#شؤون اقليمية

يوسف يونس: القدرات العسكرية الايرانية

يوسف يونس 15-5-1999م: القدرات العسكرية الايرانية

مقدمة :

لم تعد مسالة امتلاك ايران لصواريخ باليستية هجومية مجرد احتمال او افتراض، وليس هذا نتيجة طبيعية لتجربة اختبار اطلاق نموذج الصاروخ شهاب – 3التي جرت في 24 يوليو 1998، بل ربما لن تكون هناك اية مفاجآت حول حقيقة المساعي والجهود الايرانية الحثيثة لامتلاك منظومة متكاملة متعددة المديات من الصواريخ الهجومية ارض/ ارض، خاصة في ظل وضوح الطموحات الاستراتيجية الايرانية لتصبح قوة اقليمية مهيمنة على منطقة الخليج تضمن من خلالها تحقيق الابتزاز الاقتصادي لدوله، وتستطيع فرض هيمنتها وسطوتها على دول الخليج العربي خاصة، ودول الجوار الجغرافي في منطقة تمتد من اواسط القارة الاوروبية وحوض البحر المتوسط غربا الى آسيا الوسطى والمحيط الهندي شرقا وجنوبا على وجه العموم، ومن ثم كانت متطلبات بناء منظومة الصواريخ الهجومية الايرانية انعكاسا طبيعيا لطموحاتها، وفي الوقت ذاته رغبة في ملء الفراغ الناشئ عن ضعف قواتها الجوية الناجم عن عدم توفر قطع الغيار وضعف قدرتها على التامين الفني للطائرات الغربية الصنع وصعوبة تحديث الموجود لديها من الطائرات منذ اكثر من عشرين عاما.

واعتبارا من اواسط التسعينات بدأت الجهود الايرانية لبناء منظومتها الصاروخية الاستراتيجية تؤتي ثمارها، بعيدا عن اجواء الاثارة والضجيج الاعلامي. وكانت ايران قد نشطت في منتصف الثمانينات، بالعمل في عدة اتجاهات لتنفيذ ثلاثة برامج رئيسية يشكل كل منها مرحلة قائمة بذاتها لانتاج نوعية معينة من الصواريخ الباليستية ذات المدى المحدد، بهدف تفادي احتمال ان تؤدي أي ضغوط او عقبات سياسية او تكنولوجية او مادية قد تظهر في مواجهة احداها في أي وقت من الاوقات الى التأثير في الوقت ذاته على البرنامج الآخر. وعلى هذا الاساس جرى العمل على تنفيذ البرنامج الاول بالتعاون مع كوريا الشمالية، بينما استند البرنامج الثاني الى المساعدة التقنية التي وفرها الاتحاد السوفيتي قبل وبعد تفككه، وجرى تنفيذ البرنامج الثالث بالاعتماد على الخبرة الصينية، وتركز الهدف الاساسي من كل هذه البرامج في التوصل الى التصميم والانتاج المحلي لعدة انواع من الصواريخ ارض/ ارض التي تستطيع حمل انواع مختلفة من الرؤوس المدمرة (شديدة الانفجار، كيماوية، بيولوجية، نووية).

برامج التسلح الايراني :

رغم الصعوبات التي تواجه الاصرار الايراني على تقوية الجيش سواء من جانب القيود الدولية خارجيا او تدني الظروف الاقتصادية داخليا، ورغم ان حاجة القوات الايرانية الى كثير من قطع الغيار وافتقارها لمنظومات التسلح في تصاعد مستمر منذ العام 1989 وحتى الآن، فان ايران قد قامت بين عامي 1997 و1998م برفع موازنة دفاعها من 4.7 مليار دولار الى 6.2 مليار دولار أي بنسبة 30% ، مع الاخذ في الاعتبار ان ايران تنفق على تسليحها في الواقع اكثر مما تعلن عنه في موازنتها الرسمية، من جهة اخرى، فان القوة العسكرية الايرانية تتكون حاليا من 545 الفا من القوات العاملة بالاضافة الى 350 الفا من قوات الاحتياط موزعة كالآتي:

