يديعوت – مقال افتتاحي – 11/10/2012 خطيئة الغرور لماذا الايرانيون هادئون
بقلم: دوف فايسغلاس
سياسة نتنياهو الصاخبة لم تؤدي فقط إلى تأجيل أي ضربة محتملة لإيران بل دفعت الولايات المتحدة للتأكيد بأنها لا تنوي توجيه مثل هذه الضربة ولن تسمح لإسرائيل بان تفعلها رغم أن إسرائيل لا تملك القدرة على ذلك.
في حديث مع “نيويورك تايمز” في بداية شهر آب قدر رئيس الموساد السابق، افرايم هليفي، بان إسرائيل كفيلة بان تهاجم المنشآت النووية الايرانية في “الـ 12 اسبوعا القريبة القادمة”، وأن “لو كنت ايرانيا لتخوفت جدا”. وبالفعل، ليس للايرانيين ما يدعوهم للقلق. صحيح أنه بقي شهران لتحقق ذلك، غير أن السياسة الفاشلة لرئيس الوزراء لم تؤدي فقط الى تأجيل الهجوم العسكري لزمن طويل (او حتى تماما) – بل ان ما يراه، يسمعه ويفهمه الإسرائيليون، رآه، سمعه وفهمه الايرانيون ايضا.
التلميحات “المتشددة” غير المنقطعة بشأن “الهجوم فورا” أثارت في اسرائيل جدالا جماهيريا صاخبا. معظم أعضاء الحكومة أعربوا، بهذا الشكل أو ذاك عن معارضتهم للهجوم. معظم المتحدثين من أوساط الجمهور – خبراء، محللين وغيرهم من ذوي الرأي – أعربوا بالقطع عن موقفهم ضد العملية العسكرية. وانضم الى الجدال مسؤولون سابقون في جهاز الامن، ولا سيما أولئك الذين اعتقدوا بان نتنياهو من شأنه أن يهاجم حقا، وبعضهم بالتأكيد من المطلعين، لم يعارضوا العملية فقط بل أعربوا عن الشك في قدرة اسرائيل على تنفيذها. أصوات جدال شديدة انطلقت أيضا من الغرف “المغلقة” لجهاز الأمن. وقد أنصت الايرانيون وقدروا، عن حق، بانه لن تتجرأ اي حكومة في اسرائيل على التورط في خطوة عسكرية بهذا التعقيد وهذه المخاطر، التي تواجه خلافا سياسيا، تنفيذيا وجماهيريا شديدا.
بالتوازي مع الجدال الاسرائيلي الداخلي، حاول رئيس الوزراء حث الولايات المتحدة على عمل عسكري فوري. ومن أجل “التغلب” على موقف الادارة السلبي واجبارها على العمل، حاول نتنياهو، في توقيت فظيع من حملة انتخابات أمريكية صعبة و “متلاصقة”، “تجاوز الرئيس” والتوجه الى محافل تأثير من خارج الادارة. وسائل الاعلام، الخصوم السياسيين، المنظمات اليهودية والمسيحية، المتبرعين ذوي النفوذ وما شابه. هكذا بحيث أن موضوع اسرائيل والنووي الايراني اندرج في حملة الانتخابات.
هكذا انتهكت المبادىء الاساس في علاقات اسرائيل والولايات المتحدة: الحرص على ان يتم المضي قدما في الشؤون الاسرائيلية في الولايات المتحدة حصريا من خلال الادارة، اقامة علاقات نزيهة ومتساوية مع الحزبين الخصمين والامتناع عن التدخل في الخلاف السياسي الامريكي الداخلي. انتهاك هذه المبادىء والمحاولة الإسرائيلية (التي لم تنجح حقا) “لغرس” الموضوع الايراني في قلب العاصفة السياسية الأمريكية، أخرجت الادارة عن طورها. وأحد المظاهر البارزة لذلك هو الموقف الذي شرح فيه وزير الدفاع بانيتا ورئيس الاركان دمباسي في ظهور علني مشترك بان عمليا ليس لاسرائيل قدرة على العمل بشكل حقيقي لتدمير النووي الايراني.
ما أن فشل نتنياهو في مساعيه لحث الولايات المتحدة على العمل، حاول اجبارها على رسم “خط أحمر”. وقد رد الطلب الاسرائيلي بحزم، وان كان بصوت رقيق بعض الشيء. ولكن نتنياهو بقي على حاله: مطالبة صاخبة، تطرح في كل فرصة ممكنة، بـ “خط احمر” امريكي، كانت ذروتها في خطاب “الرسم” في الامم المتحدة. والان لم يعد الرد “رقيقا” بهذا القدر: هنري كيسنجر قال بسخرية ان مقرري السياسة في الولايات المتحدة لا يحتاجون الى “مقاول ثانوي”، والرئيس اوباما أعلن باستخفاف بان سياسة بلاده تقررها المصلحة الامريكية في ظل صد “ضجيج الخلفية”. ولا أتذكر متى “حظي” مطلب سياسي اسرائيلي في موضوع بهذا القدر من المركزية بلقب “ضجيج خلفية”.
لا نعرف بالطبع بأي قدر “تضغط” على الايرانيين سرية وغموض نية اسرائيل في الهجوم أو سبل التعاون بينها وبين الولايات المتحدة. اليوم هذه مسألة نظرية تماما. فالمواجهة مع الادارة الامريكية ورئيسها أدت الى أن تعلن الولايات المتحدة بانه في هذا الوقت ليس في نيتها الهجوم على ايران، وهي لا تسمح لاسرائيل بعمل ذلك وليس في نيتها رسم “خط احمر”. وهي ستهاجم، اذا كانت ستهاجم على الاطلاق، حين تجد سليما أن تفعل ذلك. نقطة. الايرانيون هادئون تماما. فقد حرصت اسرائيل على ذلك.
“توبيخ” علني لوزير الدفاع، الذي بذل كل جهد كي يصلح بعض الشيء ما خربه كثيرا المسؤول عنه، لا يجدي. فالاعتراف بالواقع وقليل من التواضع هما الرد المناسب.