ترجمات عبرية

يديعوت: الفلسطينيون بين العدوانية وادعاء الضحية

يديعوت 30/5/2024، ميخائيل ميلشتاين: الفلسطينيون بين العدوانية وادعاء الضحية

يوم النكبة، الذي أحياه الفلسطينيون في 15 أيار، وصفه هذه السنة الكثيرون منهم كاستمرار لمصيرهم التاريخي الدائم، الذي في أصله نزوح، لجوء، قتل وخراب. وكان حتى من ادعى بان المعركة الحالية في غزة هي النكبة الأكبر، التي تفوق في نطاقها الضرر الذي وقع بالفلسطينيين، في النكبة الاصلية في العام 1948. 

لكن وجه الشبه بين الماضي والحاضر يوجد أيضا في “ظلال” عديدة لا يعنى بها الفلسطينيون وعلى رأسهم: غياب قيادة وطنية: (في 1948، كانت هي اول من هرب، وهي اليوم تختبيء تحت الأرض دون حديث مع الجمهور). الى جانب الفجوة الدائمة في اجندة وطنية مرتبة واهداف واقعية بدلا من الأوهام والشعارات. وهكذا، خيام الفلسطينيين تبقى رمزا للمصير الفلسطيني وهي تحظى “بعلاوة حديثة” وفي شكل شاحنات المساعدات وملاحقة الجماهير للرزم التي تنزلها الطائرات بالمظلات.

يصف الفلسطينيون تكرارات تاريخية مأساوية تفرض عليهم لكنهم يمتنعون عن الاعتراف عن ان هذا نتيجة الخيارات الاستراتيجية التي يتخذها الجمهور والقيادة معا. في هذا الاطار يبرز الرفض للاعتراف بالعلاقة التي بين السبب والنتيجة (رفض مشروع التقسيم في 1947 ومذبحة أكتوبر التي بدأت الحرب الحالية)، الى جانب التمسك بالصورة المزدوجة التي يكون فيها الفلسطينيون الضحية الخالدة وإسرائيل هي “الشر المطلق”. كل هذا في ظل الامتناع عن حساب النفس واتخاذ موقف السلبية والحتمية امام الكوارث النابعة من القرارات الوطنية المسبقة. الميل لادعاء الضحية، إبقاء التعلق المطلق بالعالم والفرار من المسؤولية ومن النقد الذاتي يحل إذن محل الاستراتيجية الوطنية المرتبة والقابلة للتحقق. 

بعد 67 سنة بعد نكبة 1948 توجد هوية وطنية فلسطينية لكن تحوم علامة استفهام كبيرة فوق وجود مجتمع مدني فلسطيني. هذه جماعة لم تحتج حتى الان على الكارثة غير المسبوقة التي اوقعتها عليها حماس وأجزاء واسعة منها (كما اتضح من استطلاعات الرأي العام الفلسطيني، تؤيد هجمة 7 أكتوبر، تؤيد حماس وترفض التصديق بان الفلسطينيين ارتكبوا جرائم حرب. هذا تعبير عن ثنائية قطبية قديمة: الثناء على أعمال العدوان العنيفة المغلفة بالتعبير البطولي لـ “المقاومة” و “الصمود” ومن الجهة الأخرى الانطواء في ادعاء الضحية. 

بشكل مفعم بالمفارقة، فان قوة الحركة الوطنية الفلسطينية خارج الساحة الفلسطينية هي اليوم اكبر من تلك التي توجد بين النهر والبحر. من داخل مظاهرات التأييد في الجامعات ولدت، عمليا، الحركة الوطنية الافتراضية الأولى في العالم التي تستخدم رمز ثقافة الجيل الـ Z. مؤيدو الكفاح الفلسطيني يتمسكون بشعارات عمومية، سياسة الهوية، الموضة القائمة في رمز الكوفية وتنطوي على قدر اقل من التعقيد والمعرفة. وهذه توجد مثلا في فهم الطابع المناهض لليبرالية لدى حماس او معرفة الفساد والقمع السياسي الذي تتميز به الساحة الفلسطينية كلها. 

لقد بعثت الحرب في غزة ذكريات المحرقة والنكبة من قعر الوعي الجماعي في الجماعتين الاهليتين، الى جانب شك وعداء غير مسبوقين. في مثل هذا الوضع ليس معقولا الامل بالمصالحة. في الخلفية تحتدم الصعوبة لتنمية حوار مثمر بين جماعة أهلية تختص بالجلد الذاتي وبين أخرى ترفض في معظمها الاعتراف بمعاناة “الاخر” وبقدرة أعضائها على ارتكاب جرائم حرب. بين مجتمع يتمسك برواية ذات بعد واحد وثنائية القطبية تتمثل بالصراع بين الملائكة والشياطين والثانية فيها نقد ذاتي واحتجاج ضد القيادة بما في ذلك في اثناء الحروب. 

احداث الأسبوع المنصرف في رفح تجسد الفجوة الموصوفة. فالاصابة القاسية للمواطنين الفلسطينيين – التي اصلها، كما يبدو، في انفجار ذخيرة لحماس وليس في غارة الجيش الإسرائيلي – نقلت انباؤها بتوسع في إسرائيل ويجري تحقيق عميق في شأنها. اما حماس بالمقابل فقد قفزت على الحدث كذخر دعائي وفي أوساط الجمهور الفلسطيني برزت تساؤلات ضعيفة جدا في مسألة من المسؤول عن خراب نسيج الحياة الذي كان قائما حتى 7 أكتوبر، دون افق لانهاء المعاناة. بين البدائل السيئة للموضوع الفلسطيني على إسرائيل أن تختار الأقل سوءاً والأكثر واقعية. فتعميق الاتصال بين الشعبين في الضفة وفي غزة هو الأسوأ الذي من المعقول ان يولد سيناريو بلقانيا داميا حتى اكثر من ذاك الحالي، الى جانب اثمان باهظة في المجالات السياسية، الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. المخرج الضروري لجماعتين اهليتين معاديتين وذاتي اختلاف قيمي وثقافي عميق بهذا القدر هو الانفصال الجسدي. مع ذلك، يترافق الامر ومعضلة حادة في ضوء انعدام نضج الفلسطينيين للسيادة، الذي تنطوي عليه حقيقة انه حين كانوا قد اختبروها، بعد الانسحاب من غزة في 2005 – ركزوا على الجهاد وليس على التنمية الذاتية.

ان زعماء إسرائيل مطالبون بان يسووا بين القطبين: من جهة انفصال والى جانبه قرارات حاسمة أليمة لكن من الجهة الأخرى الا يخاطروا بتهديدات وجودية، مثلا في اعقاب إقامة دولة فلسطينية مستقلة. احد اتجاهات التفكير الواجبة هو خلق حدود مادية، مع إبقاء بوابات السلطة الفلسطينية في ايدي إسرائيل – في غور الأردن ومحور فيلادلفيا. هذا الى مدى زمني غير محدد، في اثنائه ينبغي الامل، ودون التعلق بالاوهام، تترسخ قيادة فلسطينية مستقرة وواعية ويقل العداء المتجذر لإسرائيل.  في هذه اللحظة فان معقولية مثل هذا السيناريو ملفوف بالغموض لكن مجرد طرح الفكرة هو امر حيوي لاجل تطوير نقاش واقعي وعديم المفاهيم المغلوطة من النوع الذي تفجر بشكل مأساوي في 7 أكتوبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى