يديعوت: تجميد لغرض تليين حماس
يديعوت 10-11-2024، رون بن يشاي: تجميد لغرض تليين حماس
بعد سلسلة تقارير متضاربة في وكالات الانباء الدولية، في قطر اصدروا امس بيانا رسميا لم يبدد الغموض كثيرا. مع انهم في الدوحة اعترفوا بانهم يجمدون مساعي الوساطة لكنهم اوضحوا أيضا بان التقارير عن أنهم قرروا سحب أيديهم تماما من الموضوع ليست دقيقة. كما أفادت الوكالات ووسائل الاعلام الامريكية بان قطر طلبت من قيادة حماس الخارج مغادرة الدوحة والخروج الى بلاد لجوء أخرى. لكنهم في الدوحة لم يتطرقوا الى هذا رسميا.
ما نشر في هذا الشأن يختلف بين وكالة وأخرى ووسيلة اعلام أمريكية وأخرى لكن على حد قول مسؤولي حماس المتواجدين في الدوحة فان السلطات القطرية بلغتهم بانه “ستغلق قريبا مكاتب كبار رجالات قيادة حماس ممن يتواجدون في الدوحة”، لكن أحدا لم يغلق بعد هذه المكاتب عمليا واحد لم يهددهم او يطالبهم بمغادرة قطر.
في بيان عن تجميد المساعي جاء ايضا ان قطر حذرت الأطراف قبل عشرة أيام من انها ستتخذ الخطوة اذا لم يتوصلوا الى اتفاق في هذه الجولة لكنها قالت أيضا انها ستستأنف المساعي “عندما تكون الجدية اللازمة لانهاء الحرب”. والاستنتاج هو أن قطر لم توقف حقا الوساطة لكنها قررت بضغط من إدارة بايدن ان تستخدم بقوة اعظم رافعات النفوذ التي لديها على حماس كي تتحرك عن موقفها غير المساوم في موضوع صفقة المخطوفين – أي مطلب ان توقف إسرائيل تماما الحرب وتخرج من القطاع كشرط لمفاوضات عملية على صفقة مخطوفين شاملة دفعة واحدة.
الوضع اليوم هو أن الثلاثي القائد لحماس – رئيس قيادة حماس في الخارج خالد مشعل، خليل الحية الذي كان نائب السنوار ويمثل حماس غزة وزاهر جبارين الذي يمثل الفلسطينيين في الضفة الغربية – هذا الثلاثي يرفضون حاليا كل الاقتراحات الجديدة التي يعرضها عليهم الوسطاء وإسرائيل. فهم متمسكون بصيغة السنوار وغير مستعدين لان يحيدوا عنها. بالمقابل أبدت إسرائيل استعدادا لقبول العرض المصري لـ “صفقة صغيرة” يتحرر فيها عدد قليل من المخطوفين مقابل وقف نار قصير على أمل ان يحرك هذا الصفقة الكبرى التي يتحرر فيها المخطوفون في عدة نبضات والذي هو العرض الذي بلوره رئيس السي.اي.ايه بيل بيرنز مع نظيره رئيس وزراء قطر بموافقة إسرائيل ومصر.
صحيح أن نتنياهو يرفض الموافقة على وقف القتال لكن المرونة التي ابدتها إسرائيل بالنسبة للعرض المصري للصفقة واستعدادها لقبول “منحى بيرنز” خلقت وضعا باتت فيه قيادة حماس في الخارج تعد العائق الأساس للصفقة ولهذا فقد طلبت إدارة بايدن من قطر خلق تهديد مصداق على حماس كي تبدي القيادة التي لا تزال في الدوحة مرونة. استجاب القطريون، وذلك ضمن أمور أخرى لانهم هم أيضا يغمزون الان مثل كل الشرق الأوسط الإدارة التالية في الولايات المتحدة ويعرفون ان ترامب غير متوقع وبالتالي من غير المرغوب فيه الوصول بعد شهرين الى وضع يدخل فيه ترامب الى البيت الأبيض ويقول مساعدوه له ان حماس ترفض صفقة مخطوفين ووقف الحرب والقطريون غير مستعدين لممارسة الضغط عليهم.
ما نراه هو عمليا مجرد بداية ضغط قطري على حماس. وكما هو معروف للجميع، قطر كانت ولا تزال الممول الأساس لحماس لاسباب أيديولوجية إسلامية، وهي عمليا مولت الاستعدادات العسكرية للسنوار لـ 7 أكتوبر من خلال حقائب المال التي نقلتها إسرائيل باذن نتنياهو اليهم. ليس لحماس أي مؤيد ثري مؤيد آخر في العالم العربي والإسلامي غير قطر، وعمليا تجميد المفاوضات والتهديد باغلاق مكاتب قيادة حماس في الدوحة هو فقط ممارسة ضغط اولي وليس ثقيلا عن نحو خاص من جانب قطر على حماس كي تبدي مرونة في المفاوضات.
التهديد الخطير حقا الذي يمكن لقطر أن تهدد به حماس هو ان توقف دعمها المالي لها والا تمول اعمار غزة وربما أيضا اعمار حماس بعد أن تنتهي الحرب في ما يسمى “اليوم التالي”. تعرف حماس جيدا جدا بان قطر هي الممثلة المخلصة لمواقفها وحججها لدى الجهات التي تعنى بوساطة صفقة المخطوفين ووقف القتال. واذا ما فقدتها بل وطالبتها هذه بمغادرة قطر الى مكان آخر مثل لبنان، تركيا او سوريا – فان وضعها سيكون أسوأ بكثير. هكذا فاننا نكون عمليا في بداية حملة الضغوط القطرية على حماس وعمليا لا يزال لا يوجد لمن يعارض مشاركة قطر في المفاوضات سبب للاحتفال. لقطر توجد مصلحة واضحة لمواصلة الوساطة، سواء لاجل تبرئة ساحتها من التمويل الذي قدمته للذراع العسكري لحماس لتنفيذ هجمة الفظائع، ام كي تعتبر حليفا هاما للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. قطر التي تشغل “الجزيرة” أيضا للغاية إياها، معنية بان يتجاوز نفوذها الى ما وراء حدودها بكثير وما وراء ثراءها الذي يقوم على أساس آبار الغاز الطبيعي.
وعليه فمرغوب فيه جدا عدم تعليق آمال كثيرة أكثر مما ينبغي على تأثير الخطوة القطرية الحالية على حماس، ومن جهة أخرى لا يوجد ما يدعو الى الفرح في أن قطر، التي تؤيد حماس حقا، انسحبت من الوساطة منذ الان. هذه حاليا مجرد محاولة أمريكية قطرية لتحطيم الجمود في المفاوضات من خلال خطوة دبلوماسية تمارس ضغطا على حماس للمرونة، لكن العصا الكبرى التي لدى قطر والتي يوجد سؤال كبير اذا كانت ترغب في تستخدمها لا تزال مخفية وراء ظهر رئيس وزراء قطر. هذه العصا كما اسلفنا هي تهديد وقرار قطري بعدم تمويل اعمار غزة والمساعدات الإنسانية التي يتلقاها سكانها.
في هذه الاثناء ما يتسبب بالضغط في حماس هو عمليات الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع، والتي تخليه من سكانه غير المشاركين وتقتل مئات المخربين. تطهير بيت لاهيا، بيت حانون واساسا جباليا من المخربين يهدد ليس فقط القوة العسكرية لحماس بل وأيضا قدرتها على تنفيذ حكم مدني في هذه المنطقة، ويوجد لحماس في القطاع أسباب وجيهة للتقدير بان الجيش الإسرائيلي لن يتوقف في جباليا بل سيواصل جنوبا نحو مدينة غزة.
في نفس الوقت الذي يحذر فيه الجيش جدا من العمل بتسرع أساسا في مناطق يوجد فيها مخطوفون لان هناك تخوف مسنود في إسرائيل بانه في عمليات قوية شاذة قد تقع إصابات للمخطوفين، ويوجد أمر بقتلهم مثلما فعلوا بستة المخطوفين الذين كانوا في رفح الى جانب السنوار وقتلوا في النفق. وعليه، فان الجيش الإسرائيلي من جهة يرغب في مواصلة الضغط على حماس لكنه يحظر من ممارسة كامل قوته كي لا يدفع حماس لافعال يأس يصاب فيها مخطوفون. في هذا الوضع يبدو أن القدرة على تحريك المفاوضات في هذه اللحظة هي حقا في يد قطر وقدرة رئيس وزراء قطر ال ثاني بممارسة روافع الضغط الثقيلة لديه على حماس.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook