يديعوت – مقال -22/10/2012 لا تؤبنوا الاسد بعد
بقلم: أمنون شيموش
ان البنية العامة للدولة السورية ما تزال تؤيد الاسد لأنها ترفض العودة الى حكم الاسلام وتريد الحداثة في ظل حكم البعث العلماني.
تجري على سوريا في السنتين الاخيرتين مأساة لا نرى نهايتها الى الآن، برغم ان حكماء في العالم الغربي أبنوا بشار الاسد ونظامه قبل سنة أو أكثر. ولا شك في ان الاسد ما كان ليبقى لولا دعم روسيا والصين وايران. ولا شك، بنفس القدر، بأن الدعم الخارجي ما كان ليُجدي زمنا طويلا لولا انه كان الى جانب الاسد أكثر بِنية الشعب السوري. وانتبهوا الى أنني لم أقل أكبر عدد منه.
وبنفس القدر مرة اخرى نقول ان التمرد ما كان ليبقى ويقوى لولا دعم مكثف من الغرب. وهو دعم فاعل ناجع أثار المنتقمين الراقدين في حماة وحمص والضواحي المهملة، ودفع اليهم وأرسل السلاح والمرشدين. وتجري منذ سنتين في سوريا في واقع الامر المعركة الدامية الاولى في الحرب الباردة الثانية – حرب القرن الواحد والعشرين – بين الغرب المريض وبين الكتلة الشرقية الصاعدة. وهي حرب باردة ستسخن وتسفك أنهارا من الدم مرة هنا ومرة هناك.
فعل الاسد الأب وابنه بعده ثلاثة اشياء ثبتت مكانتيهما وزادت في قوتهما وقوة القلة العلوية التي يضطهدها الاسلام الذي نشأت منه. فقد تبنيا أول كل شيء عقيدة حزب البعث الذي ضمن مساواة كاملة بين جميع الديانات والطوائف: العلويون، والسنيين العلمانيين والمسيحيين والاكراد والدروز والأرمن وغيرهم. وهي أقليات يراها الاسلام المتطرف المتحصن في حماة وحمص والذي يطمح الى تنفيذ أحكام الشريعة الاسلامية في سوريا كلها، يراها مواطنين من الدرجة الثانية. وضمنا ثانيا الدراسة الجامعية للجميع على حساب الدولة، وهكذا جعلا كثيرا من السنيين يُغيرون دينهم لأن المثقفين أدركوا ماذا تعني سيطرة الشريعة الاسلامية على مصيرهم الشخصي. وانشآ ثالثا جيشا ضخما مسلحا كما ينبغي يقوده علويون وناس مختارون من شركائهما من الموالين للبعث.
تأثر التمرد في سوريا في الحقيقة بالثورة العربية في ميدان التحرير وفي تونس واليمن، لكنه يختلف عنها في جوهره وروحه ومقاصده. فهناك هبت الطبقة المثقفة الليبرالية على الاستبداد الشره المتسلط والمنتقم، ونجحت في اسقاط النظام. وفي سوريا وقفت الطبقة المثقفة جانبا وهي التي نمت من سنة الى اخرى بفضل الدراسة الجامعية بالمجان الى جانب النظام المستبد العلماني الذي أسسه حزب ذو إجلال عرف قبل ثلاثين سنة كيف يُخمد تمرد الاخوان المسلمين بدم مسفوح لعشرات آلاف الثائرين.
ان أكثر بنية الشعب السوري تحيا حياة عصرية وترفض ان ترجع الى الوراء الى حضن الاسلام المتطرف الذي يستخف بالأقليات ويحاول ان يفرض عليها وعلى نسائها قوانين الشريعة الاسلامية المتشددة. ويعد الاسد ونظامه بأن الامور التي تحدث في الدول العربية الاخرى لن تحدث في سوريا. فحلب مثلا مدينة عصرية مفتوحة للنساء الأنيقات وللثقافة الغربية. ولن يتخلى السوريون عن التحرر من محرمات الدين وهو ما يضمنه لهم النظام القائم. ويريد المتمردون الانتقام وأحكام الشريعة الاسلامية وتطوير الريف ولا تتساوق هذه الأمور لهذا فان الحل ليس قريبا وليس سهلا.
لم يبدأ التمرد في سوريا في الميادين. فما كانت مشاعر الانتقام الأصيلة وظلم الأرياف لتبلغ حد القتل المتبادل الوحشي جدا لولا قرار الاسد السياسي على رفض مراودة الغرب والانضمام الى “محور الشر”. وقد نبع هذا القرار المصيري من فهم الاسد ورعاياه ان الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة قد احتضن العدو الاسرائيلي.
فُتحت سوريا للتأثير الروسي وأصبحت مرعية موسكو قبل سنين كثيرة لهذا السبب فقط لا حبا للشيوعية، فقد فتح الاسد الأب قلبه وأبوابه للروس لكنه تحفظ من آيات الله في ايران. وفهم الابن الى أين تتطور الحرب الباردة في القرن الجديد وأخضع نفوره العلوي من الشيعة للمصلحة السياسية العليا وانضم الى “محور الشر”.
ليس عندي تفسير لشيء واحد هو القسوة المجرمة لطبيب العيون الذي رفض في حينه ان يقبل السلطة. والحل عند إله العلويين.