يديعوت: رفح ليست “متسادا” فلسطينية
في ساعة كتابة هذه السطور ظُهر يوم الخميس لم يكن جواب “حماس” على الاقتراح المصري قد وصل. عندما تكون دولة كاملة تنتظر أياماً ولياليَ بطاقةً من واحد ما، هو يحيى السنوار فثمةَ في ذلك ما يشهد على خطورة وضعنا. كل واحد من وزراء كابنت الحرب ينتظر البطاقة مع أمله الخاص. غالنت، غانتس، آيزنكوت ودرعي يتمنون جواباً إيجابياً؛ رون ديرمر يتردد. فهو يصعب عليه الخروج عن مجال القرار الضيق الذي تركه له سيده. ليس صدفة انه يسمى من خلف ظهره “بيبي الصغير”. اما بالنسبة لنتنياهو فاذا ما قال أحد ما انه يتمنى جواباً سلبياً، فانه سينفي بحزم. يكفي اذا قلنا ان جواباً سلبياً من حماس سيسهل عليه الحال جدا مع سموتريتش وبن غفير، مع القاعدة، مع العائلة، مع البيت الأبيض. نتنياهو هو ولي يحب أن يقوم بمهمته الآخرون.
عندما نسأل نتنياهو لماذا امتنع في الماضي عن إصدار الأوامر لتقويض حماس يرد انه أراد أن يفعل هذا لكن بغياب إجماع في الكابنت وفي القيادة الأمنية ما كان يمكنه أن يفرض رأيه. التفسير أصيل: في إسرائيل صعب جداً على رئيس وزراء ان يأمر بعملية حربية بخلاف رأي قادة الجيش. بن غوريون فعل ذلك في المعركة على القدس في 1948، لكن هذا كان منذ زمن بعيد وهذا كان بن غوريون.
يوم الخميس الماضي حاز نتنياهو اجماعاً. كابنت الحرب اجتمع للبحث في الاقتراح المصري. ايد تحقيق الاقتراح كل قادة أذرع الامن: ليس فقط رئيس الأركان، رئيس الشاباك واللواء نيتسان ألون الذين يمثلون الجيش في المفاوضات بل وأيضا رئيس الموساد دادي برنياع. هكذا أيضا أعضاء الكابنت، بمن فيهم ديرمر. أناس كانوا في الغرفة أخذوا الانطباع بان نتنياهو فوجئ وقلق. من ناحيته، اصطدم بكمين مخطط، مؤامرة، منذ ذاك اليوم لم يعقد كابنت الحرب ولا الكابنت الموسع، الذي يقوده سموتريتش وبن غفير.
رفح الخدعة الإسرائيلية
عناوين الصحف لخصت الجدال في ثلاث كلمات: مخطوفون أو رفح؛ أو، بصياغة توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” الرياض أو رفح. التلخيص لم يجسد للقارئ عمق المعضلة وعرضها. رفح بعيدة عن أن تكون ما درج على الاعتقاد؛ بخلاف الأشهر الأولى من الحرب، المخطوفون هم في هذه اللحظة حقا في رأس جدول الاعمال، لكنهم ليسوا وحدهم هناك؛ والرياض أيضا، عاصمة السعودية، ليست بالضبط ما يعزى لها.
سأحاول الشرح: هذا الأسبوع تقرر في الجيش توسيع المنطقة التي يفترض أن تستوعب المليون نازح فأكثر ممن سيكونون مطالبين بالانتقال من رفح شمالاً، الى المنطقة التي آوت في الماضي بلدات غوش قطيف، بوابة عبسان الكبرى والصغرى، البلدتين في منطقة خان يونس. في أثناء الحرب دمرهما الجيش الإسرائيلي حتى الأساس. احد لا يعرف كم من الوقت بالضبط سيستغرق نقل السكان: يمكن لهذا ان يستغرق أسبوعاً ويمكن أن يستغرق شهراً فأكثر.
في هذه الأثناء قوة من فرقتين تقريباً تنتظر الدخول الى رفح. توجد فجوة كبيرة بين التوقعات التي نشأت في الجمهور، وفي وسائل الاعلام الدولية أيضاً وبين التقديرات الواعية في جهاز الأمن. لقد نجح نتنياهو في أن يزرع في القلوب توقعات في أنه في رفح يتحقق النصر المطلق. أربع كتائب حماس المتبقية ستُباد، السنوار سيلقى القبض عليه أو يصفى، عشرات المخطوفين سيتحررون، ان لم يكن كلهم.
الكتائب الأربع قد تتفكك: هذه ستكون بشرى طيبة لكل من يوجد في الجانب الإيجابي في الحرب، بما في ذلك الحكومات في القاهرة وفي واشنطن. لكن السنوار لن يختفي بالضرورة. مشكوك أن يكون هو في رفح على الإطلاق. والمخطوفون، الأحياء والأموات، موزعون في عدة أماكن وتحت سيطرة عدة جهات. يوجد احتمال في أن تتسبب النار في رفح بموت المخطوفين أكبر من احتمال انقاذهم.
الجيش الإسرائيلي دخل الى شمال غزة، الى معسكرات الوسط والى خان يونس بكل قوته النارية، في الجو وفي البر. لا يمكن تكرار هذه الحملة في رفح، ليس عندما تكون إسرائيل تعاني من نقص عظيم في الرأي العام العالمي. ليس لدينا احتياطات لصور قتل ودمار جماعي آخر؛ كومة أوامر الاعتقال على طاولة المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي تتزايد؛ حكومات أخرى وشركات اقتصادية أخرى تهدد بعقوبات وبقطع علاقات. والأساس، لم يتبقَ لمعظم عائلات المخطوفين قطرة استعداد لمزيد من المخاطرة بحياة أعزائها. بعد احتجاج العائلات سيأتي احتجاج عائلات المقاتلين الذين سيسألون على ماذا ولماذا يقتلون هناك.
رفح، قال لي احد ما من داخل المنظومة، ستكون في النهاية استعراضاً تظاهرياً، شيئاً ما يسمح لمذيعي اليمين ان يصرخوا، احتللنا، انتصرنا، حققنا اهداف الحرب دون أن تكون الأهداف تحققت حقاً. مراسلة تلفزيون ستقف على كوم من الأنقاض وتعلن: امسكنا بالحذاء الثانية للسنوار. رفح الخدعة الإسرائيلية.
نتنياهو تحدث عن رفح لكنه امتنع عن عمل شيء ما كي ينفذه. حساب الكلفة/المنفعة يعرف كي يجريه. في الأسبوعين الأخيرين فقط دفع حقا الى عملية في رفح، هذا لا يمنع أبواقه من الادعاء بأن من أخّر العملية كان أعضاء حكومة آخرون.
اذا كان جواب السنوار سلبياً فان عملية إخلاء السكان ستبدأ في غضون أيام، وعندها سيكون من الصعب وقف الدخول الى رفح. في إسرائيل يقدرون بانه سيفضل القول “نعم، لكن”، ويكرر مطلبه بتعهد إسرائيلي، مسنود بضمانات دولية، لعدم استئناف القتال. السنوار هو قاتل وابن موت، لكن له منطق خاص به. عندما يعود زعماء إسرائيل ويتعهدون أمام ناخبيهم بأنهم سيستأنفون الحرب ويغتالونه، لا يتبقى له إلا ان يصدقهم.
المحطة الأخطر
رفح ليست متسادا فلسطينية. الصفقة ستبقيها على قارعة الطريق، حجة مريحة اكثر مما هي هدف استراتيجي. الرئيس بايدن، الذي دعاها بالخطأ “حيفا” (بالانجليزية يختلط الاسمان الواحد بالآخر). يمكنه أن يعود لينسى اسمها. لكن الاقتراح المصري يتضمن أثماناً إضافية، جسيمة جدا لكل من يعز عليه أمن إسرائيل ويكاد يكون متعذراً لنتنياهو السياسي. نحو مائة قاتل فلسطيني مع دم على الأيدي سيتحررون مقابل المجندات. اذا ما وصلنا الى المرحلة الثانية، سيتحرر مئات قتلة آخرون – أو أسوأ من هذا، منفذو إرهاب – مقابل الجنود. يمكن ان نفهم لماذا سموتريتش، بن غفير ورجالهما يهددون بتفكيك الحكومة. لا يدور الحديث فقط عن انغلاق حس، شرانية، احتقار تشعر به اوريت ستروك وزملاؤها تجاه إسرائيليين ليسوا مثلهم، تجاه معظم المجتمع الإسرائيلي. فقد أملوا حقاً أن يؤدي 7 أكتوبر الى حرب شاملة، نهايتها طرد العرب وإعادة تصميم إسرائيل كمملكة مسيحانية بين النهر والبحر. يوجد فيهم إيمان.
نتنياهو لا يشاركهم إيمانهم، لكن طوعاً او غصباً هو مشارك في الطريق. في الماضي كتبت هنا انه يمكن الجدال هو مسؤوليته الشخصية عن الإخفاقات العسكرية في صباح 7 أكتوبر، لكن لا يمكن إعفاؤه من المسؤولية عما حصل منذئذ. إحدى الطرق لمراجعة الحرب هو استعراض القرارات الاستراتيجية التي اتخذت في اثنائها، ابتداء من الإعلان عن الحرب في يوم الاحد.
· في 11 منه، بخلاف اقتراح غالنت والجيش الإسرائيلي، تقرر هجوم في الجنوب ودفاع في الشمال. نتنياهو لم يوضح ماذا يريد.
· المحطة التالية كانت المناورة البرية. نتنياهو عارض لكنه لم يقاتل في سبيل رأيه.
· المحطة الرابعة كانت صفقة المخطوفين الأولى. نتنياهو أجل القرار المرة تلو الأخرى. في النهاية هدده آيزنكوت بان يستقيل. نتنياهو ذعر واستجاب.
· المحطة الخامسة كانت انهاء الصفقة واستئناف المناورة البرية. في نظرة الى الوراء كان هذا قراراً مغلوطاً من رئيس الأركان.
· المحطة السادسة كانت بدء المساعدات الإنسانية. جاءت بتأخير اشهر تحت املاء أميركي، بعد أن دفعت إسرائيل ولا تزال تدفع عليها اثمانا سياسية باهظة.
· المحطة الأخطر هي التي تجاوزها نتنياهو: اليوم التالي. الفرصة كانت قبل ثلاثة اشهر فأكثر، حين كان ممكنا استخدام المساعدات الإنسانية كرافعة، حين كان 20 لواء في القطاع او على حدوده، حين كان السنوار ضعيفاً وملاحقاً، حين كان الإسرائيليون موحدين، حين كان نصرالله جاهزاً للعودة الى تسوية في لبنان، وهكذا السماح لمائة الف إسرائيلي في الشمال وفي الجنوب العودة الى بيوتهم والى حياتهم. الخوف من السلطة الفلسطينية ورسلها، وربما أيضا الخوف من الكهانيين في حكومته، انتصر على المنطق.
إن الجدال على استمرار الحرب ليس فقط جدالاً بين الصقور والحمائم، اليمين واليسار، محبي النصر مقابل محبي المخطوفين. من الجانب الآخر يقف أولئك المستعدون لأن يدفعوا ثمناً باهظاً لأجل إعادة المخطوفين الى الديار، لقلب الصفحة وإعادة البدء لإسرائيل من جديد؛ من الجهة الأخرى يقف أولئك الذين يؤمنون بان 7 أكتوبر كان حلماً سيئاً، رؤيا عابرة، والآن جاء الصباح ويمكن مواصلة 6 أكتوبر وكأن شيئا لم يكن، بما في ذلك الانقلاب النظامي، بما في ذلك السلب والنهب الفئوي. لا يوجد شيء لانه لم يكن شيء. نتنياهو هو واحد من كثيرين.
إدارة بايدن تعبت من انتظاره. ليس لبايدن وقت: لم يتبقَ سوى ستة اشهر حتى الانتخابات. أساس زيارة وزير الخارجية بلينكن الى الرياض هذا الأسبوع كُرس لتحقيق الحلف بين السعودية والولايات المتحدة. إسرائيل كان يفترض ان تكون الشريك الثالث: كان هذا مهماً لأجل تسويغ الصفقة مع السعودية في الرأي العام الأميركي وتعزيز الائتلاف مقابل ايران. وكان الاستنتاج بأن مع نتنياهو هذا لن ينجح. يمكن أيضا بدون إسرائيل.
“العالم جن جنونه”، قال لي أميركي زار هناك هذا الأسبوع. “في السعودية يُدخل الحاكم المتطرفين الدينيين الى السجن. في إسرائيل يسمحون لهم بإدارة الدولة”.