  • قوات برية تضم 350 الف فرد موزعين على اربع قيادات جيوش تشمل 4 فرق مدرعة، و7 فرق مشاة، ولواء محمولا جوا، وفرقتين من القوات الخاصة وبعض الوحدات المستقلة الاخرى، و5 مجموعات مدفعية ذات تسليح يضم 1440 دبابة قتال رئيسية من طرز مختلفة غربية وشرقية، 1995 قطعة مدفعية مجرورة، 664 قطعة صاروخية متعددة المواسير، 3500 مدفع هارون، 80 قاعدة اطلاق صواريخ باليستية متنوعة، وحوالي 500 طائرة هليوكبتر.
  • قوات بحرية تضم 30 الف فرد (منهم 2000 فرد للقوات الجوية البحرية ومشاة الاسطول) و6 قواعد بحرية (بندر عباس، بو شهر، خرج، بندري اتدلي، بندري خميني، شاه بحر) ويضم التسليح البحري الايراني غواصتين روسيتين طراز كيلو أس اس، ومدمرتين و3 فرقاطات وطرادتين و20 زورق صواريخ و7 كاسحات الغام، و8 قطع برمائية و20 طائرة هليوكبتر، و9 طائرات نقل ولواءي مشاة اسطول.
  • قوات جوية تضم45 الف فرد (منهم 13 الف فرد يتبعون قوات الدفاع الجوي) وتشمل 295 طائرة مقاتلة قاذفة، ومنها 60 طائرة طراز اف 14،60 طائرة طراز اف – 7، وحوالي 60 طائرة نقل، وطائرة هليوكبتر، بالاضافة الى 100 طائرة للتدريب و10 طائرات للتزود بالوقود في الجو لزيادة مدى عمل الطائرات المقاتلة والقاذفات.
  • الحرس الثوري، وهي القوات التي جرى تشكيلها بعد قيام الثورة الايرانية، وقد تطور خلال سنوات الحرب ضد العراق ليصبح جهازا عسكريا ذا توجهات راديكالية للدفاع عن المبادئ الثورية للخميني في الداخل وتصدير الثورة الاسلامية الى الخارج، ويتكون حاليا من 120 الف فرد موزعين على قوات برية (100 الف فرد) في 13 مشاة وفرقتين مدرعتين والعديد من الالوية المستقلة، وقوات بحرية (20 الف فرد) موزعة في خمسة موانئ مشاة اسطول. وجاء دستور ايران (سبتمبر 1979) ليحدد مهام الحرس الثوري في حماية الثورة الخمينية وتأمينها وقمع كل القوى المناوئة لها ودعم حركات التحرير في العالم وحراسة الثورة وقادتها من العدو الصهيوني والامريكي وعملائهم في المنطقة، هذه المهام تحمل في ثناياها مسئولية تصدير الثورة واثارة التوتر  في المنطقة تحت زعم مواجهة العدو الامريكي والصهيوني وعملائه في المنطقة، اذ يحدد الجيش الثوري وحده انطلاقا من تصوراته وحدها الاعمال التي ينفذها في البلدان المجاورة، ولا غرابة ان نجد ان قوات الحرس الثوري تسيطر على قوات الباسيج (جيش التعبئة الشيوعي التطوعي) التي تتكون من 200 الف وتصل عند التعبئة الى مليون، وتتضح نية تصدير الثورة عمليا من وجود 150 مقاتلا من الحرس الثوري في لبنان، و200 خبير عسكري ايراني في السودان.
  • اتجاه ايران الى انتاج وتصنيع وتطوير صواريخ ارض – ارض استراتيجية مختلفة المديات.
  • انتاج اسلحة كيماوية وبيولوجية: اقامت ايران في منطقة بارخين والتي تبعد 40كم من الجنوب من طهران مصانع ومنشآت لانتاج غاز الاعصاب بالتعاون مع الصين الشعبية ولقد اسندت ايران مهمة تطوير قدراتها من الاسلحة الكيماوية الى قوات الحرس الثوري، وتنتج ايران حاليا غاز الخردل الكبريتي وغازات تسمم الدم مثل سيانيد الهيدروجين وغاز الفوسجين، ويجري  تعبئة هذه الغازات في قذائف مدفعية والرؤوس المدمرة للصواريخ وقنابل الطائرات، ولقد سبق لايران استخدام قذائف المدفعية ضد العراق، هذا فضلا عن امتلاك ايران لبعض الاسلحة البيولوجية التي بدأت في انتاجها منذ العام 1982، حيث اجرت بحوثا موسعة حول بعض المواد الفتاكة مثل الانثركس (الجمرة الخبيثة) والجراثيم المسببة للحمى القلاعية والبيوتوكسين، والتي سبق ان استخدمتها في حربها ضد العراق.

* برامج الصواريخ قصيرة المدى :

بدأ البرنامج الايراني لانتاج الصواريخ قصيرة المدى في منتصف السبعينات بالتعاون المشترك مع اسرائيل وبالخبرة والامكانيات التقنية الغربية، ولكن هذا التعاون لم يسفر عن نتائج ملموسة، نظرا لمحاولات اسرائيل المستمرة لاخفاء نتائج الاختبارات والتطورات في تنفيذ البرنامج وعدم التعاون في نقل الخبرة للايرانيين. وفي منتصف الثمانينات تمكنت ايران بالتعاون مع جمهورية الصين الشعبية من التجميع المحلي للقذائف الصاروخية للمدفعية طراز 83 المسمى “اوغاب” واستخدامه كصاروخ باليستي تكتيكي يصل مداه الى 40 كيلو مترا فقط، ومزودا برأس حربي زنة 70-200 كجم، ولكنه يفتقد الدقة ويتصف بكبر خطأ نسبة الاصابة (تصل الى 8.7% على اقصى مدى)، ومنها طراز ايران – 130 وهو من اطولها مدى حيث يصل الى 90 – 130 كم، ويزن رأسه الحربي 150 كجم، ولكنه يفتقد ايضا لرقة الاصابة, وفي سبتمبر 1985 نجحت ايران في توقيع اتفاق للتعاون العسكري مع كوريا الشمالية لانتاج كل انواع الصواريخ الباليستية بالاعتماد على تقنيات تصنيع الصاروخ “سكود” بحيث تستطيع  ايران انتاجه محليا خلال عشر سنوات، على ان تقوم كوريا الشمالية بامداد ايران بكل ما تحتاجه من الصواريخ التامة الصنع خلال تلك الفترة، حيث تسلمت ايران حتى بداية العام 1990 نحو 250 – 300 صاروخ سكود – بي (مداه 300 كم)، وجرى تدريب الخبراء والفنيين الايرانيين في مجال تقنيات تصنيع وانتاج واختبار الصواريخ الباليستية، وتزامن مع ذلك قيام تعاون محدود بين باكستان وايران للحصول على تقنية انظمة الصاروخ “حافيت” طرازي 3.2 والذي يصل مداه الى 300-600كم، ولكن في 6 مارس 1992 قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات من النوع الاول (حظر تصدير قطع الغيار والمعدات ذات التكنولوجيا العالية) على كل من ايران وكوريا الشمالية لخرقهما القانون الامريكية لحظر انتشار جميع الانشطة المرتبطة بالصواريخ الامر الذي اعاق استمرار التعاون بينهما.

وخلال تلك الفترة، وفي اعقاب انتهاء الحرب العراقية – الايرانية (1980-1988) ، اسرعت ايران في معدل تنفيذ برنامجها الصاروخي، لضمان تحقيق الردع ضد تعرضها لضربات صاروخية عراقية ضد مراكزها الاقتصادية والاستراتيجية، لذلك قامت بتوقيع اتفاق تعاون عسكري مع الصين العام 1989 يتضمن تسلم ايران 20 صاروخا صينيا ارض/ ارض، باليستي طراز 8 ونحو 5-10 قواعد اطلاق وهذا الصاروخ يعتمد على الوقود الجاف، ويتراوح مداه ما بين 100-150كم، ويحمل رأسا مدمرا زنة 190كجم، وتعتبر ايران الدولة الوحيدة في العالم التي حصلت على هذا الصاروخ من الترسانة الصينية.

وفور انتهاء حرب الخليج الثانية (1990-1991) اسرعت الولايات المتحدة بتوقيع اتفاق مع الصين في 12 فبراير 1992 يقضي بعدم قيام الصين بنقل اية تقنيات عسكرية متقدمة لاي دولة الا ان الصين قامت بنقل تقنيات انتاج الصواريخ الصينية اذ تم انتاجه العام 1986. ونتيجة للضغوط السياسية الامريكية عادت الصين ووقعت في الرابع من اكتوبر 1994 على اتفاق يقضي بالالتزام بالقيود التي فرضها نظام مراقبة تقنية الصواريخ، وعلى عدم نقل مثل هذه الصواريخ او تقنيتها المرتبطة بها الى اية دولة اخرى، ولكن ايران كانت قد استطاعت الحصول على قدرات وامكانيات تصميم وانتاج الصواريخ قصيرة المدى.

وفي يونيو 1995 اكد احد تقارير المخابرات المركزية الامريكية ان هناك ادلة قوية على ان الصين ما زالت تقوم بنقل خبراء وعلماء ومعدات ومواد يمكن استخدامها لتصنيع الصواريخ الباليستية المتقدمة، والتي تماثل الصاروخ الصيني م-9 او م-11، وفي يوليو اعترفت الصين بنقلها لمئات من انظمة توجيه الصواريخ ومعدات حاسب واجزاء صواريخ الى ايران تستخدم في تصنيع الصاروخ سكاد القصير المدى، ولم تتخذ الادارة الامريكية أي اجراء بهذا الشأن، لان القيود الدولية المفروضة على نقل التقنية تركز فقط على الصواريخ الاكبر مدى من 300كم، ولكنها قامت في 24 مايو 1996 بتوقيع عقوبات من النوع الثاني ضد وزارة الدفاع ومكتب المشتريات الخارجية الايراني وبعض الشركات الكورية الشمالية، لقيامهم بنشاطات تقنية محظورة في مجال انتاج الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، والاسلحة الكيماوية.

وفي 18 يونيو 1997 تم الاعلان عن قيام ايران بانتاج صاروخ باليستي قصير المدى كجزء من برنامج مشترك مع الصين يتضمن انتاج محركات صواريخ ومعدات اختبار للصواريخ، كما قام الفنيون الايرانيون بزيارة الى الصين لحضور الاختبار الارضي لمحرك صاروخي 450مم، يستخدم في الصواريخ التي تعمل بالوقود الجاف والتي يصل مداها الى 170 كم.

ونتيجة لقلق الولايات المتحدة من تنامي التعاون الصاروخي بين ايران والصين، قام ويليام كوهين وزير الدفاع الامريكي خلال زيارته للصين في 21 يناير 1998 ولقائه بالرئيس الصيني جيانج زيمين بالاتفاق على عدم قيام الصين بنقل أي تقنية لتصنيع الصواريخ الى ايران، وايقاف مبيعات الصواريخ التامة الصنع التي كانت ايران قد اشترتها ولم تتسلمها.

* برامج الصواريخ متوسطة المدى:-

اما البرنامج الايراني لانتاج الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، فقد بدأ في بداية التسعينات، حيث سعت ايران للحصول على صواريخ ارض/ارض متوسطة المدى بعدد 350 صاروخا وحوالي 24 قاعدة متحركة من كوريا الشمالية، وهو طراز معد من الصاروخ سكاد – بي ويصل مداه الى 1000 كم، وتؤكد المعلومات ان ايران تقوم بالاستفادة من تقنيات تصنيع الصاروخ الكوري سكاد – بي، لتنفيذ برنامج لانتاج صاروخ محلي مطور يكون اكثر دقة ويصل مداه الى 950 كم ويمكنه حمل رأس مدمر زنة 500كجم، وتم اجراء اول تجربة لاختبار هذا الصاروخ في ايران  في مايو 1991 ولمدى يصل الى 500كم فقط.

