس بان اسرائيل هي الاخرى سيتعين عليها ان تدفع ثمنا. اليسار الاسرائيلي اليائس تعلق بترامب وكأنه المخلص. وكرر ترامب هذه الاقوال حتى بعد أن نقل في شهر ايار الماضي السفارة الى القدس. وحتى اليوم يواصل رجال ترامب التلميح بان خطتهم ستخرج الى حيز التنفيذ وستفاجيء الجميع. ولكن كلما مر الزمن، تعاظمت الشكوك في اسرائيل، في الولايات المتحدة وفي السلطة الفلسطينية.

السلطة، بقيادة ابو مازن، قطعت كل اتصال مع الادارة في اعقاب نقل السفارة من تل أبيب، ومنذئذ وهي ترفض اللقاء مع مندوبيها وترفض كل مبادرة للحوار. وردا على ذلك  قرر كوشنير الانتقام. من كتاب الصحافي بوب ود وورد عن البيت الابيض ترامب “الخوف” ترتسم صورة كوشنير كانسان ذي نزعة قوة، نوازع داخلية ونابش لا يكل ولا يمل. هدفه هو الاهانة، المعاقبة والفرض على السلطة لقبول املاءات ترامب ونتنياهو لتسوية سلمية خانعة مع اسرائيل. وهو يؤمن على ما يبدو بانه يمكن معاقبة الضعفاء من خلال اضعافهم اكثر فأكثر. لعل هذا ساري المفعول في عالمه الروحي، الذي تضايق فيه قروش العقارات السكان المستضعفين وتطردهم من ممتلكاتهم مقابل القروش، ولكن هل ينطبق هذا ايضا على شعوب ذات تاريخ وعزة وطنية؟

مثلما في بشرى أيوب، وجه كوشنير ورفيقاه الضربة تلو الاخرى الى السلطة الفلسطينية. كانت الاولى وقف التمويل الامريكي بمبلغ 360 مليون دولار لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. وبعد ذلك اغلقوا ممثلية م.ت.ف في واشنطن وطردوا الممثل وعائلته وهذا الاسبوع اغلقوا ايضا حسابات البنك. بافعالهم هذه توقفت الولايات المتحدة في واقع الامر عن الادعاء بانها وسيط نزيه، هذا اذا كانت كذلك في اي مرة على الاطلاق.

يمكن الجدال في حكمة الخطوة بالنسبة للاونروا. فمنذ الحرب العالمية الثانية اعتنت مفوضية الامم المتحدة للاجئين بعشرات ملايين البشر. وباستثناء فترة قصيرة، اقيمت فيها دائرة خاصة للعناية بتأهيل اللاجئين بعد الحرب الكورية، فان للاجئين الفلسطينيين وحدهم توجد وكالة خاصة ومميزة. هناك من يدعون، ولا سيما بالطبع في اليمين، بان الاونروا تخلد فقط مشكلة اللاجئين، تغرس فيهم الوهم بانهم سينالون ذات يوم العودة الى ديارهم، تتجاهل التحريض ضد اسرائيل في المدارس، تضخم عددهم وتسمح للسلطة الفلسطينية وللعالم العربي ان يستخدموهم بتهكم لمناكفة اسرائيل. ينبغي الاعتراف بان ثمة شيئا ما في هذه الحجة.

ولكن حتى لو كانت حاجة الى تفكيك الاونروا ونقل العناية باللاجئين الى مفوضية الامم المتحدة، او نقل الاموال مباشرة الى حكومات الدول التي يسكنون فيها – غزة، السلطة الفلسطينية، لبنان، سوريا، الاردن – يجدر بناء مثل هذه الخطوة بالتدريج وليس بطريقة ضربة واحدة وانتهينا. يجب اعداد الارضية لذلك جيدا، ففي النهاية يدور الحديث عن بني بشر، فقراء، كيس القمح وزجاجة الزيت الذين يتلقيانهما يسمحان لهم بالعيش. فضلا عن ذلك، فان وقف التمويل للاونروا او حلها دون اقامة جهاز وخطة بديلة سيضران بشدة ليس فقط بغزة وبالضفة بل وايضا بالاردن الذي يعيش من ازمة اقتصادية الى اخرى ويختنق على اي حال تحت عبء ملايين اللاجئين من حرب الخليج في العراق ومن الحرب الاهلية في سوريا، والاردن هو حليف هام سواء لاسرائيل ام للولايات المتحدة. كلتاهما لا تريدان ان توجها للنظام الهاشمي ضربة اخرى.

ليس صدفة أن جهاز الامن لا يستطيب خطوات ادارة ترامب. وبالتأكيد ليست الضربات التي تأتي انطلاقا من احساس الاهانة والامتشاق من تحت الابط لكوشنير ورفيقيه. لا مفر ولا مرتين سمعنا من رئيس الاركان ومن كبار رجالات هيئة الاركان، ومن المخابرات ايضا بان الهدوء في الضفة يعتمد على مرسيين. الاول هو التعاون الامني مع السلطة، والذي يخدم مصالح مشتركة بينها حفظ الاستقرار النسبي ومكافحة حماس. يمكن الافتراض بان التعاون سيستمر وانه كان للادارة الامريكية ما يكفي من العقل الا تقلص المساعدة لاجهزة الامن الفلسطينية، ربما لان هذا الموضوع ليس بالمسؤولية المباشرة لكوشنير بل للبنتاغون.

المرسى الثاني هو اقتصادي. فالاستقرار والهدوء يبقيان ضمن امور اخرى وربما اساسا لان مئات الاف الفلسطينيين يخرجون كل صباح للعمل ويعيلون عائلاتهم. والمس المفاجيء بالاونروا من شأنه ان يضعضع هذا الاستقرار وهذا الامن الاقتصادي، ولا سيما في غزة، حيث يوجد الوضع الانسانية على اي حال على شفا حفرة. وخطير بلا تقدير، ولا انساني حقا، هو القرار بوقف المساعدة للمستشفيين ولبرامج التعليم، ولا سيما عندما يكون هذا من فعل يهود مؤمنين في فترة الايام الفظيعة بين رأس السنة ويوم الغفران. هذه هي ايضا خطوات غبية من كل ناحية كانت. فاسرائيل تدعي بان القدس هي مدينة موحدة كل سكانها، يهودا وعربا، يوجدون في مسؤوليتها. وبالتالي فان عليها أن تحرص على صحة الجميع، بما في ذلك سكان شرقي المدينة. اذا لم تتم اعادة التمويل الامريكي، فسيتعين على حكومة اسرائيل ان تنقل من ميزانيتها الاموال الناقصة. كما أن الغاء التمويل لبرامج التعليم  المشتركة للاولاد اليهود والعرب هو كالسهم المرتد. فاسرائيل تشكو من ان جهاز التعليم الفلسطيني ينمي الكراهية لاسرائيل ولليهود وينم احيانا عن نزعات لاسامية. اما البرامج التي الغيت فكانت تستهدف التوازن حيال الكراهية والتحريض. وهي تربي على التعايش، التسامح وقبول الآخر. والان اذهب لتشرح كل هذا لشاب ابن 37 يعتقد انه يعرف بشكل افضل من الجميع ما الذي ينبغي عمله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى