يديعوت: غزة التي لم تغرق في البحر!
يديعوت 19-3-2024، ناحوم برنياع: غزة التي لم تغرق في البحر!
قررت الحكومة أمس بالإجماع (بالإجماع!) جعل أحداث 7 أكتوبر يوم حداد وطني.
في بيان نشره مكتب رئيس الوزراء جاء أنه “في كل سنة سيتم إحياء يوم ذكرى وطني للكارثة التي ألمت بدولة إسرائيل”.
لعلني أعاني من خلل في التعاطي الجدي أكثر مما ينبغي مع قرارات الحكومة. لكني قرأت وعجبت ماذا يعني الكارثة “التي ألمت بدولة إسرائيل”؟
فهل هجمة حماس في 7 أكتوبر كانت كارثة طبيعية؟ صدفة؟ زيارة مخلوق فضائي؟ لا! حان الوقت لأن تستوعب حكومة الإجماع الحقائق: الكارثة لم تلم بنا – سببتها سلسلة من الأخطاء التاريخية والإخفاقات التي بعضها يرافقنا اليوم أيضاً.
ومثلما لم تلم بنا الكارثة فإنها لم ترحل عنا أيضاً: فهي لا تزال هنا، تحت المسؤولين إياهم الذين يرفضون أخذ المسؤولية.
توجد عدة مهام تسبق التخطيط لاحتفالات الحزن في السنوات التالية.
قبل كل شيء تنظيف الطاولة: إعادة المخطوفين، إعادة الأمن للسكان في الجنوب وفي الشمال، إقامة واقع آخر في غزة وترميم مكانة إسرائيل في العالم؛ ثانياً، إبعاد المسؤولين عن الكارثة عن دائرة أصحاب القرار. هذه هي المهام العاجلة، الحرجة. أما الاحتفالات فيمكنها أن تنتظر.
خمسة أشهر ونتنياهو يرفض أخذ المسؤولية في مسألة اليوم التالي. عناده جعل قتال الجيش الإسرائيلي في غزة مراوحة عقيمة وكارثة إنسانية، سياسية وإعلامية.
وعندما ضاقت عليه الأمور امتشق من الخزانة فكرة قديمة عفنة: يوجد حل لغزة – غزة ستختفي وستولد من جديد، هذه المرة بصفة سنغافورة.
امتشقت الفكرة من خزانة شمعون بيريس، ليس غيره. قبل سنوات عقدت في منزل البروفسور إيتمار رابينوبتش في تل أبيب وليمة عشاء. ضيفا الشرف كانا اثنين: شمعون بيريس والبروفسور برنارد لويس من كبار المستشرقين في العالم.
كلاهما لم يعد معنا. بيريس سعى لأن يثير إعجاب الضيوف بقصة ما. “في أحد لقاءاتي مع أبو مازن”، قال: “قلت له، يمكن لغزة أن تكون سنغافورة. سأبعث لك بنسخة كتاب كتبه لي كوان يو. اقرأه وطبقه”.
برنارد لويس نهض من مكانه وطلب، إذا كان ممكناً، مقاطعة بيريس بقصة خاصة به. سأعود للقصة لاحقاً.
في هذه الأثناء بضع جمل شروحية: سنغافورة هي جزيرة صينية في ماليزيا الإسلامية، دولة جزر كبيرة، فقيرة ومعادية.
لي كوان يو أقامها في 1959. أخرجها إلى الاستقلال في 1965 وترأسها حتى 1990. وهو يعتبر بن غوريون السنغافوري. صمم الدولة كدكتاتورية محبة للخير، نقية من الفساد، متساوية، مستقرة مشرطة. “حرية أقل، طحين أكثر”، كان الشعار الذي تبناه
النموذج السنغافوري أثار جداً فضولي بحيث سافرت إلى هناك، في موعد ما في التسعينيات.
أكثر من كل مجال آخر أعجبني استثمارهم الهائل في التعليم المجاني للجميع؛ أما بالنظام فأعجبت بقدر أقل. فهمت بأن ما هو جيد للصينيين، ليس بالضرورة جيد لليهود أو للعرب.
عودة إلى قصة لويس. “ذات يوم وصلت إلى مكتبي في جامعة برنستون مكالمة من مكتب رئيس حكومة سنغافورة”، قال. “لي كوان يو يريد أن يراك على عجل”. سألت مالي وسنغافورة. هو سيشرح لك حين تأتي، قالوا. بطاقة سفر في الدرجة الأولى في شركة طيران سنغافورة بانتظارك.
“سافرت. أخذوني من المطار مباشرة إلى المكتب. اشرح لي، طلب لي كوان يو. لماذا، رغم أننا نعطيهم تعليماً حقيقياً، يصل التلاميذ المسلمون هنا إلى إنجازات متدنية أكثر من التلاميذ الصينيين.
قلت له، لست خبيراً في التعليم، لكن سأعطيك بعض الشروحات المرتبطة بالدين والتاريخ الإسلامي.
هذا يعني أني لست مذنباً، قال رئيس الوزراء. لا، أنت لست مذنباً، قلت. شكراً لك، قال، وأعادني في رحلة على الدرجة الأولى إلى أميركا.
“الآن يا شمعون، يمكنك أن تشرح لي كيف ستجعل غزة سنغافورة”، أنهى لويس.
“استراتيجية سنغافورة”، هكذا، حسب تقرير صحافي مشوق لرون بن يشاي في “يديعوت أحرونوت” يسمي نتنياهو خطته. غزة الجديدة تنسى إسرائيل. ستوجه وجهها إلى البحر. محليون سيديرونها، بإشراف دولي وثيق؛ إسرائيل ستفحص كل ما يدخل وكل ما يخرج؛ الإماراتيون سيعطون المال؛ المصريون سيعطون الممر. معرفتنا محمد دحلان، مقرب حاكم الإمارات وعدو أبو مازن سيدير الحكم المدني.
فحص سريع لي أظهر أن الإماراتيين لا يبدون اهتماماً. أحد في العالم لا يسارع إلى الحكم في غزة باستثناء حماس، سموتريتش وبن غفير.
إسحق رابين قال ذات مرة إن الحل الأفضل لغزة هو أن تغرق في البحر. هذا لم يحصل، وسنغافورة أيضا لن تحصل. أحياناً الأحلام لا تتحقق.