ويوجد تعاون وثيق بين كوريا الشمالية وايران لانتاج وقود سائل لانظمة الدفع في الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، وقد جرت تجارب مشتركة على استخدام قوة الدفع المتولدة عن الوقود الجاف للصواريخ يصل مداها الى 2000 كم.

وتمكنت ايران من تصميم واختبار صاروخ متوسط المدى في منتصف العام 1998، وذلك نتيجة لكبر ابعاد وعمق التعاون الايراني مع كل من الصين والاتحاد السوفيتي وكوريا الشمالية – كل على حدة – ومن خلال توسعها في مجال استخدام انشطة التجسس والاستخبارات التي تقوم بسرقة التصميمات وخطف الخبراء، وهو الاسلوب الذي تعلمته ايران من اسرائيل خلال فترة التعاون الوثيق معها ابان حكم الشاه واستمر خلال الحرب مع العراق.

وظهرت معلومات حول قيام المخابرات الايرانية بالعمل لعدة سنوات في تجنيد علماء روس، وارسالهم الى ايران لتدريب الايرانيين على بناء صواريخ متوسطة المدى على تقنية الصاروخ 40- s d وتوجد اربع مؤسسات روسية تساعد ايران في برامجها لتصنيع الصواريخ وهي: كوزنتسوف المعنية بتطوير محركات الصواريخ، ومعهد يوليوس للابحاث المتخصصة في الليزر وانظمة توجيه الصواريخ، وجامعة يومان المتخصصة في الطيران والفضاء الخارجي، ومعهد شاجي الذي تجري فيه التجارب المتعلقة بالتغلب على مقاومة الهواء وتصميم اجسام الصواريخ. وتصل قيمة العقود الموقعة مع هذه المؤسسات الروسية الى عدة مئات من ملايين

الدولارات لتطوير برامج الصواريخ الايرانية، ثم تعقبها مرحلة انتاج لمدة عامين، قبل ان يتم نشر هذه الصواريخ.

واكدت المصادر الروسية لمكافحة التجسس ومكتب الامن الفيدرالي الروسي (rsb ) بأنه في 14 نوفمبر 1997م تم القبض على ايراني يحاول شراء وثائق تصميمات تقنية الصواريخ من روسيا، واكد تقرير لوكالة المخابرات المركزية الامريكية (CIA ) ان مركز انيور السري للانتاج العلمي الروسي قد ابرم عقدا مع مصنع صواريخ ايراني في شهر سبتمبر 1997 لبيع صلب عالي الجودة وشرائح معدنية خاصة ببرامج انتاج صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وطبقا لما ظهر من صور من الاقمار الاصطناعية الامريكية في 15 ديسمبر 1997 لمجموعة صناعات حكمت الشهيد، برز وجود عدة منشآت جنوب طهران يشتبه في تصنيعها للصواريخ، كما تأكد اختبار محرك صاروخي من جيل جديد للصواريخ الباليستية قادر على حمل 500 كجم لمدى اكثر من 1600كم.

وفي يناير 1998 قررت الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية الاتفاق على بذل كافة الجهود لمنع نقل تقنية خاصة ببرامج بناء صواريخ باليستية لايران، وذلك من خلال لقاء آل جور نائب الرئيس الامريكي مع رئيس الوزراء الروسي فيكتور تشرنوميردين.

ورغم كل الجهود الدولية لمنع نقل التكنولوجيا الخاصة بانتاج الصواريخ لمدى اكبر من 300كم، فقد استطاعت ايران اختبار الصاروخ شهاب – 3، والذي يعتمد على الوقود الجاف ويستطيع حمل رأس مدمر زنة 700 كجم، ويصل مداه الى 1300كم، وهو تصميم ايراني تقترب مواصفاته من خصائص الصاروخين الروسيين طراز 22- 55، 23- 55 واللذين تم الغاؤهما من الترسانة الروسية تطبيقا لاتفاقية الخفض المتبادل للسلاح النووي الموقعة مع الولايات المتحدة الامريكية، اما اقرب صاروخ صيني له فهو الصاروخ طراز 21- Dr  والذي يصل مداه الى 1700 كم، ويعتمد على الوقود الجاف وقد تم انتاجه في منتصف الثمانينات وتشير المعلومات الى الغائه من الترسانة الصينية منذ منتصف التسعينات بعد ان تم تطويره لزيادة مداه وجرى انتاج الصاروخ الجديد تحت مسمى  Dr – 21A . ولذلك فان اكثر الاحتمالات توقعا هو ان الصاروخ شهاب – 3 تصميم ايراني داخلي تم تنفيذه بالتعاون مع خبراء من الصين والاتحاد السوفيتي بالاعتماد على تصميمات الصواريخ التي خرجت من الخدمة.

ويجمع الخبراء الامريكيون من المخابرات المركزية على ان ايران قادرة على الانتاج المحلي لصاروخ ارض/ ارض باليستي، لمدى يصل الى 1600كم/ ويحمل راسا مدمرا زنة 500-700كجم، وذلك خلال 5- 7 سنوات (أي العام 2005) طبقا لحجم التعاون التي تتلقاه من الصين وكوريا الشمالية، وقد صرفت حتى الآن 1.2 بليون دولار، منها نحو 300 مليون دولار العام 1997، و400 مليون دولار العام 1998م.

* برامج الصواريخ بعيدة المدى:-

ورغم ان الصواريخ المتوسطة المدى تحقق لايران طموحاتها الاقليمية في الهيمنة، الا انها سعت ايضا لامتلاك صواري بعيدة المدى لتدخل في اطار دائرة القوى الكبرى،  الامر الذي ادى الى تكثيف اجهزة الاستخبارات الغربية والاسرائيلية لجهودها في مراقبة برنامج الصواريخ الايراني عن كثب، والاستعداد لتوجيه ضربة اجهاض لاي قدرات ايرانية في هذا المجال.

وكان التوجه الايراني نحو الانتاج المحلي للصواريخ بعيدة المدى قد بدأ من منتصف العام 1995، حيث تم الاتفاق مع كوريا الشمالية للانتاج المشترك لهذا الصاروخ بالاعتماد على الوقود السائل وتطوير تقنية انتاج الصاروخ الكوري نودنج – 1 (الذي يصل مداه الى اكثر من 1300 كم، ويحمل رأسا مدمرا يزن 750كجم)، ولكن نتيجة لتعثر العمل في المشروع المشترك، جرت المساعي الايرانية للتفاوض السري مع روسيا الاتحادية بغرض الحصول على تقنية متقدمة تسمح لها بانتاج صواريخ (اس – اس – 4) بعيدة المدى تصل الى 3500كم، ولذلك اعلنت اسرائيل على لسان وزير دفاعها اسحاق مردخاي في 27 سبتمبر 1997 عن حقها في توجيه ضربة او اجهاض او ضربة وقائية ضد القدرات الايرانية لانتاج الصواريخ بعيدة المدى، فور التأكد من هذه المعلومات.

وقد حصلت ايران على محركات صواريخ باليستية بعيدة المدى بمعاونة من روسيا، وقد اكد مارتن آنديك مساعد وزير الخارجية الامريكي لشؤون الشرق الاوسط امام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ ان ايران ستتمكن خلال سنة ونصف الى سنتين على الاكثر (العام 2000) من الحصول على قدرات لانتاج صواريخ باليستية بعيدة المدى، وان كانت هناك صعوبات شديدة تواجه ايران للحصول على تقنية انتاج مثل هذه النوعية من الصواريخ في ظل النشاط الامريكي المضاد لها.

ولكن في الاسبوع الاخير من شهر مارس 1997، قامت ايران باجراء اختبار لاطلاق نودنج لصاروخ باليستي جديد يعتمد على تقنية جديدة كان من غير المتوقع ان تصل ليد ايران، حيث يشابه هذا الصاروخ الايراني الجديد الصاروخ الصيني (اس – اس – 20) يصل مداه طبقا للنودنج الابتدائي له الى 4400 – 5000 كم، ويصل في النموذج الاخير الى مدى 7500كم، وهذا يعتبر قفزة نوعية في قدرات تقنية الصواريخ الايرانية، ويعتقد الروس بان هناك بعض الخبراء من قطاع التصميمات السوفيتي قد ساعدوا ايران في هذا الانجاز،وكانت ايران قد سعت للتعاون مع كوريا الشمالية في بداية العام 1996 للحصول على الصاروخ المعدل الكوري نودنج – 1 او الصاروخ نودنج –2 الجاري انتاجه، ولكن طهران لم تعتمد كليا على برنامج انتاج الصواريخ الكورية البعيدة المدى، بل ركزت على برامجها الخاصة نظرا لوجود بعض المشكلات في تصمم الصاروخ الغربي آر – 12 وهو صاروخ قديم تم انتاجه في الخمسينات بمساعدة من المانيا، نظرا الى المشكلات التي تواجه ايران في انتاج الصاروخ نودنج – 2، وهو نودنج مطور للصاروخ سكاد بزيادة مداه، من خلال تصميم خزانات وقود اكبر حجما، حيث سيكون من السهل والاسرع لايران الحصول على تقنية الصاروخ بعيد المدى آر – 12 ودمجه مع البرنامج الايراني للصواريخ، والذي يعتمد على نودنج – 2، وهذا يحتاج الى عدة اشهر لانتاج انظمة التوجيه والتوصل الى حلول لمشكلات بناء جسم الصاروخ، وفي نوفمبر 1996 توصل الايرانيون وكوريا الشمالية لاتفاق جديد للتعاون الاستراتيجي في برنامج انتاج الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وفي ربيع 1997 قامت كوريا الشمالية بامداد طهران ببرنامج حواسب لتصنيع صاروخ يعتمد على تكنولوجيا انتاج الصاروخ الكوري نودج.

رغم حداثة البرنامج الصاروخي الايراني فانه يسير بخطى سريعة من خلال تنويع مصادر التعاون العسكري، والاستفادة من نشاط الاستخبارات الفنية وتبادل الخبرة مع كل من الصين وكوريا الشمالية وروسيا الاتحادية، كما ان ايران تسعى لامتلاك منظومة متكاملة من الصواريخ ارض/ ارض الباليستية ذات المديات المختلفة (قصيرة المدى ومتوسطة المدى وبعيدة المدى)، وخلال 5-8 سنوات ربما تكون ايران قادرة على تصنيع وانتاج هذه النوعية من الصواريخ، مما يتيح لها امكانية تهديد الاهداف الحيوية في منطقة الخليج العربي بأكملها، وحتى اوروبا كلها، من دون الحاجة لامداد خارجي بالصواريخ، كما ان تنوع الرؤوس الحربية المدمرة التي تستطيع ان تحملها هذه الصواريخ ما بين شديدة الانفجار وكيماوية وبيولوجية وحتى نووية يتيح لها مرونة الاستخدام وقدرا كبيرا من امكانية اختيار الاهداف المراد تهديدها وتدميرها.

* مصنعان لتجميع الصواريخ:-

رغم عدم توفر ادلة كافية على قدرة ايران انتاج صواريخ كاملة او حتى التجميع الكامل جزاء صاروخ باليستي، فان لدى ايران مصنعين على الاقل لتجميع الصواريخ والقذائف الصاروخية احدهما اقامته كوريا الشمالية قرب اصفهان، والآخر اقامته الصين على بعد 175كم شرق طهران بالقرب من سمنان لانتاج الصواريخ قصيرة المدى بمعدل 500 صاروخ سنويا، بالاضافة الى وجود موقع لاختبار الصواريخ ومجمع لمراقبتها وعدد متنوع من المنشآت التي ساعدت روسيا الاتحادية في اقامتها، وكل هذا يمثل اضافة نوعية قوية للمساعي الصاروخية الايرانية، تتيح لها على المدى المتوسط والبعيد امكانية انتاج الصواريخ وان كل ذلك يعتمد على حجم الدعم والتعاون الذي ستقدمه كل من الصين وكوريا الشمالية, ورغم الشك الذي يحيط باستراتيجية ايران لاستخدام الصواريخ الباليستية، الا ان السعي لامتلاك مثل هذه النوعية من التسلح من دون حاجة استراتيجية لها للدفاع الشرعي عن الدولة، نظرا لعدم وجود أي تهديد حقيقي يواجهها وفي ظل تدهور الظروف الاقتصادية الداخلية، يؤكد على النوايا العدوانية التوسعية لايران واصرارها على تهديد دول الجوار اما لفرض السطوة والهيمنة او للابتزاز كسبيل لحل مشاكلها الاقتصادية، او الاثنين معا، كما يزيد من مشاعر الشك والارتياب وافتقاد الثقة في حقيقة التوجهات الايرانية، ويزيد من الاحساس بالتهديد وعدم الامن في منطقة الخليج.

* برامج التسلح النووي الايراني : 

لقد سعت ايران في البداية لبناء برنامج نووي للاغراض السلمية بهدف انتاج الطاقة الكهربائية، ومر هذا البرنامج بثلاث مراحل متباينة، المرحلة الاولى جرت في الفترة ما بين العامين 1967-1979، خلال حكم الشاه محمد رضا بهلوي لايران، حيث بدأ التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية بانشاء مركز امير آباد للابحاث النووية في جامعة طهران العام 0967 وتم تجهيزه بمفاعل نووي صغير، وطبقا للاتفاق مع الولايات المتحدة الامريكية العام 1974 تقرر امداد هذا المفاعل باليورانيوم المخصب لمدة عشر سنوات.

وكانت ايران قد وقعت على معاهدة منع الانتشار النووي في اول يوليو 1968، وصدقت عليها العام 1970، كما وقعت ايضا العام 1973 على اتفاقية الضمانات النووية الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك لاثبات صدق التوجهات الايرانية للاستفادة السلمية من الطاقة الذرية.

وقرر الشاه السعي لبناء 23 مفاعلا نوويا بهدف توليد 20% من احتياجات البلاد من الطاقة الكهربائية، واجراء الابحاث وانتاج النظائر الطبية بتكلفة تصل الى 35 بليون دولار، فتم انشاء هيئة الطاقة النووية الايرانية العام 1974، وقام الشاه بشراء 11.3% من اسهم فرنسية متخصصة في تموين محطات الطاقة النووية باليورانيوم، وكانت هذه الشركة مسئولة عن اعادة تخصيب اليورانيوم المستخدم في المفاعلات، وذلك لاعادة استخدامه مرة اخرى في محطة الطاقة الفرنسية سوبر – فونيكس (ولكن الخميني قرر العام 1981 بيع اسهم هذه الشركة في اسواق المانيا الغربية وفرنسا).

ثم جاء التعاون النووي مع المانيا الغربية العام 1975 بتوقيع عقد مع شركة تابعة لمؤسسة سيمنس لانشاء مفاعلين نوويين للاغراض السلمية في مدينة بو شهر، طاقة كل منهما 1300 ميجاوات، كما تم الاتفاق مع فرنسا العام 1967 لانشاء مفاعل آخر بطاقة 935 ميجاوات لتوليد الكهرباء في منطقة الاهواز، وجرى ارسال بعثات علمية من علماء ومهندسين وفنيين ايرانيين الى جامعات ومعاهد البحوث النووية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، ثم جرى الاتفاق مع فرنسا لبناء مفاعل صغير في اصفهان للابحاث ينتهي العمل فيه العام 1980، وحتى قيام الثورة الايرانية العام 1979 كانت المانيا قد انهت 80% من البنية التحتية لاحد المفاعلين ونسبة 50% للآخر.

اما المرحلة الثانية للبرنامج النووي السلمي الايراني فكانت خلال الفترة ما بين العامين 1979-1983 حيث توقف البرنامج السابق تماما نتيجة لايقاف المانيا الغربية وفرنسا تعاونهما النووي بعد قيام الثورة الاسلامية الخمينية في ايران، وهروب العديد من علماء الذرة الايرانيين، وايضا لنجاح العراق في قصف وتدمير بعض منشآت موقع بوشهر، ومن ثم اصدر آية الله الخميني اوامره بالغاء البرنامج النووي الايراني، واعلن “ان على الايرانيين الا يستخدموا التقنية الحديثة التي لا يستطيعون التعامل معها وادارتها بكفاءة”.

اما المرحلة الثالثة والتي بدأت العام 1984 وما زالت مستمرة حتى الآن، فقد شهدت احياء البرنامج النووي الايراني مرة اخرى، فقد اعلن رضا امر الله مدير البرنامج النووي الايراني عن الاتفاق على بناء عشر محطات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، وجرى افتتاح مركز جديد للابحاث النووية في جامعة اصفهان العام 1984 بمساعدة فرنسا التي زودته بمفاعلات بحثية صغيرة الحجم وتم الحصول على الوقود النووي من الارجنتين عن طريق الجزائر بعقد قيمته 5.5 مليون دولار، وبدأ التعاون مع روسيا لاستئناف البناء في موقع بوشهر النووي بتكلفة 2.9-4.6 مليون دولار، وتم العام 1986 توقيع اتفاقية مع باكستان لتدريب المتخصصين التابعين لهيئة الطاقة الذرية الايرانية، كما حصلت ايران على كمية محدودة من اليورانيوم المخصب (الكعكة الصفراء) من جنوب افريقيا ما بين العامين 1988-1989، ثم سرعان ما طورت ايران تعاونها النووي، والمستمر حتى اليوم، مع كل من الصين وروسيا الاتحادية وجمهورية كازاخستان وجنوب افريقيا، ولقد حاولت الولايات المتحدة الامريكية من خلال فرض العقوبات تارة وباتفاقيات التعاون تارة اخرى ومن خلال الجهود الدبلوماسية المكثفة ان تعوق حصول ايران على تكنولوجيا او امكانيات او مواد نووية تمكنها من انتاج سلاح نووي، الا ان ايران ما زالت مستمرة في مساعيها.

* جهود تخصيب اليورانيوم:-

وحول اللغز النووي الايراني يؤكد احد الخبراء العاملين في مركز دراسات الطاقة والبيئة في الولايات المتحدة الامريكية بانه يمكن لايران صناعة قنبلة نووية بالاعتماد على اليورانيوم المخصب بدرجات عالية بدلا من البلوتونيوم الذي تصنع منه الاسلحة النووية الحديثة، لانه الخيار الافضل بالنسبة لدولة نامية تسعى لصناعة سلاح نووي بشكل سري. اذ انه رغم تطلب انتاج السلاح النووي من اليورانيوم المخصب يصل الى ضعف ما يتطلبه من البلوتونيوم، بل ان صناعة السلاح النووي من اليورانيوم المخصب ليست ابسط من مثيلتها في البلوتونيوم فحسب، بل ان العامل الاهم يتمثل في ان طريقة اليورانيوم تلغي الحاجة لوجود نوع من المفاعلات الصناعية – الكيماوية، والمعروفة بمعامل اعادة المعالجة والمستخدمة لفصل البلوتونيوم من الوقود النووي المستهلك في المفاعل.

وبالطبع يتطلب انتاج اليورانيوم عالي التخصيب معدات صناعية خاصة، واهم هذه المعدات هو الجهاز اللازم لتخصيب اليورانيوم عن طريق زيادة تركيز اليورانيوم شديد الانشطار ذات الوزن الذري 235 في النظائر المشعة الموجود فيها، فهو يوجد بشكل طبيعي في النظائر المشعة بتركيز 0.7% ويجب زيادة هذا التركيز الى 93% ليصبح صالحا لصناعة السلاح النووي، وعملية التخصيب بحد ذاتها تتطلب براعة فائقة، والمنشآت الضرورية للتخصيب يسهل اخفاؤها على انها مفاعلات مشعة مميزة ومتنوعة، بحيث يمكن ان يدل وجودها مباشرة على الغرض الحقيقي من المنشأة.

ان الطريقة المثلى لتخصيب اليورانيوم اليوم تتم بالتثقيل (الطرد المركزي) باستخدام مئات من الاجهزة التي يوضع به الغاز فلوريد اليورانيوم السداسي وتدور بسرعات عالية جدا، فتعمل قوى الطرد المركزي على فصل جزيئات فلوريد اليورانيوم السداسي الخفيفة ذات الوزن الذري 235، عن ذرات اليورانيوم الاثقل ذات الوزن الذري 238، وهناك العديد من التقارير تشير الى ان ايران سعت جاهدة لامتلاك تقنية التخصيب هذه، علما بان مساعيها لم تكلل بالنجاح، من السوق السوداء ومن وزارة الطاقة الذرية الروسية.

وهناك طريقة اخرى قديمة لتخصيب اليورانيوم يعود تاريخها الى مشروع مانهاتن الامريكي ايام الحرب العالمية الثانية، وتعرف هذه الطريقة باسم الفصل الكهرومغناطيسي للنظائر المشعة، حيث يتم تمرير حزمة من ايونات اليورانيوم في حجرة مفرغة من الهواء باستخدام مغانط كهربائية، وبفعل المغانط يتم تجميع ايونات اليورانيوم الثقيل 238 وبالتالي فصلها عن ايونات اليورانيوم 235 المطلوبة، وتشكل حجرة الفصل هذه المعدات المرافقة لها نمطا من انماط اجهزة تحطيم نوي الذارات (السايكلوترون) والتي تعرف عالميا باسم كالوترون (نسبة الى السايكلوترون المصمم في جامعة كاليفورنيا) والجدير بالملاحظة ان الكالوترون يتطلب كميات اكبر من الطاقة مما يتطلبه جهاز الطرد المركزي، ولكن المكونات اللازمة في تكنيك الفصل في الكالوترون يسهل استيرادها او تصنيعها محليا.

ويشك المحللون ان ايران تجري بحوثا في مجال تخصيب اليورانيوم في ثلاث من منشآتها النووية، وهي مركز اصفهان للبحوث النووية، وجامعة الشريف للتكنولوجيا (التابعة لجامعة طهران) ومركز خرج للبحوث الطبية والزراعية، ولقد تناقلت وسائل الاعلام بعض الانباء التي تفيد بوجود سايكلوترون وكالتوترون في مركز خرج، حيث اشترت ايران جهاز سايكلوترون (لتحطيم نوات الذرات) من شركة ايون بيم ابلكيشن البلجيكية وتم تركيبه في خرج العام 1991، وهذا ما دفع المحللين الفرنسيين الى الاعتقاد بان ايران بصدد تنفيذ برنامج بحوث لتخصيب اليورانيوم، كما يوجد في مركز خرج كالوترون  صغير حصلت عليه ايران من الصين، والجدير بالذكر ان كلا الجهازين غير قادر على انتاج كميات ذات قيمة عسكرية من اليورانيوم علي التخصيب، ولكنهما مفيدان لاغراض البحوث والتدريب على تكنيك فصل النظائر المشعة.

كما يجدر التذكير بان تكنولوجيا التخصيب باجهزة الطرد المركزي او غيرها لا تستخدم لمجرد صنع الاسلحة وحسب، بل تستخدم لانتاج اشياء عديدة منها وقود مفاعلات توليد الكهرباء، ولكن نظرا لتوفر وقود اليورانيوم المخصب في جميع انحاء العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، يصعب فهم دوافع ايران للسعي لكي تصنع وقودها النووي ذاتيا، حتى اذا نجحت في انهاء وتشغيل مفاعل بوشهر، فامتلاك القدرة على تصنيع الوقود النووي (المستخدم في المحطات النووية لتوليد الكهرباء كاليورانيوم المخصب بدرجات اقل) امر مكلف جدا بالنسبة للدول النامية، في حين ان امن الطاقة الايرانية مضمون بفضل ما تمتلكه من ثروات نفطية وغازية هائلة، وبالفعل فان الاحتياطات المؤكدة التي تمتلكها ايران من الغاز الطبيعي تعتبر ثاني اكبر الاحتياطات في العالم، وتشير التقديرات المعتدلة الى ان الاحتياطات الايرانية تكفي احتياجاتها من الطاقة الكهربائية لفترة قادمة تتراوح بين 50 و 100 عام.

* استراتيجية الغموض النووي:-

ومن المؤكد ان المساعي الايرانية لامتلاك سلاح نووي لن توقفها اية عقبات سواء سياسية او مادية او تكنولوجية، لانها قد تلجأ عند الضرورة لشراء سلاح نووي تام الصنع اما من المافيا الروسية او من جمهوريات دول الاتحاد السوفيتي السابق عن طريق الاغراء بالمال او بالسرقة او كما حدث مع جمهورية كازاخستان التي تشير المعلومات الى احتمال حصول ايران على بعض الرؤوس النووية منها في مقابل كمية من النفط، ولكن من المتوقع ان تتمسك ايران باستراتيجية الغموض النووي، حتى لا تتعرض لضربة اجهاض امريكية او اسرائيلية.

ونظرا لعدم وجود اية تهديدات او مخاطر نووية او باسلحة الدمار الشامل تؤثر بصورة مباشرة او غير مباشرة على بقاء ايران او مصالحها الحيوية الاستراتيجية، يتضح ان المبرر الوحيد للمساعي الايرانية لامتلاك سلاح نووي تكمن في اصرارها على ان تصبح قوة اقليمية عظمى تستطيع من خلال الغموض النووي ان تفرض مصالحها على دول المنطقة، بل وعلى المستويين الاقليمي والدولي بما يضمن لها ان تصبح شرطي الخليج مرة اخرى.

* حقائق استراتيجية:-

من خلال رصد واستقرار القدرة العسكرية الايرانية خلال الاعوام الخمسة نصل الى عدة حقائق استراتيجية من اهمها: ان ايران تسعى لامتلاك قدرات عسكرية تقليدية تفوق احتياجاتها للدفاع عن نفسها وحماية مصالحها الحيوية بما يؤكد ضمنيا وجود نوايا الهيمنة  لفرض سياسة الامر الواقع.

كما ان سعي ايران لامتلاك قدرات عسكرية هجومية في القوات الجوية ومنظومة الصواريخ الباليستية ذات المديات المتوسطة والبعيدة يشير الى كبر المجال الحيوي الذي تسعى ايران لفرض سطوتها العسكرية عليه وهذا يعني محاولتها ان تصبح قوة اقليمية عظمى تفرض مصالحها الخاصة.

فضلا عن محاولات ايران امتلاك قدرات عسكرية نووية واسلحة دمار شامل رغم عدم وجود أي تهديد او عدائيات موجهة ضد ايران وهو ما يخلق خللا استراتيجيا في التوازن العسكري الاجنبي وهذا في حد ذاته يحمل في طياته تكريسا لحالة التهديد وعدم الاستقرار في الخليج العربي ..

مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى