يعقوب احيمئير يكتب – أوسلو على خشبة المسرح وفي الواقع

اسرائيل اليوم – مقال – 9/12/2018
بقلم: يعقوب احيمئير
هل “اوسلو” هو تعبير عن جريمة سياسية – دبلوماسية، بتنفيذ فاشل لرجال دولة اسرائيليين أم ربما، محاولة لرجال علم سذج، غير اسرائيليين، لاحلال السلام بين الاعداء؟
في مسرح “بيت لسين” عرضوا مسرحية “اوسلو”، بقلم جي.بي روجر. فقد تخيل المسرحي اقتباسات من محادثات بين اسرائيليين وفلسطينيين، ونقل المخرج ايلان رونين المسرحية من مسرح التاريخ الى مسرح الفن. فالاعداء يحاولون، دون نجاح، اللقاء ويتظاهرون كأصدقاء، ولكنهم في نهاية الامر يفترقون كأعداء. لقد كانت القاعة التل ابيبية مليئة بمحبي المسرح، من السكان القدامى في معظمهم، والذين لا تعد “اوسلو” بالنسبة لهم مجرد اسم لعاصمة، بل فصل بشع في تاريخنا الحديث.
لقد سبق للمسرحية ان عرضت في برودوي وفي لندن، على ما يبدو امام جمهور ذكرتهم “اوسلو” بتقارير قديمة في الصحف عن حدث آخر في الشرق الاوسط المتنازع، وربما كحدث ذكره بعث على التثاؤب. فتاريخ النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يتضمن بواعث على مسرحيات اخرى. اما الانتاج الحالي فهو يثير اهتمامنا نحن ايضا، كمن نعرف بان المفاوضات في اوسلو كانت مدماكا انهار في المحاولة لايجاد تسوية. بالنسبة للكثيرين منا، فقد شكلت تلك المفاوضات اياها في الواقع مجرد مقدمة لمزيد فمزيد من اعمال الارهاب الاجرامية بحق مئات الاسرائيليين.
تحاول المسرحية ان تذكرنا بشخصيات كانت مشاركة في المفاوضات. وفي البداية كانوا بروفيسورات اسرائيليين ومقابلهم كان مبعوثو عرفات، التواقين بكل قلوبهم، دون اي تنازل، لان يحققوا مطالبهم. اما الاسرائيليون بالمقابل، الذين يعرضون على خشبة المسرح، فيبدون كمنحرجين بعد أن ركلت كرة المفاوضات الى ملعبهم. ملعب المفاوضات في المسرحية يمتلىء بالاوراق المتطايرة في الهواء، المليئة بالصياغات المكتوبة، التي لم ينجح الطرفان في ايجاد قاسم مشترك بينها. دليل آخر على العائق الذي لا يمكن اجتيازه منذئذ وحتى اليوم.
يبدو أن المسرحي، الذي أعد واجباته المنزلية قبل أن يتوجه الى الكتابة، اخطأ بقدر ما في تصميم صورة بعض من الاسرائيليين الذين تفاوضوا. اوري سفير، مثلا، المعروف للكثيرين (ليس شخصيا) كشخصية مكبوحة الجماح، يعرض في المسرحية كرجل عصبي ومشاغب. الممثل الفلسطيني – الاسرائيلي، غسان عباس، من سكان ام الفحم، اتخذ شخصية ابو العلاء، المندوب الفلسطيني الرئيس في المفاوضات. في هذه المسرحية لا يتظاهر، كمهامة الممثلين الذين يدخلون في الشخصيات. فهو يلعب دور نفسه، وأراءه. يعرض أبو العلاء كمندوب أصيل لمبعوثي الرئيس في تونس؛ وهو لا يتحرك دون أن يقر عرفات كل كلمة، شفوية كانت أم مكتوبة، تقال في المفاوضات. “علي ان اسأل تونس”، هذا هو القول المتكرر الذي يخرجه من فمه.
ولكن عباس يلقي ايضا باقوال تنجح في اسقاط الحاجز بين الفن وبين الواقع: فهو واثق، عنيد، ويعرض على المنصة الجانب الفلسطيني وكأن هذا حقا الواقع في اوسلو، وليس التفسير الفني لشخصيته. كقاعدة، الواقع المعروف للمشاهدين، وليس بالذات من المسرح، هو بالفعل غير قابل للحل. وهذا ما يفهمه المسرحي ويخلده. في المفاوضات على خشبة المسرح، وربما ايضا في اوسلو، الطرف الاسرائيلي هو الطرف الدون. فالمسرحي ينجح في أن يعرض امامنا مرآة. يوجد في المسرحية ما ينعش تفكير المشاهدين، اصحاب الاراء المختلفة ويقربهم عند الحاجة، من الحياة المعقدة. كيف يقال؟ الحياة ليست مسرحا، ليس هنا.