يوسي بيلين – على جيش الدفاع أن تتوقف عن العمل في المناطق أ
موقع المونيتور – بقلم يوسي بيلين – 1/6/2018
الرقيب أول رونين لوباريسكي من وحدة المستعربين “دبدوبان” هو الجندي الأول الذي قتل في مواجهة مع الفلسطينيين من هذه الوحدة، قبل حوالي 32 عامًا (1986)، القتلى الـ 17 الآخرين قضوا في ظروف إطلاق نار صديقة، وفي حوادث. يوم الخميس الماضي (24 مايو) وخلال اعتقال مطلوبين بمخيم اللاجئين بالقرب من رام الله، في المنطقة (A) حيث المسؤولية الأمنية فيه تقع على عاتق السلطة الفلسطينية؛ ألقي على لوباريسكي لوح ثقيل من الشايش فأصيب بجراح بالغة، وتقررت وفاته السبت.
وزير الأمن أفيغدور ليبرمان قال في حديثه التوضيحي ان “دبدوبان من وحداتنا المنتخبة، وتقوم كل ليلة باعتقالات كثيرة وفي حرب لا تتوقف، ليس لها شهرة أو نشر”، ممثلو حكومة آخرين تطرقوا إلى إيجابيات هذه العمليات في الدفاع عن أمن إسرائيل.
ولكن، لدى الجيش الإسرائيلي على ما يبدو قائمة طويلة من المطلوبين، وهو يطلق بشكل روتيني وحدة المستعربين لكي تتعقب ليلًا هؤلاء الأشخاص، لكي تحصل منهم على شهادات وتعتقلهم وتحاكمهم أو تعتقلهم إداريًا. الحقيقة أنه في الاتفاق المرحلي بيننا وبيت منظمة التحرير في الـ 28 من سبتمبر 1995 (أوسلو ب) ضُمن ان الفلسطينيين هم المسؤولون عن أمنهم الداخلي، وأن إسرائيل لن تدخل إلى المناطق (A) المعرفة بأنها مناطق تخضع للسيطرة المدنية والأمنية الفلسطينية؛ مُسحت، الجيش الإسرائيلي يعمل في رام الله وفي المنطقة (A) التي تمثل حوالي 18% من أراضي الضفة الغربية وكأنها ضمن نفوذه.
خلال أقل من ست سنوات بعد توقيع هذا الاتفاق، احترمته إسرائيل وأبقت الشئون الأمنية الداخلية بأيدي الفلسطينيين. مع انتخاب أريئيل شارون رئيسًا للحكومة (2001)، وعلى خلفية الانتفاضة الثانية، وفي ذات الوقت مع عملية “السور الواقي” (2002) التي أعادت إسرائيل على متون دباباتها إلى مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني؛ تقرر ان إسرائيل لن تحترم بعد توقيعها على الاتفاق المرحلي، ذلك ان الفلسطينيين خرقوا تعهداتهم في هذه الوثيقة.
مرت 17 سنة منذ ذلك الحين، التنسيق الأمني بين إسرائيل وبين الجهات الأمنية الفلسطينية أصبح وثيقا للغاية، مستوى الأمن في الضفة الغربية تحسن بلا حدود، ما بين الفينة والاخرى يحدث توتر وارتفاع في مستوى العنف؛ لكن بشكل عام يُسيطر الفلسطينيون على الوضع. إسرائيل اخترقت اتفاقية “أوسلو ب” بأن قررت ان ليس هناك ما يمنع قواتها الأمنية من الدخول إلى المناطق الفلسطينية، وقامت بذلك بسبب الانتشار الكبير للعنف الفلسطيني في الانتفاضة الثانية؛ هذه الانتفاضة انتهت في اتفاق القاهرة بين حماس وفتح (مارس 2005) بعد انتخاب محمود عباس رئيسًا فلسطينيًا بوقت قصير، ومن حينها لم يوقف الجيش الإسرائيلي أعماله في المنطقة (A).
