يديعوت – “الطنطورة” باعترافنا يصبح الفلسطيني مذنباً ..!

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين – يديعوت 3/2/2022
مرة أخرى، ثارت مؤخراً عاصفة حول قضية الطنطورة، وذلك عقب فيلم وثائقي جديد تضمن اعترافات لجنود الجيش الإسرائيلي بأنهم شاركوا في مذبحة ارتكبت بحق سكان القرية في 1948. ويثبت مرة أخرى أن “قصة 1948” لم تنته قط.
لا شيء جديداً في هذا النقاش الذي يثور من جديد. المحكمة التي بحثت قبل 20 سنة في رسالة البحث التي كتبها تيدي كاتس في الموضوع، بعد أن رفع جنود لواء الكسندروني دعوى ضده على نشر كاذب، أثبتت بأن البحث كان مفعماً بالتزوير، ولا سيما الفارق الشاسع بين الأمور التي كتبت وتلك التي قيلت على لسان شهود عرب، لكنها لم تقرر قط عدم وقوع مذبحة.
النقاش الحالي هو حلقة إضافية في الخطاب الذي يجري في إسرائيل منذ منتصف الثمانينيات، حين بدأ يتطور تيار المؤرخين الجدد، الذي يجري في إطاره خطاب نقدي وسليم حول تأريخ إسرائيل. بخلاف الرواية السائدة، فالنكبة ليست “سراً مكبوتاً”. صحيح أن كان تقييد ما للخطاب في الموضوع بعد 1948، لكنه كان يبحث دوماً في جملة من المستويات، ولا سيما في الكنيست، ووسائل الإعلام والإبداع الفني، وقد ساد في الخطاب الجماهيري والسياسي داخل الدولة في العقود الأخيرة.
فضلاً عن ذلك، فإن الهجمة الفورية لمحافل سياسية، التي تتسلح منذ البداية بـ “أدلة عن الطابع السلبي لإسرائيل وجرائمها التاريخية”، تحبط مسبقاً نقاشاً موضوعياً في ذاكرة الـ 1948. فمطالبة الفلسطينيين بفتح تحقيق دولي في القضية ودعوة نواب من القائمة المشتركة لتخليد الحدث، تشهد على غياب اهتمام بالحقيقة المتوازنة عن الماضي، بل لخلق أداة مناكفة سياسية لضرب إسرائيل بها والتشكيك بالروايات في الجانب اليهودي.
والأهم من كل هذا، يبرز في أوساط الفلسطينيين ولا سيما في أوساط الكثيرين في الجمهور العربي في إسرائيل، تمسك برواية أحادية البعد مديدة السنين تصف طرفاً واحداً مطالباً بالاعتراف بجرائمه التاريخية، بينما الآخر نظيف منها وليس مطالباً بمراجعة نقدية للمذابح التي ارتكبها على مدى السنين؛ لإعلانات زعمائه في 1948 بأنهم سيبيدون الحاضرة اليهودية، الأمر الذي أثر بالطبع على وعي اليهود وأفعالهم؛ وللإجراءات العدائية الرافضة التي اتخذت، كرفض مشروع التقسيم في 1947، والتي تنطوي على مسؤولية جسيمة عن خلق الصدمة التاريخية التي يعاني الفلسطينيون آثارها حتى اليوم.
ليس السؤال إذن حول ما إذا وقعت بالفعل مذبحة في الطنطورة، وواضح أنه من الحيوي أن تنبش إسرائيل في جراح ماضيها حتى لو لم يكن الفلسطينيون يفعلون هذا. ومع ذلك، من الضروري التساؤل كيف أن جهداً إيجابياً يصبح في أساسه حملة أحادية البعد تتحرك بقوة فكر وأهداف سياسية. يبرز في هذا السياق باحثون يدعون بأنهم “كاشفون للمظالم التاريخية”، لكنهم يستندون عملياً إلى قوة استنتاجات تبلورت مسبقاً دون تطلع لبلورة صورة متوازنة، الهدف الذي يستوجب الغوص أيضاً في أرشيفات عربية (قلة منها مفتوحة)، وبالطبع إتقان العربية. عملياً، ما يفترض به أن يكون بحثاً تاريخياً مهنياً يصبح دعاية تشبه محاولة وصف الحرب العالمية الثانية، مع تركيز تام على المعاناة التي شهدها سكان اليابان وألمانيا.
قد نتمسك بالادعاءات التي لا يزال الفلسطينيون بموجبها يعيشون الصراع، وعليه فمن غير الممكن مطالبتهم بنقد ذاتي، لكنها أقوال تصبح معاذير متآكلة لن تنتج حواراً، فما بالك بتفاهمات بين الطرفين، بل وتصعّب على الفلسطينيين التصدي لأخطائهم التاريخية. إن نشوء “مؤرخين جدد” فلسطينيين كفيل بجرّ الخطاب العقيم المتحجر بين الشعبين ويسهم في الدفع ببحث في مستقبلهم الغائب في هذه اللحظة ويتطلب من الزعماء في الطرفين أن يبدوا عظمة روح ويتجهوا نحو تحقيقه.