يديعوت: نطلق النار على رؤوسنا “بالخطأ”!
يديعوت 1-4-2024، بقلم: عيناب شيف: نطلق النار على رؤوسنا “بالخطأ”!
من الصور الصادمة التي خلدت إطلاق جندي احتياط النار على سامح زيتون يمكن أن نفهم كم هو تعبير “أصيب بالخطأ” فقد معناه. حتى لو قبلنا برواية الجندي بكاملها، لم يكن هناك أي “خطأ”: رجل فلسطيني ابن 63 اطلق النار عليه ممثل رسمي لدولة إسرائيل بعد أن عثر على سكين في حقيبته، بمعنى أن وسيلة الهجوم أحبطت وما تبقى لزيتون إذا ما أراد أن يؤذي أحدا ما هو أن يجد بروس لي الذي في داخله. إذا ما وصلت الحالة إلى المحكمة، فهو الذي سيتعين عليه أن يقرر ما هو “إحساس الخطر”، هذا إذا كان إحساس على الإطلاق يمكنه أن يؤثر على مطلق النار في مثل هذه الحالة. لكن حتى للمشاهد البسيط أيضا الذي اطلع على المعلومة مسموح له أن يتساءل: ما الذي بالضبط في هذه الحالة دفع مطلق النار لأن يقرر أن الطريقة الوحيدة لإنهاء الحدث هو استخدام القوة مع الإمكانية الكامنة الفتاكة التي تحققت أيضا لشدة الفظاعة. هل ما حصل هناك، حوار طرشان بين جنود مسلحين ورجل شائخ، برر حقيقة أن إنسانا ما اضطر لأن يودع حياته؟
لكن يخيل أن معظم الإسرائيليين والإسرائيليات توقفوا منذ زمن بعيد عن أن يشغلوا بالهم بمثل هذه الأسئلة. وحتى التفصيل المذهل وبموجبه اجتاز زيتون تهويدا واسمه تغير لأن يصبح دافيد بن ابراهام، المعلومة التي ليس لها أي صلة بالحالة نفسها (هذا بالتأكيد لم يجدِ زيتون نفعا)، تبقي الانشغال بموته قليلا. وما العجب؟ حتى الحالة الرهيبة ليوفال كاستلمان الراحل آخذة بالتلاشي. وقد كان بطل إسرائيل، انقذ حياة إنسان ودفع على ذلك الثمن بحياته. فماذا لو كان هناك فلسطيني آخر أزيح عن الطريق؟ لو لم يكن له من يوصي به مثل نوعام ارنون، الناطق بلسان الحاضرة اليهودية في الخليل، فإنه حتى القليل الذي يقال الآن سيصبح هدوء شاعريا. عمليا، حين كان الموضوع حديث العهد، كان عنوان زيتون في القناة 14 “شاب” ــ فنياــ صحيحا وبعد ذلك “مواطن” (كذبا). ماذا سيكتبون؟ “فلسطيني”؟ إذ لا يوجد مثلهم إلا مخربون وليس ضحايا.
وبعامة، ثماني سنوات تنقصها ثلاثة أيام تفصل بين النار على زيتون وآخر حالة أطلقت فيها النار على إنسان لم يشكل خطرا أثارت جلبة في إسرائيل. صحيح أن اليئور ازاريا لم يطلق النار ليقتل إنسانا بريئا بعامة بل مخربا منكرا لكنه كان أن قررت هيئتان قضائيتان بالإجماع انه لم يكن أي سبب لإطلاق النار عليه بعد أن حيد وبات مستلقيا وهو جريح. وفي حينه أيضا لم يكن حقا “صدع” في الموضوع: في كل استطلاع وجد أن أغلبية مطلقة من الجمهور اليهودي تقف من خلف ازاريا، ما دفع برئيس الوزراء في حينه واليوم لأن ينفذ التفافة حدوة حصان فزعة كي لا يكون ركل كرة القدم بعد أن تجاوز خطوط الدفاع. وإذا ما نظرنا إلى الأمور حسب التعاطف مع ازاريا في التقرير المعيب عنه في القناة 14 في آب الماضي، فقد بات درايفوس الحديث. وبهذه الوتيرة يمكنه أن يختار بين رئاسة لجنة الخارجية والأمن أو قيادة لواء الخليل.
وتوجد علاقة بين إطلاق النار على زيتون، الصور المهينة التي لا يزال المقاتلون يبثونها من غزة وترفيع ضابط كبير رغم أنه أمر في الماضي بإجراء تفتيش في العضو الجنسي لامرأة فلسطينية: كلهم يمثلون ليس فقط استعراضات لنزع الإنسانية في الجيش الإسرائيلي (مقابل عدد لا يحصى من المقاتلين والضباط الذين يبذلون جهدا عظيما لاحترام قواعد الحرب وقيم الأخلاق في أوضاع قاسية ومركبة)، بل وأيضا انعدام اهتمام الجمهور، الوهن المؤسساتي في إنفاذ القانون والعقاب، الغضب على من يتجرأ على التحذير من التداعيات الهدامة لفقدان الطابع الإنساني. في النهاية، عندما يتحطم السد تماما، وحتى التظاهر يختفي، ستكون إسرائيل منبوذة اكثر من الخارج وعفنة اكثر من الداخل. نحن نطلق النار على أنفسنا في الرأس وحتى لا نحاول أن نقول، إن هذا “بالخطأ