ليس من الصعب تبرير دخول الجيش الإسرائيلي هذا إلى المناطق الفلسطينية، قائمة المطلوبين لدى إسرائيل تتكون من الشباب المشتبه بهم بأنهم نفذوا أعمالًا “إرهابية” أو أنهم ينوون تنفيذها، ولو ان الجيشالإسرائيلي اكتفى بتسليم أسمائهم إلى السلطة الفلسطينية فهناك شك بأنها كانت لتقوم بدور الخيانة، وسيما ان أسس الاشتباه لم ترسل إليها. ولأن المؤسسة الأمنية تتوقع ان الاعتقال من شأنه ان يمنع العنف، فإنها تعمل بنفسها. علاوة على ذلك، من جهة فإن الراحة الكامنة في أن الاتفاق المرحلي ساري المفعول وأننا نتمتع بالكثير من جوانبه، ومن جهة أخرى فمسموح لنا ان نعمل في المنطقة وكأنه ليس هناك اتفاق قائم كهذا كما عملنا لغاية 1993؛ تمنع هذه السهولة المؤسسة الأمنية من ان تعيد إلى السلطة الفلسطينية صلاحيتها الأمنية.
في الكثير من الحوارات مع القيادة الفلسطينية طرح هذا الموضوع، وما زلت أذكر الحوارات مع رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض الذي قال لي ان “العظمتيْن في الحلق الفلسطيني” هما استمرار البناء في المستوطنات والاقتحامات الليلية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في المدن الفلسطينية. حسب قوله، منذ اللحظة الأولى التي خرجت فيها إسرائيل من قطاع غزة كفت عن اعتقال المطلوبين من هناك، بالرغم من أنه لا تزال لديها قائمة مطلوبين غزيين، وعليها ان تطبق ذات السياسة في الضفة الغربية، “لستم تفهمون في أي وضع وضعتم السلطة الفلسطينية عندما عملتم في المنطقة (A) أيضًا وكأنها منطقتكم، وشرطيونا يقفون خجلين على جنب، عاجزين تماما. هذه الاعتقالات تمس بنجاح التنسيق الأمني، والذي هو مهم لكم ومهم لنا، وعليكم ان توقفوا ذلك” حذرنا.
الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل لم تعلن عن إلغاء اتفاقية أوسلو أو التشريعات النابعة من هذا الاتفاق. طالما أنها معنية بوجوده (لأنه يسمح بتمويل ميزانية السلطة الفلسطينية من خلال الدول المانحة، ولأنه يسمح باستمرار التنسيق الأمني، ولأنه يسمح باستمرار وجود “مظلة” لا تمنع صراحة البناء في الضفة الغربية)؛ فالأفضل ألا تخرقه كل ليلة تقريبًا في تعقب المطلوبين.
يصعب على الجمهور ان يعرف ما هو المقصود، هل المطلوبون هم حقًا من النوع الذي ينقذ اعتقالهم حياة الناس؟ هل يدور الحديث عن شبهات أولية فقط؟ كم من المعتقلين يحررون بعد اعتقالهم دون إجراءات محاكمة؟ وكم من بينهم يدانون في نهاية المطاف بمخالفات غير خطيرة؟ أغلب الجمهور يميل إلى الظن بأنه إذا ما تكلفت إسرائيل بإرسال جيشها في منتصف الليل إلى أشخاص ناعسين في الضفة الغربية مخاطرة بجنودها فهي قوية، حيث يدور الحديث عن “قنبلة موقوتة”، لا يقول أحد لنا من هو المطلوب الذي قتل بسببه جندي من الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي؟ وما هو وجه الاشتباه به؟ ونحن لا نسأل: هل هناك تبرير للأثمان المدفوعة من قبل إسرائيل بسبب خرقها المتواصل للاتفاق؟
الدكتور فياض لم يعد رئيسًا للحكومة الفلسطينية، ولكن أقواله كانت جديرة بأن يسمع لها، وما تزال تدوي اليوم أيضًا: هذه الاعتقالات الليلية كأمر روتيني يجب أن تتوقف. صحيح ان الانفصال عن مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية مؤلم، لكن وكما اعتدنا على الانفصال عن مخيمات اللاجئين في غزة سننجح في الانفصال عنها في الضفة أيضًا.
*تولى الدكتور يوسي بيلين مناصب مختلفة في الكنيست والحكومة الإسرائيلية ، وكان آخر منصب حكومي له هو وزير العدل والأديان ، بعد أن ترك حزب العمل وترأس حزب ميريتس ، بما في ذلك عملية أوسلو وتفاهمات بيلين وأبو مازن. الاكتشاف.