ينيف كوفوفيتش – هآرتس – الجيش الإسرائيلي أخفى قتله 6 أبرياء “خطأ” في الحرب الأخيرة على غزة
بقلم: ينيف كوفوفيتش – هآرتس 3/8/2021
طفل ابن تسعة أشهر وفتاة ابنة 17 وثلاث نساء وشاب، جميع هؤلاء هم مواطنون “غير مشاركين”، حسب تعبير إسرائيل، الذين قتلوا بنار مدفعية الجيش الإسرائيلي التي أطلقت على غزة في زمن عملية “حارس الأسوار”. تكشف “هآرتس” الآن بأن إطلاق نار بالخطأ نفذ على مبان مؤقتة قرب الجدار الحدودي مع إسرائيل. مبان هي بيوت لمزارعين بدو لم يكونوا القصد قط.
لم تنشر هذه الحادثة في وسائل الإعلام، لكنها كانت معروفة لدى الجيش. هناك قرروا التحقيق في الحادثة، لكن بعد مرور شهرين ونصف، كل ما حدث حسب المتحدث بلسان الجيش، هو “تعلم الدروس المهنية واستيعابها في الوحدة”. وحسب شهادات وصلت للصحيفة، لم يكن هذا دقيقاً بشكل كامل. تم توقيف عدد من الجنود من ذوي الرتب الصغيرة لفترة معينة وأعيدوا إلى وظائفهم. وتم نقله وضابط من الكتيبة إلى وظيفة تدريب. وبهذا، انتهى استخلاص الدروس. لم يكن هناك أي ضابط رفيع عوقب أو عزل.
كان يوم الحادثة مساء 13 أيار، بعد فترة قصيرة على انطلاق عملية “الضربة الخاطفة”، لإحباط أنفاق حماس في شمال القطاع “المترو”. وقد سبقت تلك الفترة مناورة خداع للجيش الإسرائيلي؛ تم تكليف الفرقة 162 بخلق الشعور لدى حماس بأن الجيش ينوي تنفيذ عملية برية في القطاع، شعور سيدخل رجال حماس إلى الأنفاق التي سيفجرها سلاح الجو لاحقاً. وكجزء من الاستعداد لعملية حرف الانتباه هذه، بدأت مدافع الكتيبة 55 بإطلاق النار الكثيفة على مناطق مفتوحة في شمال القطاع. تم إطلاق حوالي 500 قذيفة بهذا الاتجاه. ولكن أجزاء منها وجهت بالخطأ إلى منشأة القرية، وهي منطقة زراعية قرب بيت لاهيا ويعيش فيها سكان.
رغم القتال والقصف المخطط له إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يطلب من سكان المكان إخلاء بيوتهم. ولم يتم إرسال رسائل تحذر من الهجوم القادم، كما هي العادة في جولات القتال بغزة. بعد ذلك، في الساعة السادسة والنصف مساء، بدأ إطلاق القذائف على البيوت السكنية. مباشرة، اخترقت إحدى القذائف المنزل الذي كانت تعيش فيه عائلة أبو فارس. “كنت أجلس عند الجيران، وفجأت سمعت صوت قذائف تسقط”، قال ناصر أبو فارس (50 سنة) وهو والد العائلة. “لم أعرف أين سقطت، لكني رأيت الدخان وهو يخرج من بيتي الأول. ركضت إلى هناك بسرعة أنا وأصدقائي، لكن قبل وصولنا سقطت قربنا قذيفة ثالثة”. كان البيت مليئاً بالدخان والغبار. لم يتمكن أبو فارس من رؤية من الموجود في البيت ومن أصيب وكيف.
هذا الوصف أعطاه أبو فارس لباحث “بتسيلم”، حيث جمعوا هناك شهادات عن الحادثة. وقالوا بأنه في الوقت الذي كان يحاول فيه العثور على أبناء العائلة، سقطت القذائف حوله. وبعد تلاشي الغبار والدخان، دخل البيت مرة أخرى. “وجدت بناتي، كان جسد عدد منهن ممزقاً”، قال. “أولادي كانوا مصابين، وكل المكان كان مملوءاً بالدماء”.
في صباح ذاك اليوم، كان أبو فارس والد لـ 12 شخصاً. وفي المساء أصبح والد لـ 9: فوزية (17 سنة)، نسرين (26 سنة)، صابرين (28)، التي لم يعد ابنها الصغير محمد سلامة على قيد الحياة. الأولاد الآخرون الذين أصيبوا في القصف تم نقلهم إلى المستشفى في بيت لاهيا. وفي الطريق إلى هناك، أصيبت سيارته بنار المدفعية التي لم تتوقف. وعندما وصل كانت له مهمة أخرى باستثناء وجوده مع المصابين. كان مطلوباً منه تشخيص بناته وحفيده. رتب الطبيب أجزاء أجسامهن كي أتمكن من تشخيصها، كان أمراً غير محتمل. لم أستطع تحمله، بالأساس عندما وضع أجزاء أجسامهن بجانب بعضها كي أستطيع تشخيص الجثث وجثة الطفل”.
القذائف لم تقتل أبناء عائلة فقط. “سمعت جيراني وهم يقولون إن قذيفة أخرى سقطت على بيتهم”، قال في شهادته، “عائلة عياش”. في البيت المجاور، قتلت نعمة صالح سلامة عياش (47 سنة) وهاشم محمد عايد علي الزغبي (20 سنة). “أنا وزوجتي كنا نسكن في الطابق السفلي، وكانت تسكن قربنا والدتي في بيت صفيح”، قال إسماعيل عياش (50 سنة) لـ”بتسيلم”، وهو شقيق نعمة. في ذاك المساء، جرى لقاء عائلي في بيته بمناسبة عيد الفطر، حضر الجيران أيضاً، واصلوا حياتهم كالمعتاد رغم القتال. “جميع سكان القرية لم يخلوا بيوتهم لأننا قريبون من الحدود ولا توجد مواقع لحماس في المنطقة”، قال. بعد ذلك بدأ القصف. “سمعت صراخاً وأصوات نوافذ تتهشم”. صعدت نعمة الدرج إلى الطابق الأول، والدته وشقيقته سارة والجارة جميلة وكنتها دخلن إلى شقته. “خرجت إلى الشارع ورأيته مليئاً بالأنقاض والكتل الإسمنتية”، قال. “سمعت صراخاً وعويلاً، وشاهدت مصابين مستلقين على الأرض. تم تدمير الشارع بالكامل، وكان مليئاً بالدماء والغبار والدخان، مشهد لا يمكن تحمله.
هو لم يعرف ما الذي حدث في بيته. “لم أشاهد أختي نعمة. افترضت أنها هربت. شاهدت أختي سارة وجميلة وكنتها يهربن من المكان. ورأيت بيت ناصر أبو فارس الذي يقع قرب بيتنا مدمراً بالكامل، رأيتهم يحاولون إخراج جثث من بين الأنقاض”.
في المستشفى الإندونيسي في شمال القطاع، الذي نقل إليه لتلقي العلاج مع عائلته، تبين له ما حدث. “بحثت عن شقيقتي نعمة. تجولت بين الأقسام، وبعد ساعة ونصف وجدتها في ثلاجة الموتى. توفيت متأثرة بإصابتها من الشظايا عندما كانت في بيت الدرج. تلقيت نبأ (مقتل) هاشم الزغبي أيضاً، الذي أصيب بشظايا قذيفة سقطت عند مدخل بيتنا”. بعد ذلك، سمعت أن ناصر أبو فارس فقد ثلاث بنات من بناته، وحفيده. أرسل من بقوا على قيد الحياة من المستشفى إلى مدرسة في بيت لاهيا، وهناك حصلوا على المأوى. “وصلنا إلى المدرسة بدون شيء”، قال عياش. “لا شيء سوى الملابس التي نرتديها. بقينا هناك في ظروف صعبة جداً، جلسنا ونمنا على الأرض. وبعد ثلاثة – أربعة أيام، تبرع الناس لنا بفرشات وبطانيات. لم يكن لنا ما نأكله أو نشربه، وكانت هناك فوضى كبيرة”.
في صباح اليوم التالي للهجوم، عقد المتحدث بلسان الجيش في حينه، العميد هيدي زلبرمان (الذي ترقى بعد ذلك) مؤتمراً صحافياً، وقد أحصى إنجازات الجيش في تلك الليلة. الأنفاق التي تم تدميرها وعدد طائرات سلاح الجو التي هاجمت (160 طائرة) وكمية القنابل والقذائف والصواريخ التي أطلقت على أهداف مختلفة. “لقد أطلق حوالي 450 قذيفة على 150 هدفاً خلال 35 دقيقة”، قال زلبرمان برضى. ولكن ما حدث في المنطقة الزراعية بين بيت لاهيا والجدار الحدودي لم يتحدث عنه.
وقد جاء من المتحدث بلسان الجيش بأن “تفاصيل الحادثة يتم فحصها من قبل جهاز التحقيق في هيئة الأركان. تم التحقيق في الحادثة على المحور القيادي والمهني من قبل سلاح البر وقيادة المنطقة الجنوبية. عقب التحقيق، تم استخلاص الدروس المهنية التي تم استيعابها في اللواء 215”.