يديعوت: القـــوة العسكريــة وحــدهـــا لا تضــمــن الأمـــن الــقـــومـي

يديعوت 2024-02-05، بقلم: أوري سجي: القـــوة العسكريــة وحــدهـــا لا تضــمــن الأمـــن الــقـــومـي
1. الحرب في الجنوب في ذروتها، وأهدافها لم تتحقق بعد. لم ننجح في تفكيك كل قدرات حماس العسكرية وبالأساس لم نسترجع المخطوفين ولم نرمم البلدات في غلاف غزة وفي الشمال بسكانها.
2. الوضع في شمال البلاد مركب ومعقد هو الآخر. لا خلاف على أنه يجب إزالة تهديد حزب الله، لكن يجدر بنا ألا ننجر وراء التهديدات بحرب شاملة، بالتوازي مع الحرب في غزة، لأسباب عديدة وعلى رأسها حقيقة أن الجمهور ليس واعياً لثمنها الباهظ، ليس فقط على بلدات الشمال بل وعلى الجبهة الإسرائيلية الداخلية كلها، ويحتمل حتى أن تؤدي إلى إشعال نار “جوج وما جوج” في المنطقة كلها.
إن قدرة دولة إسرائيل على أن تخوض ثلاث معارك عسكرية في آن واحد، في غزة، لبنان وفي الجبهة الداخلية – وذلك إضافة إلى التهديد من بعيد من الحوثيين وإيران ليست غير محدودة.
3. بالنسبة للبنان، يجدر اتخاذ مبادرة والدعوة إلى تنفيذ قرارات 1701 لمجلس الأمن في ظل وقف النار والاستعداد للبحث مع حكومة لبنان على الـ 13 نقطة خلاف على الحدود. اتفاق انسحاب الجيش الإسرائيلي في العام 2000 إلى الخط الأزرق معناه أن إسرائيل نفذت عملياً قرار الأمم المتحدة 425 للعودة إلى الأماكن التي كان الجيش الإسرائيلي منتشراً فيها عشية الخروج إلى حملة الليطاني في العام 1978.
هكذا نفذت إسرائيل بدقة هذا الاتفاق، لكنه ليس خط الحدود الدولية الشرعية. وحتى وإن كنا نعارض قبول الادعاء اللبناني، نوصي جداً بفهم الحقائق الموضوعية والادعاءات الذاتية لكل طرف.
عندما كنت قائد وحدة جولاني، بين الأعوام 1967 – 1969، أرسلنا لاحتلال جبل روس، لاحقاً (هار دوف)، لتطهير أعشاش مخربين في الجانب الغربي لناحل شيئوم (وادي عسل) ولإخلاء سكان ما يوصف اليوم بمزارع شبعا (بركة نقر، رمتا، زبدين، مزرعة كفو، اشكول، مغارة الشبا، خلة الغولة).
هذه المزارع ليست بلدات دائمة ومنذئذ وهي خالية من الناس بالطبع. كما أن الحدود اللبنانية بين سورية (التي حللنا محلها ابتداء من 1967، وحصلت على الاستقلال في 1946) ولبنان (المستقل منذ 1943) لم يتحدد أبداً وكانت المنطقة جزءا من “فتح لاند” – موقع “إرهاب” فلسطيني ولبناني. إذا كان هكذا فمعنى النزاع هنا هو إقليمي صرف.
4. في نهاية اليوم، الوضع كفيل بأن يولد تسوية سياسية إقليمية. منشود لي أن أفهم لماذا تنظر الولايات المتحدة وحدها إلى الوضع انطلاقاً من نظرة شاملة، وإسرائيل لا تعنى بالتداعيات المستقبلية أو تحاول أن ترتب التسويات لصالحها، ناهيك عن الرؤية للمدى البعيد.
فأصحاب القرار لم يستوعبوا أنه يجب استخدام السلاح السياسي ليس فقط لقوة كوننا “ضحية” الكارثة الكبرى في 7 أكتوبر، بل أيضاً في البحث عن سبيل لتصميم المستقبل وفي محاولة لترميم العلاقات مع الفلسطينيين في يهودا والسامرة وإعادة تعزيز العلاقات مع الأردن ومصر.
5. في نظرة واسعة، المصلحة في تسوية سياسية شاملة هي للدول الثلاث: سورية، وإسرائيل ولبنان.
ربما في رؤيا الآخرة ستجلس هذه الدول في محاولة لحل هذه المسألة. في هذه الأثناء، فإن مبادرة إسرائيلية تدعو إلى تسوية الأن مع لبنان يحتمل ألا تستجاب، لكنها ستعزز جداً سياسياً ودولياً موقفها.
6. سورية اليوم هي دولة مواجهة وشريك في المحور الإيراني الذي يهدد بإبادة إسرائيل بل ويعمل ضدنا بشكل فاعل. لكن لن يكون عديم القيمة أن نذكر أنه في أثناء المفاوضات السياسية معها في العامين 1999 – 2000 أعربت سورية عن مواقف بالنسبة للبنان أيضاً ورأت نفسها صاحبة نفوذ على ما يجري هناك، ولم تعرض أي طلب إقليمي لمنطقة الخلاف في مزارع شبعا. كما أنها وعدت بالعمل على تجريد حزب الله من سلاحه وإبقائه حركة سياسية، ضمن أمور أخرى بسبب رغبتها في أن تحصل على اعتراف شرعي بسيطرتها بحكم الأمر الواقع في لبنان كسورية الكبرى. الولايات المتحدة وإسرائيل في ذاك الوقت لم تعربا عن المعارضة.
وختاماً، محظور أن يعتمد الأمن القومي لإسرائيل فقط وحصرياً على قوتها العسكرية، ووقف القتال في الجنوب يجب أن يؤدي إلى مبادرة سياسية في الشمال.
أحداث الأشهر الأخيرة لا توجب فقط نظرة داخلية عميقة بل الفهم بأن الشرعية الدولية والتسويات السياسية هي روح وجودنا في هذه المنطقة المعادية. القوة ليست كل شيء بل وهي وسيلة فقط لتحقيق الهدف.
دولة إسرائيل، التي بعد الكارثة الأكبر في تاريخها تقاتل في سبيل وجودها وقيمها، تواقة لزعامة أخرى، توجد من خلفها رؤية سياسية ووحدة هدف داخلية. لا مفر من تغيير الحكومة الحالية، التي هي غير قادرة ولا تريد أن تنظر إلى صورة الواقع بالعينين، وانتخاب حكومة تعمل بروح وثيقة الاستقلال بدلاً منها، وتبحث عن سبيل سياسي وأمني على حد سواء لضمان وجود الدولة ومواطنيها.
*لواء احتياط، رئيس شعبة الاستخبارات “أمان” سابقاً.