شوؤن دولية

يوسف يونس: عشرة قوانين دولية من حيث النشأة والتطبيق خلفية تاريخية

يوسف يونس 1-12-2003: عشرة قوانين دولية من حيث النشأة والتطبيق خلفية تاريخية

– الملخص –

1) القانون الدولي في فض المنازعات الدولية:

  • لجوء الدول الى التحكيم لتسوية المنازعات التي تنشأ بينها امر قديم نجده عند المدن اليونانية وقد كان لها مجلس دائم للحكم تعرض عليه ما يقوم بينها من منازعات كما نجد بعد ذلك في القرون الوسطى حيث كانت الدول المسيحية تحتكم في منازعاتها الى البابا.
  • ولم يكن التجاء الدول الى الحكم في مبدأ الامر موضوع سابق بينها وانما كان يتوقف على رغبتها في تسوية نزاع معين عند قيام هذا النزاع وفي هذه الحالة تعقد الدولتان المتنازعتان اتفاقا يقرران فيه احالة النزاع على الحكم مع تحديد موضوع هذا النزاع وبيان اسماء المحكمين والاجراءات الواجب اتباعها عند فض النزاع وفي بعضا لاحيان ايضا القواعد القانونية التي تطبق للفصل بينها.
  • ومن امثلة النزاعات التي حلت باتفاق بين الدول في القديم قضية سفينة الالاباما التي بنتها بريطانيا وسلحتها واغرقت هذه السفينة عدد كبير من سفن ولايات الشمال الامريكية اثناء حرب الانفصال الامريكية حيث كانت بريطانيا تقدم المساعدات سرا لولايات الجنوب بالسماح لها ببناء السفن التي كانت تستعملها في الاعمال الحربية ولما انتهت الحرب بانصار ولايات الشمال طالبت بريطانيا بتعويضها عن هذه الخسائر على اساس ان موقف هذه الدولة كان مخالفا لاصول الحياد ولم تؤد المفاوضات بين الدولتين الى حل النزاع واتفق على حله عن طريق عرضه على هيئة تحكيم وتم هذا الاتفاق في معاهدة ابرمت في واشنطن سنة 1871 تقرر فيها ان تكون هيئة الحكم من خمسة اعضاء تعين كل من بريطانيا والولايات المتحدة واحدا عنها ويعين الثلاثة الاخرون بمعرفة كل من ملك بريطانيا ورئيس الاتحاد السويسري وامبراطور البرازيل واجتمعت هيئة الحكم في جنيف سنة 1872 واصدرت قرارها في صالح الولايات المتحدة والزمت بريطانيا بدفع التعويض الملائم واضطرت بريطانيا الى الخضوع في نهاية الامر مكرهة لهذا الامر.

2 ) القانون الدولي للحرب البرية:

  • اوضح هذا القانون ان نطاق الحرب البرية يشمل اقليم كل من الفريقين المتحاربين برمته كما يمكن ان يمتد الى المستعمرات التابعة لكل منها والى أي اقليم اخر يقومون بادارته اذا كان هذا الاقليم يساهم في نشاط الحرب او كان محلا لاستعدادات او تجمعات عسكرية ولا تعتبر الاقليم المشمولة بحماية او وصاية دولة محاربة داخله ضمن نطاق الحرب طالما انه لا يتم فيها أي نشاط حربي او عسكري يتصل بالحرب القائمة ويكون من شأنه الاضرار بالعدو.
  • ولا يجوز باي حال ان يمتد نطاق الحرب البرية الى اقليم دولة محايدة الا ردا على اخلال يقع منها بواجبات الحياد المطلوب منها، ويستوي التحريم بالنسبة للاقليم المحايد القيام فيه بعمليات حربية او مجرد مرور قوات احدى الدول المتحاربة فيه لتصل منه الى اقليم العدد او الى البحر.
  • كذلك يمنع على الفريقين المتحاربين القيام باية عمليات حربية في الاجزاء من اقليمها التي يكون قد تما الاتفاق بينهما من قبل على اعتبارهما مناطق محايدة، ما لم تقم الدولة صاحبة الاقليم في المنطقة التابعة لها باعمال لها اتصال بالحرب القائمة او لم يكن هناك مفر من اقحامها في الحرب نظرا لموقعها من ميدان القتال.

3 ) القانون الدولي للاحتلال الحربي واثاره:

  • الاحتلال الحربي وضع يقره القانون الدولي العام ويرتب عليه حقوق للمحتل وواجبات عليه، لكنه وضع مؤقت ومحدود الاجل يجب ان ينتهي بانتهاء الحرب اما بعودة الاقليم الى سلطات الدولة صاحبة السيادة الاصلية عليه واما بضمه الى الدولة المحتلة وقد حدث في التاريخ ان احتلت فرنسا الجزائر وضمتها اليها ثم عادت وانسحبت منها.
  • اما الاثار التي تترتب على الاحتلال الحربي في ما يتعلق بسيادة الاقليم المحتل فقد حددت لائحة لاهاي للحرب انه لا يترتب على الاحتلال الحربي انتقال ملكية الاقليم المحتل الى الدول المحتلة ما دامت الحرب قائمة ولم تنته بالاتفاق على ضمه لاقليم الى هذه الدولة ولا يجوز قانونا للدولة المحتلة ان تعلن من جانبها ضم الاقليم اليها على اثر احتلالها له ومثل هذا الاعلان لو صدر لا يترتب عليه اثر قانوني لان الضم لا يكون صحيحا الا باتفاق عليه عند عقد الصلح وعلى ذلك تحتفظ الدولة صاحبة الاقليم بحقوق سيادتها عليه، انما الدولة المحتلة تتولى ممارسة هذه الحقوق اثناء مدة الاحتلال حيث يقتضي قيامها بادارته اللجوء الى احدى طريقتين اما ابقاء الادارة القائمة في الاقليم وقت الاحتلال على ماهي عليه والاشراف عليها وتوجيهها تبعا لما تقتضيه مصالح الدولة المحتلة واما استبدال هذه الادارة باخرى تقيمها الدولة المحتلة لخدمة مصالحها وتنفيذ رغباتها.
  • وعلى سلطات الاحتلال في أي من الطريقتين ان تبدأ عملها باتخاذ الاجراءات الكفيلة باعادة وترتيب النظام في الاقليم حتى تأخذ الحياة العامة مجراها الطبيعي.

4 ) القانون الدولي لمعاملة اسرى الحرب:

  • كانت الهمجية في العصور الوسطى تدفع الدول المتحاربة الى قتل الاسرى ثم رؤى بعد ذلك الانتفاع بهم فحل الاسترقاق محل القتل ثم اصبح بالامكان افتداء الاسرى بالمال واستمر التطور تحت تأثير فكرة الانسانية والشرف حتى انتهى الى اقرار الاكتفاء بحجز الاسرى او وضعهم تحت المراقبة مع العناية بهم حتى يتقرر الافراج عنهم في نهاية الحرب.
  • وتخضع معاملة الاسرى في الوقت الحالي للقواعد التي وضعتها لائحة لاهاي ولاتفاقية جنيف لسنة 1949 والتي تطلب من الدول التي وقع فيها اسرى ان تعاملهم وفق مبادئ الانسانية وان تحميهم من اعمال العنف او الذل وان تسمح بملكيته اشيائهم الخاصة وان يكون الاماكن التي تخصص لاقامتهم بعيدة عن منطقة القتال ويراعى في معاملة الاسرى مركز كل منهم العسكري ويعامل النساء من الاسرى بالرعاية الواجبة لجنسهم على ان يمنحوا كافة المزايا المقررة لاقرانهم من الرجال، ولا يجوز باي حال ان يقتطع من غذاهم شيء على سبيل جزاء تأديبي جماعي.
  • يجول الافراج عن اسرى الحرب بناء على وعد منهم بالا يعودوا الى حمل السلاح واذا نكث المفرج عنه وعاد الى حمل السلاح ضد الدول التي بذل عهده لها او ضد احد حلفائها فقد الحق في ان يعامل كأسير حرب ولهذه الدولة اذا ما وقع اسير لديها ان تحاكمه وتوقع عليه العقوبة المقررة لفعله.
  • اما الافراج النهائي عن الاسرى فلا يتم الا بعد انتهاء الحرب وعقد الصلح.

5 ) القانون الدولي لمعاملة مجرمي الحرب:

  • دفعت الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الاولى دول الحلفاء الى السعي لمعاقبة الاشخاص الذين ارتكبوها والذين وقعت بامرهم وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية وفيها انتهكت دول المحور مبادئ الانسانية ابشع انتهاك وخشيت الدول المتحاربة معها ان تحدث بعد هذه الحرب ما حدث بعد سابقتها أي الحرب العالمية الاولى ويفلت المسؤولون عن الفظائع والجرائم من العقاب فبادرت هذه الدول باصدار تصريح مشترك يعرف بتصريح موسكو في 3 اكتوبر لسنة 1943 اتخذت فيه قرار بارسال الضباط الالمان واعضاء الحزب النازي المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في البلاد الاوروبية المحتلة الى البلاد التي وقعت فيها جرائمهم ليحاكموا فيها طبقا لقوانينها وذلك مع عدم الاخلال مما يتخذ بشأن كبار مجرمي الحرب الذين لم تقع جرائمهم في جهات محددة تحديدا جغرافيا والذين يكون عقابهم طبقا لقرار 8 اغسطس لسنة 1945 الذي ابرم في لندن بين كل من بريطانيا وامريكا وروسيا وفرنسا باعتبار هذه الدول ممثلة لمصالح الامم المتحدة جميعا وفيه تقرر تشكيل محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الالمان وقد حكم على المسؤولين في هذه الجرائم بعقوبات تتفاوت بين الاعدام والسجن المؤبد او المؤقت ونفذ فيهم الحكم.
  • اما كبار مجرمي الحرب الذين قصد اليهم اتفاق لندن فقد قدم منهم للمحكمة الدولية في دوره نورمبرج 24 شخصا حكم على بعضهم بالاعدام وعلى البعض الاخر بالسجن لمدة مختلفة وتم تنفيذ الحكم في حينه.

6 ) القانون الدولي للبحار:

  • نتيجة لاهمية البحار باعتبارها الطريق الاول للمواصلات الدولية اصبح لها على ممر الزمن نظام قانوني يدور حول فكرة اساسية هي ضمان حرية الملاحة وتأمينها وما يهمنا في هذا المجال هو حرية الملاحة في اعالي البحار.
  • لا تدخل اعالي بالبحار في ملكية احد ولا تخضع لسيادة دولة او دول معينة دون غيرها وللجميع دولا وافرادا حق الانتفاع الحر بها على السواء ولفظ اعالي البحار يعني تحديد كل اجزاء البحر التي لا تدخل في البحر الاقليمي.
  • كان من دوافع وضع مبدأ قواعد حرية البحار كقاعدة من قواعد القانون الدولي ان ادعت بعض الدول البحرية السيادة على الاجزاء المقابلة لشواطئها واحيانا على بعض المناطق الممتدة لمسافات بعيدة عنها فادعت روما السيادة على البحر الابيض المتوسط وادعت البندقية السيادة على بحر الادرياتيك وادعت اسبانيا السيادة على القسم الجنوبي من المحيط الاطلسي وبريطانيا على القسم الشمالي منه وعلى بحر المانش والدنمرك والسويد على بحر البلطيق.
  • ونتيجة للمشاكل التي صادفتها الدول تبين ان من مصلحتها المشتركة ان تكون الملاحة حرة في البحار ولم ينتصف القرن 19 الا وكان مبدأ اعالي البحار قد استقروا واصبح قاعدة من قواعد القانون الدولي العام وقد سجلت اتفاقية اعالي البحار التي اقرتها جماعة الدول في مؤتمر في جنيف سنة 1958.

7 ) القانون الدولي لتحويل السفن التجارية الى سفن حربية:

  • لما شاع استخدام السفن التجارية في شؤون الحرب البحرية عن طريق دعوتها للتطوع اخذت بعض الدول تستعمل هذه السفن بعد تسليحها في عرض البحر في الاعمال التي هي من اختصاص المراكب الحربية وحدها ومنها التعرض لسفن المحايدين مما لفت الدول الاخرى الى ضرورة وضع نظام تحويل السفن التجارية الى سفن حربية وقد عرض الامر على مؤتمر لاهاي سنة 1907 فانتهى الى اقرار اتفاقية خاصة تقرر فيها انه لا تثبت للسفينة التجارية المحولة الى سفينة حربية الحقوق والواجبات المتصلة بهذه الصفة الا اذا روعيت الشروط الاتية:
  • ان توضع السفينة المحولة تحت السلطة المباشرة للدولة التي تحمل علمها.
  • ان تتخذ المظهر الخارجي المميز للسفن الحربية لدولتها.
  • ان يكون قائدها مقيدا اسمه في قائمة ضباط الاسطول البحري.
  • ان يخضع بحارتها للنظام العسكري.
  • ان تتبع في عملياتها قوانين وعادات الحرب.
  • ان تقوم الدولة في اقرب وقت بتسجيلها في قائمة السفن الممكنة لاسطولها البحري.

8 ) القانون الدولي للانهار الدولية:

  • نظرا لما للانهار من اهمية كمورد رئيسي للمياه وكاحدى وسائل النقل الطبيعية واثر ذلك في التجارة الدولية فقد بدأ اهتمام الدول بتنظيم الملاحة النهرية دوليا منذ اواخر القرن 18 لكنها لم تلجأ الى وضع نظام عام ثابت الا بعد الحرب العالمية الاولى وضمنت هذا النظام اتفاقية جماعية اقرها مؤتمر برشلونة للمواصلات في سنة 1921.
  • ولا شك ان لكل دولة يمر بها او فيها نهر دولي حرية الملاحة في الجزء الداخل منه في ملكيتها الاقليمية اما ما يقع من النهر في اقاليم الدول الاخرى فلم يكن فيما مضى يسمح لغيرها بالملاحة فيه الا بناء على اتفاقات خاصة ومقابل دفع رسوم معينة ولما كان ذلك من شأنه ان يعوق التجارة الدولية ولا يتفق مع مصالح أي من الدول المشتركة في النهر فقد انتهى الامر الى اقرار مبدأ حرية الملاحة في جمع اجزاء النهر الصالحة بها من منبعه الى مصبه لكل من الدول التي يقع في اقليمها اما الدول الاجنبية فقد ظلت الى وقت قريب لا يسمح لها بحرية الملاحة رغم ما كان ينادي الكثيرون من علماء القانون الدولي من وجوب سماح الدول صاحبة النهر للمراكب الاجنبية بالمرور البريء في انهرها ولعل فرنسا كانت اولى الدول التي اعلنت وجوب تقرير مبدأ حرية الملاحة في الانهار وطبقته من جانبها بالفعل بالنسبة لنهر الموز والاسكو.
  • وقد سعت الدول بعد الحر العالمية الاولى لتدعيم مبدأ حرية الملاحة في الانهار باحكام جديدة فخصصت للملاحة النهرية فضلا خاصا في معاهدة فرساي المواد 327-362 قررت فيه الملاحة لجميع مراكب الدول وان تستوي في ذلك مراكب الدول صاحبة النهر ومراكب غيرها من حيث المرور ومن حيث المعاملة.

9 ) القانون الدولي للملاحة الجوية:

  • كان للحربين العالمين الاولى والثانية الاثر الكبير في دفع الدول للاهتمام بتنظيم الملاحة الجوية على نطاق دولي فبعد الحرب العالمية الاولى ابرمت لهذا الغرض في سنة 1919 اتفاقية باريس للملاحة الجوية وساهمت في هذه الاتفاقية سبع وعشرون دولة وانضمت اليها بعد ذلك اغلب الدول التي لم تساهم في ابرامها.
  • وبعد الحرب العالمية الثانية اتجهت الدول الى وضع تنظيم جديد للملاحة الجوية على ضوء التطورات التي طرأت على الطيران خلال تلك الحرب واجتمعت لهذا الغرض في مؤتمر عقد في شيكاغو في 1944 واسفر هذا المؤتمر عن اتفاقيتين احداهما باسم اتفاقية الطيران المدني الدولي والاخرى باسم اتفاقية النقل الجوي كما اسفر عن انشاء هيئة دولية خاصة بالطيران تمارس نشاطها في نطاق التعاون مع هيئة الامم المتحدة.
  • وفيما يتعلق باتفاقية الطيران المدني اصبحت هذه الاتفاقية نافذة المفعول في شهر ابريل 1947 وتقرر في هذه الاتفاقية الاخذ بمبدأ سيادة الدول على اقليمها الجوي.
  • اما اتفاقية انقل الجوي فقد عرفت باسم اتفاق الحريات الخمس اذ سجل فيه من الحريات الخاصة بالملاحة الجوية حيث ترك لكل دولة حق التوقيع على ما يلائمها وتستمع بهذه الحريات الطائرات التجارية.

10) القانون الدولي للمواصلات والاذاعات اللاسلكية:

  • اصبح اللاسلكي من اهم وسائل الاتصال الفكري بين الشعوب واداء يعيده الاثر في تثقيفها وتقوية الروابط الروحية بينها وتزويدها بمختلف المعلومات المفيدة وهو يثير من الناحية القانونية مسألتين الاولى مرور الموجات الكهربائية الصوتية او المذاعة من دولة عبر اجواء الدول الاخرى والثانية مدى حق كل دولة في اذاعة مثل هذه الموجات.
  • وقد ابرمت عدة اتفاقيات دولية لتنظيم شؤون المواصلات اللاسلكية وتحديد حقوق وواجبات كل دولة تجاه الاذاعات للدول الاخرى ومن هذه الحقوق والواجبات كما اقرها مجمع القانون الدولي:
  • لكل دولة الحق في ان تقيم على اقليمها محطات الاذاعة اللاسلكية وفق ما تراه بشكل لا يعكر على محطات الدول المجاورة.
  • كل الدول يحق لها في ان توقف الاذاعات الخارجية التي تتعارض مع مصالحها.
  • اذا تسبب عن اذاعات احدى الدول تعكير خطير غير منقطع لاذاعات دول اخرى فانها تكون مسؤولة عن ذلك ويحسن ان تتفاهم الدول على ذلك وديا عن طريق الاتفاقات الدولية.

 

مقدمة:

يتضمن هذا البحث المختصر عشرة قوانين دولية موضحة اسباب نشأتها وكيفية تطبيقها. من حيث النشأة يمكن القول ان المشاكل التي واجهتها الدول في علاقاتها مع بعضها البعض كان الدافع الاول لنشأة القانون الدولي لوضع حد لتلك المشاكل. فالقاعدة القانونية الدولية تنشأ نتيجة الحاجة اليها وتفرض وجودها بحكم هذه الحاجة ذاتها وشعور الدول بضرورتها ثم تثبت بعد ذلك عن طريق تعارف الدول عليها واقرارها في معاهدات. ومن ناحية التطبيق نجد ان نبذ الحرب كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية اصبح امرا محتوما لا كمبدأ فحسب اكدته مواثيق الامم المتحدة، وانما ضرورة حتمية لصيانة البشرية من الفناء فاهوال الحربين العالميتين فرضت على العالم ضرورة نبذ الحرب لانقاذ الاجيال القادمة من ويلاتها. فالقانون الدولي لعام وفقا لذلك يكون مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها وواجباتها.

فقواعد القانون الدولي العام بهذا المعنى تعنى اصلا بالدول ذاتها وما يتصل بها باعتبارها اشخاصا دولية فتبين ما لها من حقوق وما عليها من واجبات قبل بعضها وما يجب ان تراعيه لصيانة العلاقات بينها وما تلجأ اليه لفض ما قد يقوم بينها من منازعات الى غير ذلك مما يتصل بكيان الدولة السياسي وسلطانها الخارجي ومركزها في المجمع الدولي.

أولا  ) القانون الدولي في فض المنازعات الدولية 

– التحكيم الدولي قديما وحديثا:

أ –  التحكيم قديما:

  • لجوء الدول الى التحكيم لتسوية المنازعات التي تنشأ بينها امر قديم نجده عند المدن اليونانية وقد كان لها مجلس دائم للتحكيم تعرض عليه ما يقوم بينها من منازعات, كما نجده بعد ذلك في القرون الوسطى, حيث كانت الدول المسيحية تحتكم في منازعاتها الى البابا فلما ضعفت سلطة البابا بدات الدول المتنازعة تلجأ الى هيئات تحكيم خاصة تتفق على تكوينها لفض النزاع.
  • ولم يكن التجاء الدول الى التحكيم في مبدأ الامر موضوع التزام سابق بينها وانما كان يتوقف على رغبتها في تسوية نزاع معين عند قيام هذا النزاع, وفي هذه الحالة تعقد الدولتان المتنازعتان اتفاقا يقرران فيه احالة النزاع على التحكيم مع تحديد موضوع هذا النزاع وبيان اسماء المحكمين والاجراءات الواجبة الاتباع عند نظر النزاع وفي بعض الاحيان ايضا القواعد القانونية التي تطبق للفصل فيها.

أمثلة لحالات التحكيم قديما :

  • قضية الالاباما: وموضوعها انه حدث اثناء حرب الانفصال الامريكية ان كانت بريطانيا تقدم المساعدات سرا لولايات الجنوب بالسماح لها ببناء السفن التي كانت تستعملها في الاعمال الحربية وبتموينها في الموانئ الانجليزية وكانت “الالاباما” احدى هذه السفن وقد بنيت في ليفربول ثم خرجت بعد تسليحها تعتدي على مراكب ولايات الشمال فاغرقت عددا منها وسببت لهذه الولايات اضرارا كبيرة, فلما انتهت الحرب بانتصار ولايات الشمال طالبت بريطانيا بتعويضها عن هذه الاضرار على اساس ان موقف هذه الدولة كان مخالفا لاصول الحياد. ولم تؤد المفاوضات بين الدولتين الى حل النزاع الذي كاد ينتهي بها الى الحرب, واخيرا امكن لها ان تتفقا على عرض الامر على التحكيم. وتم هذا الاتفاق في معاهدة ابرمت في واشنطون سنة 1871 تقرر فيها ان تكون هيئة التحكيم من خمسة اعضاء تعين كل من بريطانيا والولايات المتحدة واحدا منهم ويعين الثلاثة الاخرون بمعرفة كل من ملك ايطاليا ورئيس الاتحاد السويسري وامبراطور البرازيل وقد حددت المعاهدة المذكورة ثلاث قواعد خاصة بواجبات المحايدين طلب الى هيئة التحكيم ان تتقيد بها عند الفصل في النزاع واجتمعت الهيئة في جنيف في شهر سبتمبر 1872 واصدرت قرارها في صالح الولايات المتحدة والزمت انجلترا بدفع التعويض الملائم واضطرت انجلترا الى الخضوع في نهاية الامر مكرهه لهذا الامر.

ب – التحكيم حديثا :

  • اتجه المشتغلون بالقانون الدولي نحو فكرة انشاء محكمة قضائية دولية دائمة تفصل في المنازعات القانونية التي تنشا بين الدول وحانت الفرصة لوضع هذه الفكرة موضع التنفيذ عند اجتماع الدول في مؤتمر الصلح سنة 1919 فتقرر في المادة 14 من عهد عصبة الامم ان يقوم مجلس العصبة بعمل مشروع لمحكمة عدل دولي دائمة وان يعرض هذا المشروع على الدول الاعضاء في العصبة على ان يدخل في اختصاص هذه المحكمة نظر المنازعات الدولية التي يرفعها اليها الخصوم, وكذلك اعطاء اراء استشارية في كل ما يطلبه اليها مجلس العصبة أو جمعيتها العامة. ولم يتوان مجلس العصبة بمجرد تكوينه في تنفيذ النص فعهد الى هيئة من علماء القانون الدولي بعمل المشروع المذكور وعرض هذا المشروع على الجمعية العامة في ديسمبر 1920 فاقرته بعد تعديلات طفيفة وابرم بذلك بروتوكول خاص تضمن النظام الاساسي للمحكمة وبلغ عدد الدول التي وقعته أو انضمت اليه احدى وخمسين دولة وقد ظلت محكمة العدل الدولي الدائمة تقوم بوظيفتها زهاء ربع قرن, ولما صفيت اعمال عصبة الامم بعد الحرب العالمية الثانية كان لا مفر من تصفية المحكمة التي انشئت تحت كنفها, ثم اعادة تكوينها تحت ظل الامم المتحدة باسم محكمة العدل الدولية, ويقوم النظام الاساسي للمحكمة على التقاضي المباشر امامها لجميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة وكذلك الدول غير الاعضاء التي تنضم الى النظام الاساسي للمحكمة بالشروط التي تحددها الجمعية العامة للامم المتحدة بناء على توصية مجلس الامن.

أمثلة لقضاء محكمة العدل الدولية :

  • قضية جرنيلاند: حكم في 6 ابريل سنة 1933 موضوعها نزاع بين النرويج والدانمرك على ملكية بعض اجزاء شبه جزيرة جرينلاد الدانمرك تعتبر نفسها مالكة جميع اجزاء الاقليم استنادا الى اعتبارات تاريخية يؤيدها اعتراف الدول لها بهذه الملكية. والنرويج تنازعها في ملكية الجزء الشمالي من الاقليم على اعتبار انه لم يكن محل وضع يد فعلي من الدانمرك وانه بذلك يعتبر مالا مباحا للنرويج ان تمتلكه بوضع اليد وذلك رغم سبق اعتراف النرويج بمملكة الدانمرك لجميع الاقليم في اتفاقات خاصة ابرمت بين الدولتين. عرض النزاع على محكمة العدل الدولية فقضت منه لصالح الدانمرك.

ثانيا : القانون الدولي للحرب البرية

نطاق الحرب البرية:

  • يشمل نطاق الحرب البرية اقليم كل من الفريقين المتحاربين برمته كما يمكن ان يمتد الى المستعمرات التابعة لكل منها والى أي اقليم اخر يقومون بادارته اذا كان هذا الاقليم يساهم في نشاط الحرب او كان محلا لاستعدادات او تجمعات عسكرية ولا تعتبر الاقاليم المشمولة بحماية او وصاية دولة محاربة داخله ضمن نطاق الحرب طالما انه لا يتم فيها أي نشاط حربي او عسكري يتصل بالحرب القائمة ويكون من شأنه الاضرار بالعدو.
  • ولا يجوز باي حاله ان يمتد نطاق الحرب البرية الى اقليم دولة محايدة الا ردا على اخلال يقع منها بواجبات الحياد المطلوبة منها وبمستوى التحريم بالنسبة للاقليم المحايد القيام فيه بعمليات حربية او مجرد مرور قوات احدى الدول المتحاربة فيه لتصل منه الى اقليم العدو او الى البحر كذلك يتمنع على الفريقين المتحاربين القيام باية عمليات حربية في الاجزاء من اقليمها التي يكون قد تم الاتفاق بينهما من قبل على اعتبارهما مناطق محايدة مالم تقم الدولة صاحبة الاقليم في المنطقة التابعة لها باعمال لها اتصال بالحرب القائمة او لم يكن هناك مفر من اقحامها في الحرب نظرا لموقعها من ميدان القتال.

قواعد الحرب البرية:

  • تحكم الحرب البرية في الوقت الحاضر مجموعة من القواعد الوضعية تضمها اللائحة الملحقة بالاتفاقية الخاصة بقوانين وعادات الحرب البرية التي اقرتها الدول في مؤتمر لاهاي سنتي 1899و1907 والاتفاقية المبرمة في جنيف في 27 يوليو سنة 1929 بخصوص اسرى وجرحى ومرضى الحرب البرية واتفاقيات جنيف المبرمة في 12 اغسطس سنة 1949 والتي حلت محل هذه الاتفاقية واضافت قواعد جديدة لحماية المدنيين.
  • وقد جاء في مقدمة لاهاي المذكورة انه لما كان من غير الممكن وقت ابرامها الالمام بجميع الظروف والحالات وانه لما لم يكن في نية الدول المتعاقدة في نفس الوقت ان تترك الحالات التي تتناولها بالنص للتقدير التحكمي لقادة الجيوش فان هذه الدول ترى من المناسب لحين ان يتسير عمل تقنين كامل لقواعد الحرب ان تقرر انه في الحالات التي لا تتناولها الاتفاقية يكون الاهالي والمحاربين في حماية مبادئ القانون الدولي العام الناتجة عن العرف الثابت بين الدول المتحضرة ومن مبادئ الانسانية ومما يقضي به الضمير العام.

*حقوق وواجبات المحاربين تجاه العدو

التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين:

  • لما كانت الحرب صراع بين القوات المسلحة للدول المتحاربة كان لزاما الا توجه اعمال القتال الا ضد الاشخاص المحاربين من الطرفين دون الرعايا المدنيين الذين لا يحملون السلاح في وجه العدو ولا يساهمون في الاعمال الحربية ويتطلب هذا التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين من حيث المعاملة الواجبة لكل فريق.

معاملة المقاتلين اثناء القتال:

  • ليس للمقاتلين وهم حاملي السلاح من حق قبل العدو سوى التزامه بمراعاة الحرب وعدم استخدام الوسائل غير المشروعة ضدهم، وفيما عدا ذلك لكل من طرفي الحرب ان يقتل ويصيب ما استطاع من مقاتلي الطرف الاخر ليتوصل الى تحقيق هدفه من القتال وهو اضعاف قوات غريمة والتغلب عليه واخراجه من المعركة يستوي في ذلك افراد القوات النظامية والقوات المتطوعة وافراد الشعب القائم في وجه العدو.
  • واما الاشخاص الملحقين بخدمة القوات المقاتلة او الذين يقومون فيها بمهمة خاصة دون ان يشتركوا في الاعمال الحربية ذاتها كموظفي التموين والتوريدات وموظفي التلغراف وكمراسلي الجرائد الحربيين فلا يجوز مهاجمتهم والاعتداء عليهم لانهم ليسوا من المقاتلين وغير مصرح لهم بان يلجأوا الى استخدام السلاح الا دفاعا عن انفسهم اذا بدأهم احد بالاعتداء حسب المادة 24 وما بعدها من اتفاقية جنيف سنة 1949م.
  • وحق المحارب في مهاجمة مقاتلي العدو وقتلهم او جرحهم يستمر قائما طالما انهم حاملي السلاح قادرين على النضال، اما اذا القوا سلاحهم بتسليهم او وقعوا اسرى، او اصبحوا غير قادرين على الاستمرار في القتال بسقوطهم جرحى او مرضى او قتلى في الميدان، لم يعد للعدو مبرر ان يستمر في اعتدائه عليهم، وانما تترتب عليه تجاههم واجبات تقضى بها الانسانية ويؤكدها العرف وتفرضها المعاهدات الدولية.

 

 

ثالثا : القانون الدولي للاحتلال الحر ب واثاره

مفهوم الاحتلال الحربي:

  • الاحتلال الحربي هو تمكن قوات دولة محاربة من دخول اقليم العدو والسيطرة عليه كله او بعضه بصفة فعلية.
  • والاحتلال الحربي وضع يقره القانون الدولي العام ويرتب عليه حقوق للمحتل وواجبات عليه لكنه وضع مؤقت ومحدود الاجل يجب ان ينتهي بانتهاء الحرب اما بعوده الاقليم الى سلطات الدولة صاحبة السيادة الاصلية عليه واما بضمه الى الدولة المحتلة، وتقتضي لائحة لاهاي للحرب البرية بانه لكي يعتبر الاقليم محتلا يجب ان يصبح فعلا تحت سلطة قوات العدو.
  • اما الاثار التي تترتب على الاحتلال الحربي والحقوق والواجبات المترتبة على الدولة المحتلة وعليها بالنسبة للاقليم المحتل فقد حددتها لائمه لاهاي للحرب البرية في القسم الثالث وفقا للمواد 42-56 منها فهي كالتالي:

أ – اثر الاحتلال على السيادة الاقليمية:

  • لا يترتب على الاحتلال الحربي انتقال ملكية الاقليم المحتل الى الدولة المحتلة ما دامت الحرب قائمة ولم تنته بالاتفاق على ضم الاقليم الى هذه الدولة ولا يجوز قانونا للدولة المحتلة ان تعلن من جانبها ضم الاقليم اليها على اثر احتلالها له ومثل هذا الاعلان لو صدر لا يترتب عليه اثر قانوني لان الضم لا يكون صحيحا الا باتفاق عليه عند عقد الصلح، وعلى ذلك تحتفظ الدولة صاحبة الاقليم بحقوق سيادتها عليه انما الدولة المحتلة تتولى ممارسة هذه الحقوق اثناء مدة الاحتلال حيث يقتضي قيامها بادارته ما بقيت في يدها هذه السلطة وتلجأ الدولة المحتلة عادة الى احدى طريقتين:
  1. اما ابقاء الادارة القائمة في الاقليم وقت الاحتلال على ما هي عليه والاشراف عليها وتوجيهها تبعا لما تقتضيه مصالح الدولة المحتلة.
  2. واما استبدال هذه الادارة باخرى تقيمها الدولة المحتلة لخدمة مصالحها وتنفيذ رغباتها.
  • وعلى سلطات الاحتلال في أي من الحالتين ان تبدأ عملها باتخاذ الاجراءات الكفيلة باعادة وتثبيت النظام في الاقليم حتى تأخذ الحياة العامة مجراها الطبيعي وفقا للمادة 43 من لائحة لاهاي.
  • وقد تقوم سلطات الاحتلال بتحصيل الضرائب والرسوم المقررة على الاقليم لصالح الدولة وفي هذه الحالة عليها ان تراعي في تحصيلها القواعد المتبعة بالنسبة للضرائب الاصلية وان يعطي عنها ايصال ولا يجوز فرض مثل هذه الضرائب الا بناء على امر كتابي من القائد الاعلى لقوات الاحتلال وتحت مسؤولية وذلك وفقا للمواد 48-49-58 من لائحة لاهاي.

ب – التشريع:

  • يتعين على سلطات الاحتلال ان تحترم بقدر الامكان القوانين المعمول بها في الاقليم ولا يجوز لها ايقاف نفاذ هذه القوانين او بعضها او استبدالها بغيرها الا اذا دعتها ضرورة ملحة فيما عدا ما يوجه منها ضد جيش الاحتلال او ضد سلامة الدولة المحتلة فيخضع عادة للقوانين العسكرية لهذه الدولة وفقا للمادة 64 وما بعدها من اتفاقية جنيف 1949 لحماية المدنيين.

ج – القضاء:

  • يتبع استمرار القوانين المعمول بها في الاقليم المحتل بقاء الهيئات القضائية فيه قائمة بعملها وتستمر هذه الهيئات في اصدار احكامها باسم رئيس الدولة صاحبة الاقليم كما لو لم يكن الاحتلال قائما، وليس للسلطة المحتلة ان ترغمها على اصدار هذه الاحكام باسمها هي او باسم رئيس دولتها، انما يجوز لسلطات الاحتلال ان تنشئ بجانب محاكم الاقليم الاصلية محاكم استثنائية تختص بجرائم قد يرتكبها افراد جيشها او ترتكب ضدهم او ضد سلامة الدولة المحتلة.

د – اثر الاحتلال بالنسبة للافراد:

  • على سلطات الاحتلال احترام حياة سكان الاقليم وشرفهم واملاكهم ومعتقداتهم وان تكفل لهم مباشرة عباداتهم, ومحظور على الدول المحتلة ان تكلفهم بحلف يمين الولاء لها أو ان ترغمهم على الادلاء بمعلومات عن جيش دولتهم أو عن وسائل دفاعه وفقا للمواد 44 – 46 من لائحة لاهاي.
  • ويقابل واجبات العدو نحو سكان الاقليم المحتل التزام هؤلاء بالا يقوموا من جانبهم باي عمل عدائي ضد سلطات الاحتلال كالاعتداء على افرادها والا تعرضوا لتوقيع اقصى العقوبة. على انه في حالة وقوع عمل عدائي ضد السلطات المحتلة لا يجوز توقيع العقاب الا على ذات الفاعلين, فلا يجوز توقيع جزاءات جماعية من أي نوع على مجموع السكان باعتبارهم متضامنين أو مسؤولين بالتضامن عن الفعل العدائي الذي يرتكبه احد الافراد أو بعضهم وفقا للمادة 50 من لائحة لاهاي والمواد 3, 5 من اتفاقية جنيف لسنة 1949 لحماية المدنيين, ويلاحظ ان المانيا لم تراع هذه القواعد في حروبها المختلفة وبالاخص في الحرب العالمية الثانية فكانت تلجأ الى اخذ عدد من الرهائن اذا ما وقع اعتداء على أي فرد من افراد قواتها ثم تقوم باعدام هؤلاء الرهائن ظلما اذا لم يظهر لها الفاعل خلال مدة معينة وهذا خلاف ما كانت تفرضه على جميع سكان المنطقة التي وقع فيها الفعل من جزاءات مالية.

رابعا  :  القانون الدولي لمعاملة أسرى الحرب

 

  • كانت الهمجية في العصور الوسطى تدفع الدول المتحاربة الى قتل الاسرى ثم رؤى بعد ذلك الانتفاع بهم فحل الاسترقاق محل القتل ثم اصبح يمكن افتداء الاسرى بالمال، واستمر التطور تحت تاثير فكرة الانسانية والشرف حتى انتهى الى اقرار الاكتفاء بحجز الاسرى او وضعهم تحت المراقب مع العناية بهم حتى يتقرر الافراج عنهم في نهاية الحرب، وتخضع معاملة الاسرى في الوقت الحالي للقواعد التي وضعتها لائحة لاهاي للحرب البرية (المواد 4-20) ولاتفاقية جنيف المبرمة في 12 اغسطس سنة 1949م بشأن معاملة الاسرى.

المعاملة الواجبة لاسرى الحرب:

  • يخضع اسرى الحرب مباشرة لحكومة الدولة التي وقعوا في اسر قواتها، وليس للاشخاص او القوة التي قامت باسرهم، ولما كان الغرض من حجز الاسرى منعهم من الاستمرار في القتال توصلا الى اضعاف قوات العدو وليس توقيع جزاء عليهم او الثأر منهم وجب ان تتفق معاملتهم مع هذا الغرض ولا تتعداه، فيجب على الدول التي وقعوا في اسرها ان تعاملهم وفقا لمبادئ الانسانية وان تحميهم ضد اعمال العنف او الامتهان وان تكفل لهم الاحترام اللازم لاشخاصهم ولشرفهم وان تسمح لهم بملكية اشيائهم الخاصة بحسب المادة 3 من لائمه لاهاي والمواد (12-18) من اتفاقية جنيف سنة 1949م، ويجب ان يراعى ان تكون الاماكن التي تخصص لاقامة الاسرى او لاعتقالهم بعيدة عن منطقة القتال بعدا كافيا بحيث لا يتعرضون للخطر حسب المواد 31-23 من اتفاقية جنيف سنة 1949م.
  • ويراعى في معاملة الاسرى مركز كل منهم العسكر ان كانوا من افراد القوات العسكرية ومركزهم الاجتماعي ان لم يكونوا كذلك ويعامل النساء من الاسرى بالرعايا الواجبة لجنسهم على ان يمنحوا كافة المزايا المقررة لاقرانهم من الرجال ويصرف للاسرى من مختلف الرتب مرتبات شهرية تتراوح بين ما يقابل ثمانية فرنكات سويسرية وخمسة وسبعين فرنكا حسب رتبة الاسير على ان تقوم حكوماتهم فما بعد برد ما صرف لهم طبقا للمادة 17 من لائحة لاهاي والمواد 14-16 من اتفاقية جنيف سنة 1949م وتقوم الحكومة التي تحت يدها الاسرى بتوفير المأكل والملبس والمسكن وفي حالة عدم وجود اتفاق خاص بين المتحاربين يجب ان يعامل الاسرى من هذه الناحية على قدم المساواة مع قوات الدولة التي اسرتهم ولا يجوز باي حال ان يقتطع من غذائهم شيء على سبيل جزاء تأديبي جماعي يصيبهم عموما بحسب المادة 7 من لائحة لاهاي والمواد 25-28 من اتفاقية جنيف ويجوز للدولة تشغيل الاسرى من الجنود دون الضباط ومن في حكمهم في الاشغال التي تتفق مع مؤهلاتهم العلمية على ان تدفع لهم عن ذلك الاجر المناسب انما لا يجوز ان تكون هذه الاشغال مرهقة اولها اية علاقة بالعمليات الحربية وفقا للمادة 6 من لائحة لاهاي والمواد 49،57 من اتفاقية جنيف.

الافراج تحت شرط:

  • يجوز الافراج عن اسرى الحرب بناء على وعد منهم بالا يعودوا الى حمل السلاح وبشرط ان يكون قانون بلدهم يبيح لهم ذلك، ويترتب على اخلال الاسير المفرج عنه وعودته الى حمل السلاح ضد الدولة التي بذل لها عهده او ضد احد حلفائها ان يفقد الحق في ان يعامل كأسير حرب، ولهذه الدولة اذا ما وقع في يدها ثانية ان تقدمه للمحاكمة وتوقع عليه العقوبة المقررة لفعله وفقا للمادة 10-12 من لائحة لاهاي والمادة 21 من اتفاقية جنيف.
  • اما الافراج النهائي عن الاسرى فلا يتم الا بعد انتهاء الحرب وعقد الصلح وفقا للمادة 20 من لائحة لاهاي والمواد 9-10 وما بعدها من اتفاقية جنيف.

خامسا : القانون الدولي لمعاملة مجرمي الحرب

–         تتعرض الدولة التي تخرج على قواعد الحرب الى نوعين من الجزاءات العامة والشخصية:

  1. الجزاءات العامة:
  • هي نوع من القصاص أي مقابلة الفعل المخالف لقواعد الحرب بمثله لارغام العدو على احترام هذه القواعد والتزام الافعال المشروعة, لكن توقيع الجزاءات العامة يصيب عادة الابرياء قبل المذنبين, فمن المرغوب فيه الا تلجأ الدولة اليها الا عند الضرورة القصوى, وقد يغني احيانا عن توقيع الجزاء مجرد التهديد به وانذار العدو بالعزم على مقابلة المثل بالمثل ان لم يكف عن اعماله غير المشروعة أو يحجم عنها ومثل ذلك ما حدث اثناء الحرب العالمية الثانية من تهديد بريطانيا لايطاليا بضرب روما من الجو اذا استمرت في غارتها غير المشروعة على القاهرة, ومن تهديدها لالمانيا باستعمال الغازات السامة ضدها اذا لجأت اليها هذه الدولة وقد احدث هذا التهديد في كلتا الحالتين اثره فتوقفت بعده الغارات الجوية على القاهرة, ولم تستعمل المانيا الغازات السامة بعد ان كان شائعا انها تنوي استخدامها.
  1. الجزاءات الشخصية:
  • دفعت الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الاولى دول الحلفاء الى السعي لمعاقبة الاشخاص الذين ارتكبوها والذين وقعت بامرهم, وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية وفيها انتهكت دول المحور مبادئ الانسانية ابشع انتهاك وخشيت الدول التي اخذت على عاتقها قهرها وهزيمتها ان يحدث بعد هذه الحرب ما حدث بعد سابقتها أي الحرب العالمية الاولى ويفلت المسؤولون عن الفظائع والجرائم التي وقعت خلالها من العقاب, فبادرت هذه الدول باصدار تصريح مشترك يعرف بتصريح موسكو في 30 اكتوبر سنة 1943 اتخذت فيه قرارا يقضي بارسال الضباط والافراد الالمان واعضاء الحزب النازي المسؤولين عن الفظائع التي ارتكبت في البلاد الاوروبية المحتلة الى البلاد التي وقعت فيها اعمالهم ليحاكموا فيها طبقا لقوانينها وذلك مع عدم الاخلال بما يتخذ بشان كبار مجرمي الحرب الذين لم تقع جرائمهم في جهات محددة تحديدا جغرافيا والذين يكون عقابهم طبقا لقرار 8 اغسطس سنة 1945 الذي ابرم في لندن بين كل من بريطانيا وامريكا وروسيا وفرنسا باعتبار هذه الدول ممثلة لمصالح الامم المتحدة جميعا. وفيه تقرر تشكيل محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين لا ترتبط جرائمهم ببلد أو مكان جغرافي معين سواء اتهموا بارتكاب هذه الجرائم بصفتهم الشخصية أو بصفتهم اعضاء في هيئات أو جماعات أو بكلتا الصفتين.
  • وقد اجريت محاكمات في مختلف البلاد التي كانت تحتلها القوات الالمانية وارتكبت فيها جرائم مخلة بقوانين الحرب, وقد حكم على المسؤولين في هذه الجرائم بعقوبات تتفاوت بين الاعدام والسجن المؤبد أو المؤقت ونفذ فيهم الحكم, اما كبار مجرمي الحرب الذين قصد اليهم اتفاق لندن ويشملون كبار رجال الحكومة الالمانية والجيش الالماني والحزب النازي فقد قدم منهم للمحكمة العسكرية الدولية في دورة نورمبرج 24 شخصا حكم على بعضهم بالاعدام وعل البعض الاخر بالسجن لمدد مختلفة وتم تنفيذ الحكم عليهم في حينه.

 

سادسا  : القانون الدولي للبحار

  • تشغل البحار ما يقارب من ثلاث ارباع مساحة العالم، وهي بحكم تجانسها من حيث العنصر والاتصال الطبيعي بين مختلف اجزائها واحاطتها باليابسة في جميع النواحي تعتبر الطريق الاول للمواصلات الدولية واهم وسائل الاتصال بين الشعوب، وقد اقتضت ضرورة هذه الاتصال وجود قواعد تحمية وتساعد على تدعيمه واخذت هذه القواعد تتهيأ للتطور شيئا فشيئا حتى اصبح للبحار على ممر الزمن نظام قانوني ثابت يدور حول فكرة اساسية اولية هي ضمان حرية الملاحة فيها وتأمينها، وما يهمنا في هذه الصدد هو حرية الملاحة في اعالي البحار.

الوضع القانوني لاعالي البحار:

  • تشمل اعالي البحار جميع المياه المحيطة باليابسة، اذا استثنينا تلك المنطقة الضيقة التي يتصل فيها البحر بالارض والتي تعرف بالمياه الاقليمية، ولا تدخل اعالي البحار في ملكية احد ولا تخضع لسيادة دولة او دول معينة دون غيرها، وللجميع دولا وافرادا حق الانتفاع الحر بها على السواء، ولفظ اعالي البحار يعني تحديدا كل اجزاء البحر التي لا تدخل في البحر الاقليمي، كما جاء في نص المادة الاولى من اتفاقية اعالي البحار لسنة 1958م.

مبدأ حرية اعالي البحار:

  • لم يستقر مبدأ حرية البحار كقاعدة من قواعد القانون الدولي العام الا في منتصف القرن التاسع عشر، اما قبل ذلك فقد كانت الدول البحرية تدعى السيادة على الاجزاء المقابلة لشواطئها واحيانا على بعض المناطق الممتدة لمسافات بعيدة عنها، فادعت روما السيادة على البحر الابيض المتوسط وادعت البندقية السيادة على بحر الادرياتيك، وادعت البرتغال السيادة على بحار غربي افريقيا وحرمت الملاحة فيها على السفن الاجنبية وكانت تطارد من تحاول منها الوصول الى الهند عن هذا الطريق، وادعت اسبانيا السيادة على القسم الجنوبي من المحيط الاطلسي وبريطانيا على القسم الشمالي منه وعلى بحر المانش والدنمرك والسويد على بحر البلطيق.
  • اثارت هذه الاوضاع اهتمام المشتغلين بالقانون الدولي فهب بعضهم ينادي بفكرة حرية البحار ونشر “جروسوس” الهولندي كتابه الشهير في البحر الحر وهاجم ما كانت تدعيه الدول المتقدمة من السيادة على البحار واعلن ضرورة ان تكون البحار حرة مباح استعمالها لجميع الدول على السواء، مما اغضب بريطانيا وطلبت من هولندا محاكمته وحرق كتبه لكن هولندا لم تجبها الى ذلك فاضطرت بريطانيا الى الاكتفاء بمناهضة ما نادى به جروسيوس بتكليف فقهائها بالرد عليه فكتب جون سلدن كتاب بعنوان “البحر المغلق” ودافع فيه عن فكرة امكان تملك البحار وعما لبريطانيا، من الحق في بسط سيطرتها على البحار المحيطة بها حتى شواطئ الدول الاخرى على ان الافكار كانت قد تهيأت لما نادى به جروسيوس وحذا حذوه اغلب الكتاب الذين تلوه وبدأ فقهاء القرن 18 وعلى رأسهم بينكرر شوك يفرقون بين البحر الاقليمي واعالي البحار منادين بحرية هذه الاعالي، واخذت الدول تخفف تدريجيا من المغالاة في دعواها للسيادة على البحار، وقد تبين ان مصلحتها المشتركة تقتضي ان تكون الملاحة فيها حرة من كل قيد، ولم ينتصف القرن 19 الا وكان مبدأ حرية اعالي البحار قد استقر واصبح قاعدة من قواعد القانون الدولي العام المسلم بها عالميا.
  • وقد سجلت اتفاقية اعالي البحار التي اقرتها جماعة الدول في مؤتمر جنيف سنة 1958م هذه القاعدة نصت في صدر المادة الثانية على انه “لما كانت اعالي البحار مفتوحة لكل الامم، لا يحق لاية دولة ان تحاول فرض سيادتها على أي جزء منها، وتمارس حرية اعالي البحار وفق الشروط الواردة في هذه الاتفاقية ووفق مبادئ القانون الدولي الاخر”.

– ويستند مبدأ حرية اعالي البحار الى الاعتبارات التالية:

  1. ان اعالي البحار وهي اهم طرق المواصلات الدولية يجب ان يكون مفتوحة لمراكب الدول جميعا، ولو تم قبول ادعاء بعض الدول السيادة عليها وسيمنح لها بممارسة هذه السيادة بواسطة اساطيلها الحربية لترتب على ذلك، فضلا عن عرقلة الملاحة الدولية اخضاع سفن الدول الاخرى لسلطان الدولة مدعية السيادة وهو وضع يتعارض مع ما لهذه الدول من السيادة وحق المساواة.
  2. ان اعالي البحار بطبيعتها غير قابلة للتملك اذ ليس في وسع اية دولة مهما بلغت قوتها البحرية ان تسيطر على البحر سيطرة تامة.
  3. ان لا فائدة من اخضاع اعالي البحار لسيادة دولة او بضعة دول اذ ان حاجة الدول جميعا اليها واحدة، واشباع كل دولة لحاجتها منها لا يمكن ان يضر بالدول الاخرى او يقلل من قدر انتفاعها بهذه البحار لان مواردها لا تنضب وانتاجها يتجدد باستمرار.

مهمة البوليس والقضاء في اعالي البحار:

  • عدم خضوع اعالي البحار لسيادة دولة ما يتبعه انه ليس لدولة ان تتولى فيها اعمال البوليس والقضاء دون غيرها وان الدول سواء من هذه الناحية بمعنى ان كل منها تختص بالقضاء بالنسبة للمراكب التي ترفع علمها ولا شأن لها بالسفن التابعة لغيرها، لكن هناك بعض الاستثناءات تجيز تعرض الدول لسفينة لا تتبعها واخضاعها لاجراءاتها البوليسية او لقضائها وهذه الحالات هي حالات الحرب وحالة الاشتباه في العلم كما هو الحال عند تفتيش ناقلات النفط في الخليج العربي او ما تقوم به اسرائيل احيانا من اعتراض بعض السفن المتجهة الى سوريا ولبنان.

 

سابعا :  القانون الدولي لتحويل السفن التجارية إلى سفن حربية

 

  • لما شاع استخدام السفن الخاصة في شؤون الحرب البحرية عن طريق دعوتها للتطوع اخذت بعض الدول تستعمل هذه السفن بعد تسلحيها في عرض البحر في الاعمال التي هي من اختصاص المراكب الحربية وحدها ومنها التعرض لسفن المحايدين بالزيارة والتفتيش والضبط مما لفت انظار الدول الاخرى الى ضرورة وضع نظام لتحويل السفن التجارية الى سفن حربية وقد عرض الامر على مؤتمر لاهاي سنة 1907 فانتهى الى اقرار اتفاقية خاصة تقرر فيها انه لا تثبت للسفينة التجارة المحولة الى مركب حربي الحقوق والواجبات المتصلة بهذه الصفة الا اذا روعيت الشروط الاتية:
  • ان توضع السفينة المحولة تحت السلطة المباشرة والاشراف الفعلي للدولة التي تحمل علمها.
  • ان تتخذ المظهر الخارجي المميز للسفن الحربية لدولتها.
  • ان يكون قائدها في خدمة الدولة واسمه مقيدا في قائمة ضباط الاسطول الحربي.
  • ان يخضع بحارتها للنظام العسكري.
  • ان تتبع في عملياتها قوانين وعادات الحرب.
  • ان تقوم الدول في اقرب وقت بتسجيلها في قائمة السفن المكونة لاسطولها الحربي.
  • اما المكان الذي يتم فيه تحويل السفينة التجارية الى مركب حربي فلم تتوصل الدول التي اقرت الاتفاقية الخاصة في لاهاي 1907 الى الاتفاق بشأنه نظرا لان بعضها كان يرى جواز التحويل في عرض البحر بينما لا يرى البعض الاخر ذلك وبقيت هذه النقطة غير مقطوع فيها وقد جرى العمل في الحروب التالية على عدم جواز التحويل فقط في مياه الدول المحايدة لتنافي ذلك مع قواعد الحياد مع جوازه في مياه الدول المتحاربة وحلفائها والاقاليم التي تحتلها وكذا في عرض البحر لانه لا يخضع لسيادة احد ولانه المسرح الاصلي للحرب البحرية وانما بشرط ان تحتفظ السفينة المحولة بمظهرها الجديد كمركب حربي طوال مدة الحرب القائمة حتى يمكن ان تطبق عليها القواعد والاجراءات المتصلة بهذه الصفة وحتى يتمنع عليها التغرير بالعدو او بالمحايدين باتخاذ مظهر السفينة التجارية كلما وجدت هنا مصلحة لها في ذلك.

 

سفن واشياء لا يجوز التعرض لها:

  • من بين السفن العامة والخاصة انواع معينة تتمتع بحماية خاصة ولا يجوز للدول المتحاربة ان تتعرض لها سواء بالتدمير او بالاسر وقد ذكرت الاتفاقات المنظمة للحرب البحرية هذه السفن وبينت القواعد الواجب مراعاتها بالنسبة لها بعد ان استقر العرف الدولي على تمييزها عما عداها من سفن الاعداء وتشمل هذه الانواع السفن الاتية:
  • السفن الصغيرة المخصصة للصيد الساحلي او للملاحة المحلية الصغيرة وتعفى هذه السفن من الضبط والمصادرة من باب الرأفة باصحابها طبقا للمادة 3 من اتفاقية لاهاي الحادية عشر لسنة 1907.
  • السفن التي تقوم برسالة دينية او علمية او خيرية وتعفى كذلك من الضبط والمصادرة ما دامت لا تخرج عن مهمتها بحسب المادة 4 من اتفاقية لاهاي الحادية عشر لسنة 1907.
  • سفن البريد ولا يجو المساس بما تحمله من مراسلات بريدية سواء في ذلك ما كان منها خاص بالمحايدين وبالاعداء ويجب في حالة ضبط السفينة ان تقوم الدولة التي ضبطتها بتصدير المراسلات البريدية باقل تأخير ممكن الى الجهات المرسلة اليها بحسب المادة 1-2 من الاتفاقية المتقدمة وقد سارت دول الحلفاء في الحربين العالميتين الاخيرتين على قصر تطبيق القاعدة أي عدم التعرض للمراسلات البريدية في حالة وجود السينة التي تحمل هذه المراسلات في البحار العامة وكانت تجيز لنفسها فتح اكياس البريد وما تحويه من خطابات وضبط ما يهمها ضبطه منها في حالة وجود السفينة التي تحمل الاكياس في مياهها الاقليمية.
  • سفن المستشفيات وهي السفن المخصصة لاغاثة الجرحى والمرضى والغرقى ما دامت لا تستخدم في اغراض حربية وقد اعطى القانون الدولي للدول المحاربة الحق في زيارة هذه السفن وتفتيشها اذا استدعى الامر كذلك تتخذ هذه السفن مظهرا خارجيا يميزها عن غيرها فتدهن باللون الابيض ويرسم عليها بشكل افقي خط اخضر او خط احمر وترفع الى جانب علم دولتها علم الصليب الاحمر.
  • السفن التي تقوم بنقل الاسرى وتتمتع بالاعفاء من الضبط والمصادرة سواء وهي تحمل الاسرى الى وطنهم او اثناء عودتها بشرط الا تقوم باي عمل اخر له اتصال بالنشاط الحربي او باي عمل تجاري ومحظور على هذه السفن ان تحمل اسلحة من أي نوع ما عدا مدفعا واحدا للاشارات.

ثامنا : القانون الدولي للانهار الدولية

  • للانهار بجانب اهميتها كموارد رئيسية للمياه اهمية كبرى من ناحية التجارة الدولية باعتبارها من وسائل النقل الطبيعية السهلة. وبديهي والامر كذلك ان تكون مسألة الملاحة في الانهار ضمن المسائل التي يعني بها القانون الدولي العام وان توضع لها قواعد تكفل تسيير هذه الملاحة دون اخلال بحقوق الدولة صاحبة الاقليم الذي يجري فيه النهر وقد بدأ اهتمام الدول بتنظيم الملاحة النهرية دوليا منذ اواخر القرن الثامن عشر لكنها لم تلجأ الى وضع نظام عام ثابت لها الا بعد الحرب العالمية الاولى وضمنت هذا النظام اتفاقية جماعية اقرها مؤتمر برشلونة للمواصلات والنقل في 20 ابريل سنة 1921.
  • وتنقسم الانهار من حيث مركزها القانوني الدول الى نوعين انهار وطنية وانهار دولية ولكل من هذين النوعين قواعد خاصة يخضع لها من حيث الملكية والانتفاع ومن حيث الملاحة الدولية وما يهمنا هنا هو الانهار الدولية.

الوضع القانوني للانهار الدولية:

  • الانهار الدولية هي التي تجري تباعا في اقاليم مختلفة او بين اقليمي دولتين او اكثر كنهر الرين والدانوب والنيل والكونغو وغيرها وحكم هذه الانهار من حيث ملكيتها انها اذا كانت تجري في اقاليم عدة دول اختصت كل من هذه الدول بملكية الجزء من النهر الواقع بين حدودها، واذا كانت واقعة على حدود دولتين او اكثر فتملك كل دولة الجزء المجاور لها من النهر حتى الخط الاوسط للتيار الرئيسي ان كان النهر قابلا للملاحة وحتى الخط الاوسط لصفحة المياه ان لم يكن كذلك.
  • ولاشك ان لكل دول يمر بها او فيها نهر دولي حرية الملاحة في الجزء الداخل منه في ملكيتها الاقليمية وهذه نتيجة طبيعية لحق الملكية اما ما يقع من النهر في اقاليم الدول الاخرى فلم يكن فيما مضى يسمح لغيرها بالملاحة فيه الا بناء على اتفاقات خاصة ومقابل دفع رسوم معينة ولما كان ذلك من شأنه ان يعوق التجارة الدولية ولا يتفق مع مصالح أي من الدول المشتركة في النهر فقد انتهى الامر الى اقرار مبدأ حرية الملاحة في جميع اجزاء النهر الصالحة بها من منبعه الى مصبه لكل من الدول التي يقع في اقليمها اما الدول الاجنبية عن النهر فقد ظلت الى وقت قريب لا يسمح لها بحرية الملاحة فيه رغم ما كان ينادي به الكثيرون من علماء القانون الدولي من وجوب سماح الدول صاحبة النهر للمراكب الاجنبية بالمرور البريء في انهارها ولعل فرنسا كانت اولى الدول التي اعلنت وجوب تقرير مبدأ حرية الملاحة في الانهار الدولية وطبقته من جانبها بالفعل بالنسبة لنهري الموز والاسكو بقرار اصدره المجلس التنفيذي المؤقت للجمهورية الفرنسية لسنة 1792 وقد حاولت فرنسا تطبيق هذا المبدأ ايضا على نهر الراين في مؤتمر رستاد سنة 1799 ولكن المؤتمر لم يقرها على ذلك وظلت الملاحة في هذا النهر قاصرة على الدول الاربع التي يمر بها سويسرا وفرنسا والمانيا وهولندا ولم تقرر حرية الملاحة فيه الا بعد ذلك بخمسة عشر عاما في معاهدة باريس سنة 1814.
  • وبذلت محاولات اخرى لتعميم مبدأ حرية الملاحة بالنسبة لباقي الانهار الدولية فعندما ابرمت معاهدة باريس سنة 1856 تقرر فيها فتح نهر الدانوب للملاحة الدولية باوسع معانيها وابرمت اتفاقات اخرى في مدد متقاربة بالنسبة لبعض الانهار الاوروبية الكبرى كنهر الالب ونهر الراين وغيرهما وتقرر في هذه الاتفاقات مبدأ حرية الملاحة عموما لمراكب جميع الدول واخذت كذلك بهذا المبدأ بعض بلاد امريكا الجنوبية فقررت البرازيل والارجنتين سنة 1866 فتح نهري الامازون ولابلاتا للملاحة الدولية وتقرر مثل ذلك في مؤتمر برلين سنة 1869 بالنسبة لنهري الكونغو والنيجر في افريقيا وبذلك اصبح مبدأ حرية الملاحة في الانهار الدولية المشار اليها امرا واقعيا واتجه هذا المبدأ نحو الاستقرار كقاعدة قانونية دولية عامة.
  • وقد سعت الدول بعد الحرب العالمية الاولى لتدعيم هذه القاعدة باحكام جديدة فاقررت للملاحة النهرية مصلا خاصا في معاهدة فرساي المواد “327-362” قررت فيه اعتبار كل من انهار الرين والالب والادور والتيميز والدانوب وفروع كل من هذه الانهار القابلة للملاحة والتي توصل اكثر من دول بالبحر حره للملاحة بالنسبة لمراكب جميع الدول وان تستوي في ذلك مراكب الدول صاحبة النهر ومراكب غيرها من حيث حق المرور فيها ومن حيث المعاملة.

تاسعا : القانون الدولي للملاحة الجوية

  • بدأ اهتمام الدول بتنظيم الملاحة الجوية على نطاق دولي بعد الحرب العالمية الاولى فابرمت لهذا الغرض في 13 اكتوبر سنة 1919 اتفاقية باريس للملاحة الجوية وساهمت في هذه الاتفاقية سبع وعشرون دولة وانضمت اليها بعد ذلك اغلب الدول التي لم تساهم في ابرامها وقد تضمنت هذه الاتفاقية:
  • السيادة التامة لكل دولة على المنطقة الجوية التي تعلو اقليمها مع السماح للطائرات بالمرور البريء في وقت السلم فوق اقليمها مع عدم التمييز بين هذه الطائرات تبعا لجنسيتها.
  • التكليف بالنزول حيث يحق للدولة صاحبة السيادة على اقليمها في تكليف اية طائرة بالنزول فوق اقليمها بواسطة الاشارات المتفق عليها.
  • المطاردة للدولة صاحبة السيادة الحق في ان تقوم بمطاردة الطائرات التي ترفض امر النزورل بواسطة الطائرات الحربية او طائرات المطاردة.
  • القضاء: تخضع الطائرات لقضاء الدولة التي تحلق فوقها في ما يقع منها او على سطحها من افعال اثناء وجودها في جو هذه الدولة، هذا ولم تكن اتفاقية باريس سوى خطوة اولى في طرق التنظيم الجوي تتبعها خطوات اخرى على مناطقها.

مؤتمر شيكاغو سنة 1944:

  • بعد الحرب العالمية الثانية اتجهت الدول الى وضع تنظيم جديد للملاحة الجوية على ضوء التطورات التي طرأت على الطيران خلال تلك الحرب واجتمع لهذا الغرض في مؤتمر عقد في شيكاغو في شهر نوفمبر 1944 واسفر هذا المؤتمر عن اتفاقيتين احداهما باسم اتفاقية الطيران المدني الدولي والاخرى باسم اتفاق النقل الجوي كما اسفر عن انشاء هيئة دولية خاصة بالطيران باسم هيئة الطيران المدني الدولية.
  • وفيما يتعلق باتفاقية الطيران المدني اصبحت هذه الاتفاقية نافذة المفعول في شهر ابريل 1947 وانضم اليها ما يزيد على الخمسين دولة وقد حاولت بعض الدول المجتمعة في مؤتمر شيكاغو اقرار مبدأ حرية الجو على خلاف ما كان قد تقرر في اتفاقية باريس لكن الغالبية لم توافق وتقرر الاخذ بمبدأ سيادة الدول على اقليمها الجوي.
  • اما اتفاق النقل الجوي فقد عرف باسم اتفاق الحريات الخمس اذ سجل فيه من الحريات الخاصة بالملاحة الجوية حيث ترك لكل دولة حق التوقيع على ما يلائمها وتستمتع بهذه الحريات الطائرات التجارية وحدها وتشمل ما يأتي:
  • حرية المرور فوق اقليم اية دولة دون النزول فيه.
  • حرية النزول في اقليم اية دولة لاغراض تجارية كالتزويد بالوقود او اجراء اصلاح عاجل.
  • حرية نقل الاشخاص والبضائع والبريد من اقليم الدولة التابعة لها الطائرة الى اقليم دولة اخرى.
  • حرية نقل الاشخاص والبضائع والبريد من دولة اخرى الى الدولة التابعة لهذه الطائرة.
  • حرية نقل البضائع والاشخاص والبريد بين بلدين اجنبيين.
  • اما هيئة الطيران المدني الدولي فقد انشئت في 4 ابريل 1947 بعد ان صدقت ثمان وعشرين دولة على اتفاقية الطيران التي اقرها مؤتمر شيكاغو ومقرها مدينة مونتريال بكندا.
  • هذا وتمارس هيئة الطيران المدني الدولي نشاطها في نطاق التعاون مع هيئة الامم المتحدة.
عاشرا :  القانون الدولي للمواصلات والاذاعات اللاسلكية

  • اصبح اللاسلكي من اهم وسائل الاتصال الفكري بين الشعوب واداة بعيدة الاثر في تثقيفها وتزويدها بمختلف المعلومات المفيدة وهو يثير من الناحية القانونية مسألتين الاولى مرور الموجات الكهربائية الصوتية او المذاعة من دولة عبر اجواء الدول الاخرى والثانية مدى حق كل دولة في اذاعة مثل هذه الموجات.
  • بالنسبة للمسألة الاولى فالطبيعي انه ليس لاية دولة ان تحول دون المرور البريء في جوها للموجات الصوتية التلفونية او التلغرافية المذاعة او المرسلة من اقليم دولة اخرى لان مثل هذا المرور لا يهدد سلامة الدول في شيء ولانه يساعد على تقوية الرابطة الروحية والاتصال الفكري بين مختلف الشعوب.
  • اما عن المسألة الثانية فالمتفق عليه انه يجب على كل دولة ان تراعي اذاعتها اللاسلكية عدم الاضرار بالدول الاخرى وعدم الاساءة الى اذاعات هذه الدول او تعكيرها دون مبرر.
  • وقد تناول مجمع القانون الدولي بالبحث في موضوع الاذاعات اللاسلكية واتخذ بشأنه قرارا تضمن القواعد الاتية:
  • لكل دولة الحق في ان تنظم وفقا لما تراه اقامة وعمل محطات الاذاعة اللاسلكية على اقليمها ايا كان المالك لها.
  • ليس لاية دولة ان تعترض مجرد مرور الموجات الكهربائية الصوتية فوق اقليمها انما لكل دولة كلما دعت لذلك ضرورة المحافظة على مصالحها او القيام بواجباتها الدولية الحق في ان توقف الاذاعات الخارجية التي تتعارض مع هذه المصالح والواجبات.
  • يجب على كل دولة ان تنظم عمل محطاتها اللاسلكية بشكل لا يعكر بقدر المستطاع عمل محطات الدول المجاورة ويحسن ان تتفاهم الدول على ذلك وديا عن طريق اتفاقات دولية.
  • اذا تسبب عن اذاعات احدى الدول تعكير خطير غير منقطع لاذاعات دولة اخرى فانها تكون مسؤولة عن ذلك انما يجب ان يكون تقدير هذه المسؤولية على ضوء الممكنات الفنية.
  • هذا وقد ابرمت عدة اتفاقات دولية لتنظيم شؤون المواصلات اللاسلكية وتحديد حقوق وواجبات كل دولة تجاه الاذاعات للدول الاخرى وقد تقرر فيها انشاء اتحاد دولي للمواصلات اللاسلكية على ان يكون مركزة مدينة “برن” في سويسرا وقد اخذت جميع هذه الاتفاقات بالقواعد التي اقرها مجمع القانون الدولي العام كاساس قانوني لنظام المواصلات والاذاعات اللاسلكية ومن هذه الاتفاقات”:
  • اتفاقية واشنطن للتلغراف اللاسلكي سنة 1927.
  • الاتفاقية الدولية للمواصلات اللاسلكية في مدريد 1932.
  • اتفاقية لوسرن سنة 1933 لتنظيم الاذاعة اللاسلكية بين الدول الاوروبية.
  • اتفاقية جنيف سنة 1936 لتنظيم استخدام الاذاعات اللاسلكية في الدعاية للسلم.

المراجع

  1. مقدمة ابن خلدون- بيروت- 1986-ص 42
  2. بطرس بطرس غالي – التنظيم الدولي – القاهرة 1965 ص101.
  3. محمود خيري عيسى – المدخل في علم السياسة – القاهرة 1959 ص207.
  4. محمد حافظ غانم – مبادئ القانون الدولي العام – القاهرة – 1961 ص198.
  5. حامد سلطان – القانون الدولي العام وقت السلم – القاهرة – 1974 ص205.
  6. د. علي صادق ابو هيف – القانون الدولي العام – الاسكندرية – 1990 ص405.
  7. د. الشافعي محمد بشير – القانون الدولي العام في السلم والحرب – الاسكندرية – 1999 ص271.
  8. د. علي البارودي – مبادئ القانون البحري – الاسكندرية – 1975 ص258.
  9. المرجع السابق ص241.
  10. بطرس بطرس غالي – التنظيم الدولي – ص94.
  11. د. علي صادق ابو هيف – القانون الدولي العام – ص318.
  12. د. مصطفى كمال طه – اصول القانون البحري – 1952 – الاسكندرية – ص97.
  13. د. علي جمال الدين عوض – القانون البحري الجزء الاول – القاهرة 1958 ص221.
  14. د. محمود سمير الشرقاوي – الخطر في التامين البحري رسالة القاهرة – 1966 – ص59.
  15. د. د. علي البارودي – مبادئ القانون البحري – الاسكندرية – 1969 – ص69.
  16. د. علي صادق ابو هيف – القانون الدولي العام – ص387.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى