ترجمات عبرية

يديعوت – بقلم رونين بيرغمان- إلغوا – بيغن يلغي عملية إغتيال لعرفات والقادة الفلسطينيين

يديعوتبقلم  رونين بيرغمان – 13/11/2020

اسرائيل في عهد رفائيل ايتان،  شارون، بن غال ويوسي داغان، كالعصابات وليس كدولة تخطط وتنفذ عمليات دون معايير في لبنان، وفي اللحظة الاخيرة فقط يوقف بيغن عملية في المدينة الرياضية كانت ستفجر كل القيادة الفلسطينية المجتمعة بمناسبة الاول من كانون الثاني 1982 “.

في الأول من كانون الثاني 1982 كان يفترض بعرفات أن يموت.

وهو لم يكن الوحيد. عمليا، في ذاك اليوم في بيروت، الى هذا الحد أو ذاك كانت كل قيادة م.ت.ف مرشحة لان تصعد في مسيرة الى السماء. كان هذا في مهرجان واسع أعدته م.ت.ف في  المدينة الرياضية الكبرى التي اتخذت لاحقا اسم كميل شمعون. كان عرفات يجلس هناك في منصة الشرف والى جانبه معظم كبار رجالات المنظمة. وكانت هناك أجواء من استعراض القوة: آلاف من رجال م.ت.ف ومؤيدوهم كانوا يصفقون بحماسة حين ينهض عرفات ويؤدي التحية بيمينه ويرفع شارة النصر بيساره. والى جانبه نائبه في العمليات، ابو جهاد، بالبزة العسكرية جالس في صمت وتجهم. شيء واحد فقط لم يكن عرفات يعرفه في تلك اللحظة: أنه تحت مقاعده ومقاعد رجاله، زرع رُسل اسرائيل كيلوغرامات عديدة من المواد المتفجرة. وبجانب منصة المدينة الرياضية كان يفترض أن تقف ثلاث مركبات متفجرة اخرى. وكانت الخطة ان تبدأ العبوات التي تحت المقاعد بالانفجار، وبعدها بدقيقة، وفي ظل الفزع الذي ينشأ وتدافع الناجين الفزعين الى الخارج – يتم تشغيل السيارات المفخخة باجهزة التحكم من بعيد، لتتفجر احدى العمليات الكبرى الدامية. وكان من المتوقع لشدة الانفجار والدمار ان تكون “ذات حجوم غير مسبوقة حتى بمقاييس لبنانية”، كما صاغ ذلك مسؤول كبير جدا في قيادة المنطقة الشمالية في ذاك الوقت. وكان الاسم السري للعملية “اولمبيا”.

توجد روايتان لهذا الاسم: العميد افرايم سنيه الذي كان مشاركا في التخطيط قال هذا الاسبوع لـ “7  ايام” انه وضع الاسم لان الانفجار كان مخططا ليكون في الملعب الاولمبي. آخرون يقولون ان العملية ولدت عندما  كان مخططوها يجلسون على طاولة جانبية في المطعم التل ابيبي  الاسطوري  “اولمبيا”، الذي كان في تلك السنوات برلمان قيادة الدولة.

مهما يكن من أمر فقد كانت في اسرائيل  قلة فقط تعرف عن هذه الخطة، معظمهم اولئك الذين جلسوا حول الطاولة في مطعم اولمبيا وخططوا لها. ومثل قسم غير قليل في اعمال اسرائيل في لبنان في تلك الايام المشاغبة، فان عملية التفجير في الملعب لم تجتاز  كل مستويات المصادقات العادية،  وخطط لها في  الظلام  من  قبل  عدد صغير من مشاركي  السر.

اما القلائل الذين عرفوا فانقسموا الى قسمين: بعضهم أمل في أنه كنتيجة للانفجار ستتلقى م.ت.ف ضربة يجعل من الصعب عليها الانتعاش منها وهكذا  تمنع حرب  كبرى؛ وبعض آخر امل حتى بان ترد م.ت.ف بوابل هائل من الكاتيوشا نحو بلدات الشمال، فتوفر للجيش الاسرائيلي الذريعة  لان يجتاح لبنان أخيرا. وكان كل شيء جاهزا ولم تكن حاجة الا لاصدارالامر، بالضغط على الزر وكل تاريخ الشرق الاوسط كان سيتغير.  

ولكن هذا لم يحصل. قبل بضع ساعات، دُعي مخططو العملية الى رئيس الوزراء بيغن الذي في خطوة دراماتيكية وبينما كان على سرير الشفاء في المستشفى قرر الغاء كل شيء. والباقي معروف: بعد نصف سنة من ذلك، بدأت حرب لبنان الاولى التي لم تنتهي الا بعد 18 سنة وبثمن باهظ  من الخسائر.

غير قليل من الاشخاص الذين يتحدثون هنا، وبينهم رئيس الموساد الاسبق مئير داغان واللواء افيغدور يانوش بن غال لم يعودوا على قيد الحياة. روايتهم عن الاحداث العاصفة في تلك الفترة قدموها قبل وفاتهم. وعلى اي حال، كانت معظم التفاصيل عن تلك الفترة العاصفة في لبنان والتي لا يعرف عنها الا قلة، كانت محظورة النشر. وهذا الاسبوع، لاول مرة، سمحت الرقابة العسكرية  برواية القصة شبه الكاملة عن اولمبيا والكشف عن احدى عمليات التصفية  المتطرفة التي خطط لها في الجيش الاسرائيلي. ومسألة واحدة فقط بقيت مفتوحة: كيف كانت ستكون حياتنا اليوم لو كانت كل قيادة م.ت.ف شطبت ببساطة تماما في  تلك الظهيرة الشتوية في الملعب في بيروت؟

***

زرعت بذور عملية اولمبيا في مأساة  وقعت قبل نحو ثلاث سنوات من ذلك. ففي  22نيسان 1979 تسللت خلية مخربين من م.ت.ف الى نهاريا ودخلت بيت عائلة هيرن. القصة  عن  المخرب سمير قنطار ابن  الـ 16 ونصف،  الذي حطم رأس الرضيعة عينات على صخرة، بعد ان قتل اباها  داني؛  وعن الام سمدار التي كانت اسكتت ابنتها الثانية ياعيل،  ولكن من شدة الصدمة والخوف خنقتها فماتت، عصفت بالدولة.

وصل اللواء يانوش بن غال قائد المنطقة  الشمالية  الى الساحة بعد القبض على المخربين. رأى جثث  الضحايا  وسمدار التي تصرخ رعبا بعد أن فهمت بانها فقدت كل اعزائها في الحياة،  قال لي بن غال بعد عدة سنوات من ذلك “لا  يمكنك ان تتخيل حجوم هذه الفظاعة”.

اشتد الغضب في اسرائيل. بعد الجنازة، أمر رئيس الاركان رفائيل ايتان (رافول) بن غال ببساطة  “قتل الجميع”. وكانت الرسالة واضحة: كل رجال م.ت.ف في  لبنان، دمهم في رقابهم.

من أجل هذه المهمة، عرف بن غال بالضبط من يحتاج:  مئير داغان، “خبير العمليات السرية” كما وصفه، والذي انتصر على الارهاب الفلسطيني في غزة في بداية ذاك العقد. حصل داغان على رتبة عقيد  وقاد وحدة جديدة تدعى “ادل” (منطقة جنوب لبنان) تشرف على منظومة  استخبارات وعمليات سرية.  بعد التعيين اجتاز بن غال وداغان الحدود، وصعدا الى احدى قمم الجبال في جنوب لبنان. ومن هناك، وهما يشرفان على الجنوب، نحو اسرائيل، قال بن غال لداغان: “من  الان  فصاعدا أنت القيصر هنا. افعل ما تشاء”. سأل بن غال ما الهدف. فاجاب: “خلق  ردع. الايضاح لهم أننا لسنا دفاعيين فقط بل هجوميين.  واننا نبادر الى القتال”.  

وهل كنت تعرف كل ما كان داغان سيفعله هناك؟

“اعطيت لعمليات السرية الحرية الكاملة”،  روى بن غلا بصراحة، قبل وقت قصير من وفاته.  “عرفت ببعضها ولكني تجاهلت، وعن بعضها الاخر  عرفت  باثر رجعي فقط. وعن قسم آخر لم نتحدث حتى اليوم”.  

لماذا؟

“لانه ينبغي احيانا أن تعرف كيف تغض النظر”.

أقام داغان قيادته السرية في داخل مرج عيون، بلدة في جنوب لبنان كانت في حينه تحت سيطرة جيش لبنان الجنوبي. وكان دافيد اغمون، رئيس قيادة المنطقة الشمالية، واحد القلائل الذين عرفوا عن العمليات السرية لداغان. وقال ان “الهدف كان احداث الفوضى بين الفلسطينيين والسوريين في لبنان. اعطاءهم الاحساس بانهم يتعرضون كل الوقت للهجوم وادخال احساس بانعدام الامان لديهم”.

وروى بن غال يقول ان “رافول وأنا كنا نقر العمليات بالغمز.  كنت اقول له يا رافول يجب القيام  بعملية. فيقول نعم ولكنه لا يصدر شيئا خطيا في ذلك. هذا بيني وبينك. لا اريد ان يُعرف هذا. لم نعمل وفقا للبيروقراطية العسكرية. فهذه العمليات عملناها ولم  نعملها”.  وكانت القوة التي استخدمها داغان بحاجة بالطبع للسلاح وللمتفجرات بالاساس. وكان بن غال في ذلك الوقت يسكن في كيبوتس في الشمال  يعمل في انتاج المعلبات. “يانوش قال انه يريد استخدام بعض الماكينات في الليل”، يروي أحد سكرتيريي الكيبوتس في تلك الفترة. “مسألة أمن دولة. وبالطبع اعطيناه المفاتيح وكل الاسناد. فهو قائد المنطقة. هو الملك بالنسبة لنا. ما لم يعرفوه في الكيبوتس هو أنه في تلك الليالي، زرعت في تلك المعلبات مواد متفجرة. بن غال: “كنا نصل  الى هناك في الليل، مئير وانا وباقي الجماعة وكنا نعبيء  المعلبات الصغيرة هذه ونربط المفجرات”. هذه  المعلبات  المفخخة دخلت بسرعة شديدة الى الاستخدام. “قسم كبير من الاهداف”، يقول افرايم سنيه، الذي كان في حينه ضابطا كبيرا في قيادة المنطقة الشمالية “كانت معاونين للفلسطينيين فجرت منازلهم”.

لماذا في واقع الامر؟

“كي يعرف الجميع بان من يعمل مع م.ت.ف يتلقى الضربات”.

***

في كل هذه العمليات، ابقيت شعبة الاستخبارات “أمان”  خارج الصورة. ولكن في غضون وقت قصير اشتم رئيس شعبة الاستخبارات في حينه، اللواء يهوشع سجي بان شيئا ما يحصل في لبنان، وسعى لان يفحص الامر.  ويسترجع سغي الذاكرة فيقول: “لكن بن غال حاول حتى منعي  من الدخول الى قيادة المنطقة الشمالية او زيارة المنطقة”.

“كان صراع دائم مع قيادة المنطقة”، يقول عاموس جلبوع، الذي كان في حينه عميدا واحد كبار رجالات شعبة الاستخبارات. “فقد تجاوزنا، وعملوا من خلف ظهرنا. وكان يانوش يكذب علينا كل الوقت. لم نصدق اي تقرير لهم. والخطورة كانت في كل الموضوع هي في أن كل شيء نفذ بإذن رئيس الاركان الذي كان يبقي في السر هذا النشاط ويخفيه  عن هيئة الاركان. لقد كانت هذه احدى الفترات الاكثر فوضى والاكثر  بشاعة في  تاريخ الدولة”.

سغي لم يتنازل. فقد استخدم “عيت” وحدة أمن الميدان في  شعبة  الاستخبارات، كي  يتابع ما يحصل في جنوب لبنان في مشروع داغان. “ولكن ضابط الاتصال في قيادتي أمسك بهم يرتبطون بمركزية الاتصال عندي والقيت بهم الى السجن”، روى بن غال وضحك، كي لا  تنجح شعبة الاستخبارات في أن يعرفوا ما يفعله داغان، واقيم خط هاتف منفصل  وآمن بين مكتب بن غال وبين قيادة داغان في لبنان. يتذكر افرايم سنيه بان داغان اشار الى جهاز الهاتف وشرح له بابتسامة: “هذا كي لا يتمكن يهوشع سغي من التنصت ويكون  بوسع شعبة الاستخبارات ان يقفزوا لي. ولكن شعبة الاستخبارات ليسوا إمعات.  ذات يوم اكتشف  بن غال بان سغي  توجه الى بيغن وعلى لسانه شكوى عن عمل اشكالي نفذته القوة في لبنان. واستنتج بن غال من ذلك بان شعبة الاستخبارات اقتحمت ايضا الهاتف الخاص بينه وبين داغان، ومن الان فصاعدا، سيتم تخطيط العمليات فقط في لقاءات وجها لوجه. مرة في الاسبوع كان رافول يقول من بيته في تل عدسيم الى القيادة في الناصرة وهناك يتفق مع بن غال في شؤون حرب الظلال في لبنان.

هل انتهى هنا كل شيء؟ تماما لا. الجنون بدأ فقط: شعبة الاستخبارات، التي حققت مع مخربين فلسطينيين وقعوا في الاسر، انتزعت منهم  ايضا  معلومات عن عمليات داغان في جنوب لبنان. وعندما فهمت بان  رافوال، بن غال وداغان هم في ذات الجبهة، قررت الشعبة الصعود الى المستوى السياسي، وتوجهت الى نائب وزير الدفاع مردخاي تسيبوري. روى سغي لتسيبوري بانه تجري في جنوب لبنان  عمليات عصابات منفلتة بدون اذون. وواصلت الحرب بين شعبة الاستخبارات وداغان بالاشتعال. وعندها جاءت الذروة: احد التقارير التي تلقاها تسيبوري كان  عن عملية ضد رجال فتح قتل اثناءها نساء واطفال ايضا.

يا يانوش،  على هذه العملية تلقيت إذنا؟

بن غال: “رافول لم يرفع هذا الى الاعلى (لوزير الدفاع)، لاننا خفنا اننا لن نحصل على الاذن لمثل هذا الامر”.  

وماذا حصل هناك؟

“بضع سيارات اشتعلت وتفجرت. ان  اقول لك انه كان هناك نجوم  كبيرة؟! لم تكن. ولكنه قتل بضع نشطاء (لـ م.ت.ف)”.

“اعتقدت ان هذا أمر رهيب”، قال تسيبوري. وطلب من بيغن أن يطرد بن غال من الجيش الاسرائيلي. “يا مناحم، نحن دولة سيادية”، قال لرئيس الوزراء. “كل شيء يفعله الجيش يمكنه ان يفعله فقط بإذن الحكومة. ولكن هذا لم يرفع واحد لم يأذن بهذا”.

استدعي بن غال على عجلالى مكتب وزير الدفاع في الكريا في تل أبيب. بيغن، تسيبوري، رافول  وسغي انتظروه هناك. “انت تقوم بعمليات في لبنان بدون إذن. وفي هذه العمليات يقتل نساء واطفال”،  قال له تسيبوري.

اجاب بن غال: “غير صحيح. قتل هناك 4 او 5 مخربين. من يسافر في لبنان في الساعة الثانية ليلا في مرسيدس؟ مخربون فقط”.

احتج تسيبوري بشدة: يجب تنحية قائد المنطقة الشمالية، الذي ينفذ امورا دون إذن هيئة الاركان. انا نائب وزير الدفاع ولم اعرف شيئا. انت، يا سيد بيغن، وزير الدفاع ورئيس الوزراء ولم تعرف شيئا”.

روى بن غال بانه اشار الى رافول كي ينهض ويقول ان كل شيء كان بعلمه وبإذنه، ولكن رئيس الاركان، الذي فهم بانه يمكن أن يتورط هو نفسه، “لعب بساعته فقط، ادارها من جهة الى اخرى”، كما  وصف  بن غال.

استوعب بيغن بحواسه الحادة بان ما يجري لديه في  هذه اللحظة في  مكتبه هي حرب  جنرالات قد تنتهي بلجنة تحقيق، فقرر  اطفاء اللهيب. فتوجه لبن غال: “يا قائد المنطقة الشمالية. أريد أن اسألك كضابط، واعطين  كلمة شرف  منك. هل تلقيت من أحد ما فوقك إذن بالعملية؟”

“نعم سيدي رئيس الوزراء، تلقيت إذنا”، اجاب بن غال.  

بيغن: “انا اصدق قائد المنطقة الشمالي. ضابط في الجيش الاسرائيلي لن يعطي كلمة شرف منه ويكذب. الموضوع منتهٍ”.

الموضوع لم يكن حقا منتهٍ ولكن في شعبة الاستخبارات فهموا بان بيغن يفضل نهج “لا  اعرف، لا اسمع، لا ارى”، فقرروا ترك حرب  الظلال  لداغان لحالها في هذه الاثناء. حاليا. ويقول العميد عاموس  غلبوع انه “كانت لهم الكثير من الاعمال التي اعتبرت صغيرة، تكتيكية وبالتالي قررنا ترك الامر. قلنا لعله من الافضل الا نعرف. شيء بصيغة “فليلعب الاولاد قبلنا”.  

وافق  بن غال على أن  الشكل  الذي تصرف فيه قيادة داغان في مرج عيون كانت تذكر بقدر اكبر “بالحركة السرية وليس بالجيش المنظم”. ولكنه يشدد على أن “كان هذا مريحا لي لان الاعمال كانت في منطقة الظلام واحيانا لا حاجة لك لان تعرف. فهذا  خليط معقد من السياسة والجيش. توجد امور لا حاجة لك بان تكون فيها دودة مثل تسيبوري، يريد أن يعرف ويتقصى الحقيقة حتى نهايتها. دع الامور تتدفق من تلقاء ذاتها واعرف كيف تعطي الاسناد لداغان حتى لو فشلت الامور. صحيح، داغان كان انسانا متوحشا. ولكن من  الافضل  لك أن يكون لديك حصان  فتي ومشاغب  يقفز  عن الحواجز بل  ويحطم الساق احيانا من ان يكون لديك بغل كي يقوم بخطوتين يتعين عليك أن تضربه بالسوط”.  

***

في آب 1981  عين بيغن ارئيل شارون وزيرا للدفاع. احدى الخطوات الاولى لشارون كانت توجيه تعليمات للجيش الاسرائيلي للتخطيط لعملية كبيرة في لبنان.  كم كبيرة، كم عميقة؟ لم  يكن لدى أحد حقا اي وضوح في حينه. ولكن كانت مشكلة لشارون: قبل  بضعة اشهر  من تسلمه منصبه تحقق بوساطة امريكية نشطة اتفاق هدنة بين الاسرائيليين وم.ت.ف. شارون ورافول  عارضا الاتفاق: فقد اعتقدا بان م.ت.ف في  واقع الامر حصلت على وقت لتتعاظم بقوتها ويمكنها في هذه الاثناء أن تواصل العمل ضد اسرائيل في الخارج وفي المناطق. واسرائيل؟ مقيدة.  

فما الذي تبقى لشارون إذن؟ بالطبع، القوة السرية لداغان في جنوب لبنان. فقد أمر داغان بان يسرع ويصعب نشاطاته. وروى افرايم سنيه يقول: “كان هدف المرحلة الثانية في هذه الاعمال  زرع فوضى في مناطق الفلسطينيين في صور، في صيدا وفي بيروت  تكون سببا حقيقيا وملموسا لاجتياح اسرائيلي”.

من أجل التأكد من ان كل شيء يجري كما يريد شارون، بعث الى داغان بمسؤول الموساد الكبير السابق، رافي ايتان. ولاحقا يجمل ايتان تلك السنوات المضطربة بمذكرة قصيرة: “من منتصف  العام 1980  وحتى نشوب حرب سلامة الجليل في 1982 نفذنا عشرات عديدة من العمليات ضد الفلسطينيين، اساسها كان ادخال مواد متفجرة ادخلتها قواتنا الى المعسكرات،  المنشآت وسيارات الفلسطينيين في جنوب لبنان. وكل العمليات تمت بإذن رئيس الاركان، وزير الدفاع عيزر وايزمن، وبعده اريك شارون الذي خلفه في  المنصب. عيزر ورافول على حد سواء اشارا علي في حينه الا ابلغ عن العمليات في لبنان: قبلت حكمهما، ولم ابلغ رئيس  الوزراء، ولم اطلب منه الاذون. وابقيت واجب التبليغ للجيش الاسرائيلي ولوزير الدفاع. من اواخر 1980  وحتى آيار – حزيران 1981 لم يعرف رئيس الوزراء وحكومته شيئا عن طبيعة الاعمال التي تمت بتوجيهنا”.

في نهاية الامر، شعر ايتان بانه ملزم بان “يبيض” هذه الاعمال مع رئيس الوزراء، واتخذ تكتيكا المعيا: اقنع بيغن بوجوب قوة جديدة في لبنان:  فأذِن بيغن. ولم يعرف فقط بان هذه القوة باتت نشطة هناك منذ زمن بعيد. وكتب ايتان يقول: “عندها فقط، في صيف 1981، بلغت بيغن عن  العمليات التي سبق أن نفذناها، والتي كانت حتى ذلك الوقت غير معروفة وغير مأذون بها”.

أمل  شارون  بان  توقف  سلسلة العمليات الجديدة هذه عرفات  لمهاجمة اسرائيل التي  سترد باجتياح لبنان. ويقول  سنيه “انت لا تتخيل كم كان شارون يائسا لخرق وقف النار”.

ياسر عرفات الشكاك بالفعل  لم يشترِ القصة. واتهم  الموساد الاسرائيلي  بانه يقف خلف التفجيرات الغامضة. عرفات اخطأ.  الموساد بالذات عارض  بشدة اعمال بن غال وداغان.  احد رجال الميدان في الموساد في تلك الفترة والذي سيصبح لاحقا مسؤولا كبيرا في الجهاز قال: “باسناد من  شارون جرت امور رهيبة. انا لست نباتيا وايدت جزءا من عمليات الاغتيال التي نفذتها اسرائيل، ولكن هنا كان الحديث يدور عن قتل جماعي لغرض القتل، زرع الفوضى والفزع حتى في اوساط المدنيين”.

من  المهم التشديد على أن داغان وبن غال نفيا بشدة بان يكونا  توجها في أي  مرة عملياتهما ضد المدنيين. “الأهداف كانت دوما أهدافا عسكرية”، قضى بن غال. اما داغان فاضاف: “استخدمنا العملاء،  أي  اللبنانيين”، لانهم متوفرون  والسبيل الأفضل لضرب  الهدف. انا مستعد لان اذرف  دموعا كثيرة على قبر  لبناني  قتل  بتكليف  منا. المهم الا  يقتل أي جندي  من الجيش  او مقاتل من  الموساد”.  ولكن رجل موساد آخر كان في لبنان في تلك الفترة يقول انه “حتى لو وضعنا شؤون الموساد جانبا، فان  المصلحة  الإسرائيلية تضررت بشكل شديد. وقفت على مبنى عال في اطراف بيروت ورأيت من  بعيد احدى العبوات تتفجر وتخرب شارعا كاملا. لقد علمنا اللبنانيين كم ناجع استخدام العبوات الناسفة شديدة الانفجار. كل ما رأيناه بعد ذلك  لدى حزب الله ينبع مما رأوه هم يحصل  بعد اعمالنا.   كل  تلك  الفترة  كانت خللا  جديا كبيرا”.  

***

رغم كثافة  التفجيرات واشتباه عرفات بان إسرائيل هي التي تقف خلفها، حرصت م.ت.ف  على عدم خرق اتفاق وقف  النار مباشرة.  واعتقد شارون انه يوجد سبيل لانهاء  الهدنة. المس المباشر بعرفات نفسه وبمقربيه. وعندها بدأت تحاك خطة تصفية عرفات.  عملية اولمبيا  ولدت.

الصيغة الأولى لعملية التصفية لم تكن  في  الملعب بل  في  سينما. ففي  كانون  الأول 1981 كان عرفات سيجري حفلة عشاء لكبار رجالات منظمة في دار سينما في شرقي بيروت. وكانت الخطة تفجير مركبات متفجرة بجانب جدران  السينما،  فينهار المبنى على نزلائه.  ولكن العملية اسقطت لاعتبارات تنفيذية مختلفة.؟ وعندها بـدأت التخطيطات لعملية  اولمبيا  2: التصفية المركزة لقيادة م.ت.ف في  المدينة الرياضية في بيروت. وأشارت المعلومات الاستخبارية الى مهرجان كبير  لقيادة م.ت.ف  في الأول  من  كانون  الثاني  1982، اليوم الذي تحتفل فيه المنظمة بالذكرى الثامنة عشرة  لأول  عملية  لها. كانت هذه هي الفرصة التي انتظرها شارون.

في بطاقة نقلها رافي  ايتان لارايم سنه في  احدى الجلسات قبل العملية “اذا نجحت هذه (اولمبيا) فستقع المسؤولية علينا مباشرة”. ولم يكتب ذلك خوفا بل على أمل ان “من لا يموت من قادة م.ت.ف في تفجير الملعب سيعرفون على الفور ما ينبغي عمله، أي ان يهاجموا إسرائيل،  ان  يخررقوا الهدنة وان  يوفروا لشارون  الذريعة لاجتياح لبنان” يقول  سنيه.

كان تسفيكا بندوري في حينه رئيس وحدة تصفية الإرهاب في الشاباك – المخابرات ونائب رئيس القسم العربي في الجهاز: “ذات يوم جاء الي رافي ايتان وقال يا تسفيكا توجد خطة. داغان يخطط لتدمير الملعب  الرياضي على رأس عرفات وقيادته. فقلت له يا رافي أنتم جننتم. يأتي الى هناك نساء وأطفال أيضا. فهل تريدون ان تقتلوهم  كلهم  أيضا؟”. ولكن ايتان ادعى  بانه حسب معلوماته لن يكون هناك نساء وأطفال. حتى اليوم ليس واضحا تماما كم عرف وفهم بيغن معنى اولمبيا. واي سيناريوهات عرضت عليه. شيء واحد كان مؤكدا: العملية تقدمة بسرعة. في  ليل 20 كانون الأول 1981 – قبل  نحو أسبوع ونصف من الاحتفال، اقتحم ثلاثة عملاء شيعة الملعب. واسترقوا الخطى الى منصة الشخصيات الهامة. وخبأوا تحت المقاعد عبوات شديدة الانفجار ارتبطت فيما بينها وتضمنت أيضا جهاز تشغيل عن بعد. وفي  هذه الاثناء، في إسرائيل، اعدت السيارات  المفخخة ووضعت جاهزة للدخول الى لبنان. كانت هناك شاحنة محملة بطن ونصف من المواد المتفجرة، وسيارتا مرسيدس كل واحدة منهما كان فيها 250 كيلو غرام من المتفجرات. وجهزت السيارتان بأجهزة تشغيل عن بعد.

وبشكل من الاشكال، سمع رئيس شعبة الاستخبارت سغي وهو الحذر والمعتدل كما كان دوما، عن الخطة فغضب. هذه المرة لم تعد هذه عملية صغيرة وهامشة. سارع سجي ليبلغ مردخاي تسيبوري الذي اصبح في حينه وزير الاتصالات واصبح احد المنتقدين الأشد لشارون في الليكود. وأضاف رئيس شعبة الاستخبارات لتقريره تحذيرا: يحتمل أن يكون على منصة الشرف عدة دبلوماسيين أجانب. وحذر من أنه اذا أصيبوا فان العالم لن يسكت. فقرر تسيبوري أن يرفع هذه المعلومة الساخنة الى قائده السابق في الارغون بيغن. قال تسيبوري “مسألة الدبلوماسيين كانت خطيرة بحد ذاتها. ولكن الاخطير  بكثير هو انهم  ينفذون عمليات كهذه دون إذن الحكومة”.  

في المساء قبل الانفجار، امر بيغن شارون بان يأتي اليه فورا. طلب شارون أن يأتي رافول وداغان هما أيضا الى الجلسة الدراماتيكية. ويستعين داغان الذكرى فيقول “فجأة اسمع ان شارون يأمرنا بان نأتي الى رئيس الوزراء كي نعرض عليه الخطة  ونتلقى الاذن النهائي بالعمل. ويعلن رافول بانه  حفاظا على السرية، سيأتي الى قيادة المنطقة الشمالية كي يأخذني بنفسه الى بيغن في الطيارة.

يتأوه داغان وهي يتذكر هذه الرحلة الجوية. لماذا؟  هذا هو المكان لوقفة قصيرة لوصف ما الذي جعل الجيش الإسرائيلي اسطورة: أفعال رافول في الجو. إذن هكذا: كان لرئيس الأركان رخصة طيار عسكري في طائرات خفيفة. ولكن كل من صعد معه الى طيارة ذات مرة حاول الإفلات من المرة التالية: وتذكر احد المسافرين فقال: “كانت هذه مخاطرة حقيقية على الحياة”. ذات مرة  كما يروي بعض  منهم كان رافول  يصعد الى الطائرة ليطير على طول الشاطي مجهزا باكياس من الماء والملح كان يسقطها من الجو على من يختلون ببعضهم البعض هناك. هكذا فقط. ويتذكر  بن غال نفسه رحلة جوية أخرى مع رافول: فجأة رأى رافول سفينة في البحر فصرخ هذه هي سفينة مخربين. تعال ننزل عليها”. وانحرف عن خط الشاطيء باتجاه السفينة التي تبينت انها من الاسطول السادس. هذا لم يمنع ايتان من ان يطير بارتفاع منخفض فوق السفينة الى ان ثارت أعصاب الناس هناك وبدأوا يطلقون علي بأجهزة إطفاء  النار.

“استجديته، قلت له يا رافول، لو سمحت، دعهم. فهم لا يرون شيئا وقد نتحطم.  اما هو فكان يضحك مسرورا”. نجح ايتان  في  أن ينزل  الرجلين في مطار سدي  دوف،  واجبر بن غال على أن يكذب لرجل الصانة عن مصدر المادة الغريبة التي اصابت الطائرة.

وبالعودة الى اولمبيا، في ذاك ايوم أيضا صادر ايتان لنفسه طائرة سسنا لسلاح الجووطار بها مع داغان الى القدس. وكان الجو ماطرا جدا. وروى داغان مبتسما: “منذ  زمن لم اخف مثلما خفت في تلك الرحلة الجوية إياها الى القدس اذا كان ممكنا ان نسمي هذه  على الاطلاق رحلة جوية”. ولكنهما وصلا بسلام، ونقلا بالسيارة الى بيت بيغن في القدس حيث  كان بانتظارهما وزير  الدفاع شارون،  رئيس شعبة الاستخبارات سغي، رافي ايتان  ووزير الاتصالات تسيبوري. “من نظرات الجميع فهمت باننا في مشكلة جدية مع الاذن للعملية”، يتذكر داغان. كان بيغن مريضا ويستلقي في سريره. واجتمعنا جميعا بصمت حوله في الغرفة.

طلب بيغن تفاصيل. شرح داغان بان  الشيعة هم الذين ادخلوا المواد المتفجرة. “لا احتمال في أن ينجو عرفات. أيادينا غير متسخة. الشيعة هم الذين فعلوا ذلك، أمور داخلية بينهم. نحن لسنا في القصة”.

ومن خلف نظاراته السميكة نظر بيغن الى داغان وسأله بنبرة  تأكيد: “يقولون لي بانه يحتمل أن يتواجد هناك دبلوماسيون على المنصة”.

ويروي لي داغان  فيقول: “فهمت على الفور ما حصل. فهمت بان أحدا  ما اطلع بيغن  على النقطة الأكثر  حساسية.  كي  يلغي العملية. اعتقدت أنا انه يجب ان تنفذ لانها السبيل الوحيد لان نوفر علينا جميعنا، وليس فقط إسرائيل، ضحايا ودم وجهد ومقدرات كثيرة”.

“هذا حقا غير صحيح يا رئيس الوزراء”، حاول داغان النفي.  “احتمالات ان يكون دبلوماسسيون  طفيفة جدا”.  

توجه بيغن الى اللواء يهوشع سغي وقال  له: “يا رئيس الشعبة ماذا تقول؟”.

فقال سغي انه يتوقع أن يكون هناك دبلوماسيون. “اذا حصل لهم شيء  فسندخل في ازمة خطيرة جدا مع العالم”.

ويقول سغي لاحقا: “مهمتي  ليست عسكرية بل وسياسية أيضا.  قلت لبيغن انه لا يمكن قتل ملعب كامل. كل العالمم سيدور علينا. لا يهم اننا لن نأخذ المسؤولية فالكل سيعرف من خلف هذا العمل”.

وحاول داغان، ايتان وشارون اقناع بيغن بان هذه فرصة ذهبية لن تتكرر ولكن بيغن تعاطى بجدية مع خطر  الصدام مع دول اجنبية. وحسب ايتان قال بيغن: “اعتقد أنه يجب قتل ياسر عرفات ولكن بدون قتل أبرياء”.  

وبعد ذلك قرر الغاء اولمبيا.

بعد بضع ساعات جلس  ياسر عرفات ورجاله على منصة الشرف  في الملعب دون أن يخمنوا انه في محيطهم وتحت مقاعدهم توجد عبوات ناسفة لا يوجد إذن لتشغيلها.

في محادثاتي معه، قبل  وفاته بقليل، كان داغان مقتنعا بان هذا كان خطأ مطلقا الغاء اولمبيا. وقال: “في  النهاية تبين أنني  كنت محقا ولم يكن هناك أي سفير، ولا حتى نساء وأطفال.  ولكن رئيس الوزراء يقول ان نلغي فنلغي.  كانت قصة معقدة جدا ان نخرج من هناك المواد المتفجرة بعد ذلك”.

في نظر بعض المشاركين في هذه العملية، كان الإلغاء أجل بنصف سنة نشوب حرب لبنان. فشارون، بزعم بعضهم بحث عن سبب ما لاجتياح لبنان وضرب الإرهاب الفلسطيني. ووجد الذريعة في شهر حزيران: كرد على محاولة اغتيال سفير اسرائيل في بريطانيا شلومو ارغوف، قصفت إسرائيل بيروت، فرد الفلسطينيون بالكاتيوشا – فدخل الجيش الإسرائيلي الى لبنان.

هل كان يمكن لعملية اولمبيا ان تغير كل هذا؟ حتى يوم وفاته، آمن داغان بان نعم. فقد قال: “لو اذنوا لنا واخرجت قيادة م.ت.ف من اللعبة في ذاك اليوم، لوفرت علينا جميعنا حرب لبنان بعد نصف سنة من ذلك. وعدد آخر من المشاكل التي لا تحصى أيضا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى