يديعوت: العالم كله يرى حربا واحدة في غزة، ونحن نرى حربا أخرى..!
يديعوت 27-5-2024، أمنون ليفي: العالم كله يرى حربا واحدة في غزة، ونحن نرى حربا أخرى..!
حسب معطيات الأمم المتحدة، ثمة تأكيد على موت 24 ألف فلسطيني في الحرب في غزة. يجب أن يضاف لهذه الأعداد نحو 10 آلاف قتيل مدفونين تحت الأنقاض؛ أي نحو 34 ألف قتيل. لغرض المقايسة، يسكن في “سديروت” 35 ألف نسمة، وفي “أوفيكيم” 37 ألف نسمة. أي بمعنى أننا قتلنا مدينة كاملة في الحرب.
هذه المقايسة صادمة لكنها تفتح العيون، وجدتها لدى الصحافية والناشطة الشرقية أورلي نوي. أكد الجيش الإسرائيلي في الإحاطات المعطيات أنها مصداقة. كم من الإسرائيليين واعون لهذه الأعداد؟ كم منهم شاهدوا حجوم الدمار والخراب في القطاع؟ قليل جداً. لأننا، نحن الإعلاميين، لم نُرِهم ما يكفي. أخفينا السكان المدنيين عن تقاريرنا. والنتيجة، حسب تحقيق “وول ستريت جورنال”، شاشة منقسمة: كل العالم يرى حرباً واحدة في غزة، أما إسرائيل فترى حرباً أخرى تماماً.
لماذا خنّا مهمتنا الأكثر أساسية: يقال في الدفاع عنا إننا كنا مصدومين مما جرى في 7 أكتوبر كالجميع. الغضب الشديد الذي ألم بالجمهور ألم بنا أيضاً. تألمنا لألم المخطوفين ولأبناء عائلاتهم. أردنا الفتك بحماس. أما السكان فأثاروا اهتماماً أقل لدينا. لكن هذه الحجة جيدة لشهر – شهرين، في أقصى الأحوال للثلاثة الأشهر الأولى. أما الآن فقد مر أكثر من سبعة أشهر، وما زلنا نغمض أعيننا.
القصور خطير. فنحن لم نخف فقط معظم صور القتلى من الأطفال والجوعى وجموع النازحين من بيوتهم في غزة، بل ووفرنا البنية التحتية الأيديولوجية لتجاهلهم. ساهمنا في نزع شرعيتهم. القول “لا يوجد غير مشاركين في غزة” ازدهر في الإعلام؛ بمعنى أنهم كلهم مذنبون، وبمعنى أنه مسموح لنا قتلهم جميعهم، وبمعنى، على ما يرام أننا قتلنا حتى الآن 7800 طفل في غزة، إذ لا يوجد “غير مشاركين” في غزة، وكلهم من المتطرفين. وعرضت وسائل الإعلام كلها شخصيات من التيار المركزي الإسرائيلي للبحث في مسألة: هل جدير تجويع السكان من 2.2 مليون نسمة؟
يرى العالم صوراً جديدة وصادمة للفلسطينيين يومياً؛ يرون الجوع والموت والدمار، بينما نكاد نرى هذا. فما الغرو أن العالم يتظاهر ضد أفعال إسرائيل فيما نستبعد هذا كـ “لاسامية”. من ناحيتنا، لا توجد إلا قصة واحدة، وهي الرواية الإسرائيلية. عرفنا كيف نروي ألمنا فقط.
ظاهراً، يوجد نزاع واضح بين الوطنية والصحافة: الوطنية ملتزمة بجانبنا فقط، بينما الصحافة ملتزمة بطرح القصة بكاملها. معظم الصحافيين يتصرفون -على حد رأيهم- كوطنيين إسرائيليين، لكنهم عملياً صحافيون مجندون. وثمة فرق؛ فالصحافي الوطني ملزم أيضاً بالحقيقة دوماً، إذ توجد أهمية قومية، وليس صحافية فقط، لطرح القصة كلها على الجمهور، لرواية الحقيقة حتى في جوانبها البشعة. حق الجمهور في معرفة أننا قتلنا مدينة كاملة في غزة. من يطلع على الصورة الكاملة كفيل بأن يصمم موقفه بشكل مختلف. وربما، ربما، يفهم بأن الثأر قد تم. على الجمهور أن يرى المشاهد ويعرف كل الحقائق، كي يشفى قليلاً من الصدمة. فادعاء الحق والعمى يمنعان مسيرة إشفاء الدولة. وإذا ما عرفنا الحقائق كلها فلعل مقترح تحرير كل المخطوفين مقابل وقف الحرب، سيبدو صورة نصر.
ليس سهلاً قول الحقيقة الكريهة، والأصعب قولها في زمن الحرب. هذا صعب، هذا مؤلم وبالنسبة لنا نحن الإعلاميين، ثمة رغبة للقراء والمشاهدين، التي نحن ملتزمون بها وعلينا أن نراعيها. لنا أسباب كثيرة من المعاذير. لكن يوجد سطر أخير واحد أيضاً: فشلنا.