ترجمات عبرية

يديعوت– بقلم سمدار بيري – ترتسم أزمة

يديعوت– بقلم  سمدار بيري – 4/9/2020

بينما تحتفل اسرائيل والامارات بالسلام، في قصر الملك الاردني ينظرون الى قصة الغرام هذه بقلق “.

التغريدة المفاجئة للامير علي أخي عبدالله ملك الاردن، بشرت ببدء حرب باردة. ففي منتصف الاسبوع الماضي اقتبس مقالا للبروفيسور آفي شلايم، وهو اسرائيلي سابق يسكن في بريطانيا وعضو في مدرسة “المؤرخين الجدد” النقدية تجاه اسرائيل، تحت عنوان “السلام بين اسرائيل واتحاد الامارات – خطوة ايجابية أم استسلام؟” فوق عنوان المقال اضاف الامير صورة حاكم الامارات الفعلي، ولي العهد محمد بن زايد ويلوح فوقها عنوان “خائن”.

وفي ذات المساء، شطبت التغريدة بأمر من الملك عبدالله. رغم أن الاردن اخذ جانب الفلسطينيين ولم يبارك الخطوة التاريخية بين القدس وابو ظبي، أثارت التغريدة ضجيجا: ابن زايد، كما أقسم العارفون، هاتف بنفسه قصر الملك في عمان والتحذير من أن ربع مليون عامل اردني في الامارات قد يطردون على الفور. فوعد الملك عبدالله بمعالجة التغريدة، بل وبالوقف الفوري لمظاهرات التضامن مع الامير علي والتي بدأت تطل في أرجاء المملكة الصغيرة. من يبحث الان عن التغريدة التي اثارت العاصفة وشطبت، يمكنه أن يجدها بسهولة في الصحف العربية التي يسرها الشماتة بالاردن.

هذا لم ينتهِ هناك: في الغداة نشر في “العربي الجديد” الصادرة في لندن، كاريكاتير للرسام الاردني الشهير عماد حجاج. هنا يظهر ولي العهد ابن زايد بوجهه، يتلقى بصقة من حمامة السلام الاسرائيلية. ورسم  على الخد كلمات طائرات اف  35 لتذكير قراء الصحيفة بصفقة الطائرات التي تعنى بها ابو ظبي مع الولايات المتحدة. بمعنى أن نتنياهو الذي يتخفى في صورة حمامة سلام يبصق على ابن زايد، حتى في موضوع الطائرات.

مرت ساعات قليلة فقط، وحين وصل حجاج الى بيته في عمان انتظره هناك ضباط من الجيش، زجوا به في سيارتهم واقتادوه الى سجن البلقة. “كان صعبا لي جدا في السجن”، روى حجاج في احتجاج علني لمقربيه بعد الافراج عنه. “هذه هي المرة الاولى التي يزجون بي فيها الى الحبس بسبب كاريكاتير. مع اني نلت معاملة طيبة من السجناء ولكني شهدت عارا كبيرا”.

يمكن لنا أن نفهم حجم المفاجأة: يعرف حجاج الملك جيدا، والتقاه عشرات المرات. “هو شاب ساحر، منفتح، فهيم جدا وحساس”، يشهد عليه صديقه القديم سلامة انعيمات. “ما كانت حاجة لزجه في السجن، ولكن كان عليه ايضا ان يفكر مرتين قبل ان ينشر كاريكاتير كهذا، بسبب تداعياته”. ويقول لنا الصحافي داود كُتّاب: “كل من يتابعه يعرف ما هو الكاريكاتير السياسي. هذا حق كل فنان ولا تفاجئنيردود الفعل الغاضبة، الى جانبه، في عمان”. بعد يومين من الاعتقال الدراماتيكي خرجت عصبة كبيرة من الصحافيين الاردنيين للتظاهر امام وزارتي الاعلام والداخلية. واقترح رئيس اتحاد الصحافيين الاردنيين ايداع مبلغ من المال، بقدر ما يلزم، لقاء الافراج عن حجاج بالكفالة. وزير الداخلية رفض. واصل الصحافيون الاحتجاج بصخب. “من جهة، سار الاردن مع ابو مازن وقطع على نحو شبه تام العلاقات مع اسرائيل”، يشرح لنا الاكاديمي راتب محاميد. “من جهة اخرى، يصدر الملك امرا باعتقال رسام كاريكاتير عبر بالضبط عما يفكر به الشارع الاردني. يبدو هذا سيئا وكأن الاردن يؤيد خطوة نتنياهو”.

يوجد جانب آخر للقصة: كاريكاتير حجاج الذي يعتبر اليوم كبير الرسامين الكاريكاتيريين في العالم العربي، نشر  في “العربي الجديد” التي أسسها النائب السابق عزمي بشارة. منذ ابعاده – هروبه من اسرائيل في 2007، ومن الاردن ايضا في ذات السنة، يسكن بشارة الدوحة عاصمة قطر. وهناك يدير معهد بحوث وصحيفتين عربيتين واسعتي الانتشار: “القدس العربي” و “العربي الجديد”. ويشرح لي محاميد من عمان فيقول: يبدو هذا وكأن الكاريكاتير قاده واستدعاه أمير قطر الشيخ تميم، الخصم اللدود لحاكم الامارات. اعتقد أن بشارة وضع الفكرة خلف الكاريكاتير، باسم حاكم قطر كي يوجه ضربة لكل الامارات التي تستخف بقطر. وقد نجح في ذلك. كما أني على قناعة بان بشارة لم يخف على مصير رسام الكاريكاتير. عرف انه سيعاني قليلا في السجن، سيطلقون سراحه وسيصبح على الفور بطلا محليا. وبعد كل شيء، هذا بالضبط ما حصل”.

خمس ايام وليالٍ مكث حجاج ابن الـ 53 في السجن. ويوم الاحد من هذا الاسبوع اطلق سراحه بشكل مفاجيء دون أن يقدم الى المحاكمة. وقيلله: “قريبا سنؤتي بك الى محكمة مدنية”. ويتبين أن الجيش رفض أن يدير ضده الملف على “تعكير الصفو”. اما حجاج من جهته فسارع لان يشكر “كل من عبر عن مشاعر التضامن والاخوة”. واجريت معه مقابلة في بيته في قناة “الجزيرة” لقطر ولصحيفتي بشارة. اما وسائل الاعلام في الاردن فلم تنشر اي كلمة عن القضية.

الأميرة والاستنزاف

العلاقات بين الاردن والامارات متوترة جدا كما يشرح لنا ضابط كبير سابق في الجيش الاردني فيقول: “في الامارات تعاملوا معنا بسخاء وساعدوا الملك عبدالله بالاموال. كما انهم سمحوا بعبور سلس جدا للاردنيين ممن بحثوا عن العمل في كل المهن. محاضرين اكاديميين، اطباء، مهندسين ومقدمي خدمات. قبل سنتين بدأت المشاكل، وليس صدفة حين نشأ شرخ في قصر حاكم دبي محمد بن راشد، مع عقيلته، الامير هيا الاردنية – اخت عبدالله. وقد هربت منه قبل سنة ونيف مع ابنائها الى لندن في قضية تعصف بالعالم العربي.

حتى ذلك الحين بدا الاردن للاماراتيين كأخ في ضائقة اقتصادية، وعلى طريقتهم وعلى عادتهم مد الاماراتيون اليد للمساعدة. وقرر ابن راشد عدم المس بوضع الاردنيين في الامارات ممن احسنت لهم الاميرة. وبقوا يعملون حتى بعد ان تركت زوجها ولكن لا شك ان القضية عكرت الاجواء.

في هذه الاثناء، يمكن أن نرى في الاردن ايضا كيف أن النزاعات بين ابن العائلة المالكة تصبح ذات آثار سياسية ولا سيما العلاقات بين الامير علي واخيه الاكبر، الملك، والتي كانت متوترة حتى قبل التغريدة. قبل ثلاث سنوات أمر عبدالله باقالة اخويه، الامير فيصل والامير علي، اللذين توليا منصبين اداريين في الجيش الاردني. وظاهرا طلب الاثنان التقاعد. اما عمليا فقد قرر الملك تمهيد الطريق لابنه الامير حسين ابن الـ 26 لتأهيله حتى اللحظة التي يعلن فيها كملك قادم للاردن. ولكن مصادر عليمة تدعي امامي بانه كان سبب آخر لاقصاء الاخوين: فقد شاركا زعما في خطة سرية وضعت في السعودية لازاحة اخيهما الكبير الملك عبدالله عن الحكم.

الوضع الاقتصادي الخطير داخل المملكة الصغيرة تدهور أكثر فأكثر منذ الكورونا. فلا سياح الى عمان والى البتراء، والصخرة الحمراء تقف قفراء.  وتقلصت اماكن العمل، اقيل الالاف. اللاجئون السوريون الذين يصل عددهم الى اكثر من نصف مليون، يتجندون للاعمال اليدوية بثلث الاجر الدارج في السوق المحلية. وفي وسط عمان الذي يعج بالناس تكاد لا تكون حركة. وفي كل يوم تغلق عشرات المحلات.

بعد شهر رفع منع التجول عن المدن الكبرى، ولكن بعد أربعة اشهر فرض الاغلاق مرة اخرى. المرض يتفشى، ولا توجد اماكن عمل. واذا لم يكن هذا بكاف، فقد جاء اضراب المعلمين ليشغل بال كل المملكة من القمة وحتى رجل الشارع.

تغريدة الامير علي – الذي يشغل منصب نائب رئيس “فيفا” – ضد حاكم الامارات لم تولد صدفة: فله حساب طويل مع الامارات، باسم اخته، الاميرة هيا.  لقد كانت هيا الزوجة السادسة لحاكم دبي، محمد بن راشد. في شهر تموز 2019 اخذت الاميرة جليلة والامير زايد وصعدت معهما الى طائرة متجهة الى المانيا، وبعدها الى سكنها الفاخر في لندن. وهنا بدأت معركة بشعة في المحاكم البريطانية على رعاية الطفلين، فيما أن كل طرف يجند الى جانبه محامين مشهورين.

حرص الملك عبدالله على عدم التدخل. وحتى عندما وصل الى لندن في اثناء المحاكمة امتنع عن لقاء اخته. ومع ذلك قبل شهرين، في زيارة اخرى، اعلنت وزارة الخارجية الاردنية عن تعيين الاميرة في منصف دبلوماسي في  السفارة الاردنية في لندن. وهكذا ترتبت مكانتها بشكل قانوني ورعايتها لطفليها، بصفتها موظفة رسمية في السفارة.

بخلاف العلاقات المتوترة مع أخوي الملك، توجد بين الاميرين علي وهيا علاقات قريبة جدا: فكلاهما شقيقان، ولدا في السبعينيات بفارق سنة ونصف للملك علياء، زوجة الحسين الثالثة التي قتلت في حادثة مروحية بينما كانا طفلين. صورة جميلة لهيا بينما علي يعانقها، في لندن السنة الماضية، نقلت رسالة واضحة: “شقيتي، في بؤبؤ عيني”، كتب في عنوان الصورة، نوع من الدعوة لعدم  محاولة التفريق بينهما واعادتها هي وطفليها الى دبي. وليس صدفة، في الصحف البريطانية نشرت قصة محاولة الاب، حاكم دبي راشد، تزويج ابنته جليلة ابنة الـ 14 لولي العهد السعودين ابن سلمان، كزوجته الثانية. بمعنى انظروا اي مصير وحشي ينتظرها هناك.

الملكة نور، ارملة  الملك حسين، قررت الانضمام الى احتفال التغريدات فغردت بشكل غير مباشر ضد الملك – الذي ليس ابنها. يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع، بعد يومين من الافراج عن حجاج، صدرت من واشنطن التغريدة التالية التي جاء فيها “ابناء الشعب الاردني يعربون عن تأييدهم للامير علي ولرسام الكاريكاتير حجاج. لم تجدي محاولات الاقناع بان القانون يقضي بعدم المس باي شكل بزعيم عربي، وبالتأكيد ليس بكاريكاتير. اما الملكة نور فقد اصرت على تأييد الامير علي واضافة الزيت للنار العائلية المشتعلة.

لم تتأخر ردود الفعل من الخليج. عشرات المتصفحين، بمن فيهم شخصيات في مناصب عليها، وصحافيون وبخوا الملك عبدالله. من ناحيتهم هو المسؤول، ولا تجدي محاولات الاقناع بان ليس له  يد او قدم في تغريدات العائلة المالكة او في كاريكاتير حجاج. “اخجل، سيدي الملك”، كتب الاكاديمي د. معلم صباح من دبي، “ماذا تفكر بنفسك؟ فكلنا نعرف من يوفر لابناء دولتك الصغيرة الخبز والملح”. كما ان دينا حريزات، المعلمة في المدرسة الابتدائية في ابو ظبي تهاجم الملك، أخاه والملكة نور فتقول: “انتم تعيشون بخير في الاردن، ولكن الجماهير تعيش من اموالنا”. سنتوقف فورا عن الاستثمار في الاردن، يحذرهم صاحب شركة استثمارات محلية في دبي هو احمد مصلح ويقول: “من ناحيتي فلصلوا الى الجوع. هم يستحقون ذلك”.

أما المواطنون الاردنيون الذين يعملون في دبي وفي أبو ظبي سيملأون افواههم بالمياه. “عائلتي تعيش في الاردن وانا اعيش هنا، أكسب مالا كثيرا”، يشرح محمد، “رأسي هنا وبطني في عمان. إعمل لي معروفا، لا تدخلني الى هذه الحرب القذرة”.

هدية من اسرائيل

منذ الافراج عن حجاج في بداية الاسبوع وهو يواصل استضافة اصدقائه في بيته في عمان. ويشرح لاحدهم فيقول: “يؤسفني اني اسأت للملك عبدالله ولكني لست نادما. تعاونت مع القصر في مواضيع وطنية عديدة مثل الكورونا. وعبرت عن ذلك بقوة في الكاريكاتير. كم هو خطير هذا الفيروس. اعرف القانون الاردني رقم 118 الذي يمنع المس بالزعماء العرب. ولكن في كاريكاتيري كنت كالمرآة لجموع الشعب في الاردن وفي مناطق السلطة الفلسطينية. لا تنسوا اني في اصلي فلسطيني.

حجاج هو من مواليد رام الله. التقيته عدة مرات في الاردن وتحدثنا طويلا، وتأثرت باسلوبه الحاد الواضح. الامير علي هو الاخر، الذي درج على الوصول الى هنا سرا، التقيته غير مرة. عندما تزوج الصحافية ريم ابراهيمي، ارسلت لهما هدية من اسرائيل. ما الذي حصل للامير علي، سألت احد اصدقائه في عمان، كيف قرر ان يتجاهل الاعتبارات الرسمية تجاه حاكم الامارات؟ فيحلفني الصديق ألا أذكر اسمه “بسبب الحساسية”. ويقول: “يجلس امير محبط في البيت. يسمع  الامور في الشارع. يرى ارتباط الملك عبدالله بابو مازن، ويتذكر بان 60 في المئة من سكان الاردن هم فلسطينيون. ولكنه ينسى الجانب الاخر من الصورة، وهو وجود مئات الاف الاردنيين  في الامارات. اعتقد أن الامر علي قام بفعل غير حكيم. بالضبط مثل رسام الكاريكاتير الذي ما كان له ان ينشر رسمه.

وفي هذه الاثناء، بحذر، وبسرية تامة، تجتمع مجموعة اسرائيلية من المسؤولين السابقين الكبار للتخطيط كيف العمل لضم الاردن لخطوة السلام المتحققة. السيسي، رئيس مصر، الذي التقى الملك عبدالله مؤخرا، كان الزعيم العربي الاول الذي رحب بالخطوة مع الامارات، وكذا البحرين وعُمان. وتصل الرسائل من اسرائيل الى قصر الملك عبدالله والى مكتب الامير الحسن – شقيق الملك الراحل حسين – الذي يعتبر حتى اليوم عنوانا مريحا للاسرائيليين. اما الملك فلم يرد حتى الان على التوجهات، بينما الامير حسن يستمع. وتعتزم المجموعة الاسرائيلية مواصلة الضغط.

يقول لي انعيمات: “من ناحيتنا، منذ صعد نتنياهو الى الحكم، لا توجد مزايا اقتصادية لاتفاق السلام مع اسرائيل. انتم تمنعوننا حتى من نقل البضائع الى الضفة الغربية. قصة هذا الاتفاق ليست مبنية على الشعوب عندنا او عندكم، بل على حماية الحدود فقط. في هذا الشأن نحن نؤدي دورنا. نتنياهو لا يأبه بنا، ولديه الان مكان جديد يثير اهتمامه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى