يديعوت: لـيـسـت مـجـرد «صـفـقـة»
يديعوت 20-3-2024، شيلي يحيموفيتش: لـيـسـت مـجـرد «صـفـقـة»
للحظات يبدو أن جواب حماس هبط على نتنياهو كذبابة مزعجة ما. من جهة لا يمكن تطييرها وذلك أيضا لأنها بشكل عام لانه أساس يمكن احتماله للمفاوضات لإعادة المخطوفين وكذا بسبب عمق الدور الدولي في الاتصالات. من جهة أخرى، الى ان وصل، ليس بلا أساس الاشتباه بأن من ناحية نتنياهو بدأت الأمور، نسبياً، تجري على ما يرام.
فكيفما اتفق نجح في أن يخلق إحساساً بأن المطالبة بتحرير المخطوفين هي اجمالاً شيء ما يرتبط باليسار؛ رونين تسور الذي وضع كفاءاته غير المشكوك فيها تحت تصرف العائلات ازيح كي لا يثير اعصابه انطلاقاً من ايمان ساذج ويائس من بعض العائلات في أن ينبعث فيه تعاطف ما يحركه للعمل؛ الحملة الجديدة لإعادة المخطوفين دعت لصلاة اسمع إسرائيل جماهيرية، وهكذا انزاحت عنه واتجهت مباشرة الى من يجلس في الأعالي وأبقته جافاً ونقياً من المسؤولية. بالضبط مثلما يحب؛ حجم ما يأتي من العائلات المعذبة انخفض: الاستديوهات تعمقت في السياسة الملتوية لجدعون ساعر والشبكات الاجتماعية أبدت اهتماماً أكبر لاختفاء كيت ميدلتون مما اهتمت باختفاء عائلة بيبس.
وعندها بوم! هذا جاء. جواب حماس، مكتوب، مؤكد، عبر قطر، يحمله رئيس الموساد. الهدوء الشاعري المشوه اخترق. ما العمل؟ قبل كل شيء، كما هو معتاد، لا يعملون شيئا. “يدرسون الوثيقة”. حتى قبل ان يدرسونها ينشرون رداً فورياً في أن مطالب حماس مبالغ فيها وان الكابينت “سيطلع” على الامر. وفي الغداة يطلعون الكابينت هكذا قليلاً، على هوامش المداولات. السبت يهبط، وكما هو معروف للجميع ليس هذا فداء للنفس يرد السبت، بل مجرد موضوع بسيط ما. مع نهاية الراحة والسبت الهادئ (لنتنياهو ولوزراء الحكومة، وليس للمخطوفين وعائلاتهم) يعقدون كابينت الحرب ويضغطون على وزرائه لمنح الوفد الإسرائيلي الى قطر مدى مناورة ضيقاً. بدون مدى مناورة فان الوفد من شأنه أن يكون أداة فارغة. هكذا يبدو رئيس وزراء يفر من البشرى.
مغيظ ان جواب حماس هبط هنا في يوم الخميس، وفقط أمس انطلق الوفد مقصوص الأجنحة الى طريقه. المفاوضات ستستمر، هكذا يعدوننا، لزمن طويل جدا، اذا كانت ستستمر أصلاً. اكثر من خمسة اشهر والمخطوفون وأبناء عائلاتهم في الجحيم، ولنتنياهو ولوزرائه، ليس مثلهم، توجد وفرة من الوقت. بعد كل شيء، منذ زمن بعيد لم يعد يدور الحديث عن انقاذ حياة وتحرير من سقطوا في ايدي العدو في اخفاق رهيب. يدور الحديث عن صفقة.
يتفطر القلب على والد يستجدي حياة ابنته او ابنه فيما يضطر لأن يكيف نفسه مع روح الزمن ويطلب “صفقة” لإنقاذهم من حفرة الظلام التي يتعذبون فيها منذ 7 أكتوبر. ليست المشكلة هي في تعابير اللسان، توجد لنا مشاكل أكبر. لكن حقيقة أن الاصطلاح الذي اخذ من مجال الاعمال التجارية بات معتادا جدا، متآكلا وطبيعيا – ينطوي على الهوات الأخلاقية وغلاظة القلب التي تنكشف هنا المرة تلو الأخرى، وفي الأيام الأخيرة تلقينا عليها المزيد من النماذج.
إذ في الصفقة يتساوم الناس على قيمة المنتج، واذا لم يتوصلوا الى اتفاق لا يشترون، لا يبيعون، لا يوقعون. الصفقة تعقد حين تكون مجدية. الصفقة تعقد حين يكون شارون محتملون آخرون في الخلفية او شيء ما بديل للشراء. الصفقة يمكن الغاؤها، او تفجيرها او تسويف الوقت والمعرفة بانه حتى لو لم تخرج الى حيز التنفيذ فان السماء لن تسقط. شيء من هذا لا يتعاطى مع الواقع الذي يوجد فيه 99 مخطوفة ومخطوف لا يزالون على قيد الحياة – متروكون، يذوون، مجوعون، مرضى، معذبون، مغتصبون، وعددهم يتناقص امام عيوننا في مسرحية رعب متواصلة.
ان التطبيع لوضع غير طبيعي بهذا القدر، برعاية الرسالة الخيالية المفعمة “بالنصر المطلق” هو انجاز سياسي وفكري لنتنياهو. المشكلة هي أن هذا يكلف حياة البشر وسحق ما يجعلنا بني بشر. ان إعادة المخطوفين الى الديار، مصابين ومضرورين هي واجب أساسي، جذري وبالاساس ملح. فريضة لا يوجد ما هو اقوى منها. وبالتأكيد ليست “صفقة” تدار بارتياح.