ترجمات عبرية

يديعوت: الجنائية الدولية الكابوس بكامل أركانه

يديعوت 21-5-2024، رونين بيرغمان: الجنائية الدولية الكابوس بكامل أركانه

في عالم آخر، كان يوم أول من أمس يعد انتصاراً دبلوماسياً، إعلامياً، قانونياً، أخلاقياً، قيمياً، بل وربما تاريخياً، لإسرائيل.

فالمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، اتهم قادة “حماس” بالجرائم الأخطر. “على أساس أدلة جمعت وفحصت من قبل مكتبي”. ليس فقط المشبوهَين الفوريَّين، السنوار ومحمد ضيف، بل أيضاً رئيس الذراع السياسية لـ”حماس” خارج غزة، إسماعيل هنية، الشخصية الأعلى لـ”حماس” والذي لا يتواجد في القطاع، والذي هو ضيف مقبول ومرغوب فيه في دول عديدة، ويتنقل بين الدوحة وإسطنبول. طلب خان أمر اعتقال ضده يخلق تحدياً لقطر وتركيا، وكفيل بأن يسرع الخطوة القطرية التي توجد أنباء مختلفة حول فرصها، لإغلاق مكاتب “حماس” في الدوحة. وبالتأكيد هذه الاحتمالات لم تقل، أول من أمس.

والطلب ضد ثلاثتهم لا يقل عن اهتزاز للأركان. ليس فقط لأنهم متهمون بالجرائم الأخطر بسجل القوانين الدولي، بما في ذلك الإبادة الجماعية، القتل المتعمد، التعذيب، المعاملة الوحشية للأسرى في الحرب وغيرها، بل أيضاً بـ”اغتصاب وأفعال عنف جنسي آخر كجرائم ضد الإنسانية”. الاتهام في هذا الموضوع، الذي أصبح الأكثر حساسية منها جميعها، ليس فقط اعترافاً، سبق أن أعرب عنه في تقرير نائبة الأمين العام للأمم المتحدة فارميلا باتن، في أن مخربي “حماس” ارتكبوا جرائم ترتبط بالجنس بشكل منهجي بل هو عملي أكثر من ذلك بكثير.

“نحن ندعي أن الجرائم ضد الإنسانية كانت جزءاً من هجوم واسع ومنهجي ضد السكان المدنيين في إسرائيل من قبل حماس وجماعات مسلحة أخرى، وفقاً لسياسة تنظيمية”، قال خان. الكلمات الثلاث الأخيرة “وفقاً لسياسة تنظيمية” تلمس قلب الجدال في الموضوع الأكثر حساسية. وعندما تأتي على لسان كريم خان، لأول مرة من جسم دولي قانوني معترف به، فإنها تؤكد، كاشتباه حالياً، ما ينفيه الكثيرون بحزم – بأنه لا يدور الحديث عن مبادرات محلية، بل عن سياسة “حماس” كلها، الذين هم ليسوا مخربين قتلة لعينين فقط، بل منفذو أعمال واسعة، منتظمة، جزء من نهج تنظيمي. ما كان يمكن لإسرائيل أن تأمل بصيغة أفضل.

في العالم الآخر، الذي يعيش الكابوس بقدر أقل، هنا الأنباء تنتهي وتبدأ التحليلات لمعاني الأمور. لكن في العالم الحقيقي الذي هو في كابوس كامل، واصل المدعي العام ونشر أيضاً طلبه لإصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت. حقيقة أن الاتهامات ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع هي خطيرة أقل في رواية الحقائق فيها من تلك التي ضد الثلاثة من “حماس”، لا يمكنها أن تكون مواساة إذ إن مجرد وجود تلك الصفحة في بيان المدعي العام، بالانجليزية والفرنسية والعربية، يخلق مقايسة بين الأفعال الأفظع لأولئك والأفعال الأفظع لهؤلاء، وإن كان بقدر أقل.

نتنياهو وغالانت، بالطبع نفيا، كما وضع التاريخ المليء بالمفارقات نتنياهو مع غالانت، كريه نفسه ورعبه السياسي لاحقاً في الجانب ذاته لمحكمة الشعوب.

في إسرائيل، في وزارة العدل وفي وزارة الخارجية يقولون: إن المدعي العام خدعهم. فقبل ستة أسابيع بدأت تصل أنباء عن النية لإصدار الأوامر. أحد عاملي المحكمة، حسب الشائعة، سكر قليلاً وروى لأحد ما روى هو الآخر لغيره وتدحرجت الأمور حتى مكتب رئيس الوزراء، وزارة العدل وبعد ذلك أسرة الاستخبارات. جهد إسرائيلي لفهم ما يحصل في المحكمة ليس فقط لم يبدد الشائعات بل أكدها. نتنياهو، هكذا حسب مصادر مقربة منه دخل في ضغط كبير وللحظة كان يخيل أن ثمة شيئاً ما مخيفاً أكثر حتى من انسحاب سموتريتش.

خبراء في وزارة العدل كانوا على قناعة بأن هذه المرة أيضاً سينجح في أن يلغي أو يرد شر القضاء. فقد فهموا، أو على الأقل اعتقدوا أنهم فهموا أن المدعي العام قال إن هذا في هذه اللحظة هو نوع من “وضع الانتظار”، والذي يفسر الآن كمحاولة من خان لخداع إسرائيل كي لا تمارس هذه ضغطاً وتسمح له بالتقدم في المسار قبيل رفع الطلب بلا عراقيل. يحتمل أن تكون الأمور صحيحة أو شبه صحيحة، لكنها تثبت أن موقف كريم خان، القانوني الجدي ذي القامة الذي اعتبر اختياراً معقولاً من ناحية إسرائيل حين تسلم منصبه، تغير بشكل متطرف. فهو يتعامل مع اسرائيل وجهاز القضاء، الإنفاذ والتحقيق كمجرمين يمكن بل وربما يجب التحايل عليهم. تسريب وزارة العدل المسنود إلى الفهم أن الأمور توجد تحت السيطرة هدأ الروّع. ونتنياهو هو الآخر كف عن الخوف وعاد إلى مخاوفه من بن غفير وسموتريتش، وواصل الدفع باتجاه الحكم العسكري في غزة.

الآن، حين يتبين كل هذا كخطأ والمخاوف الأولى تتقزم أمام الطلب الذي نشر، فان الجميع يأسفون على أنهم غفوا في الحراسة لكن الموضوع التكتيكي هو هامشي نسبياً. في العالم الآخر، الذي يعيش الكابوس بشكل أقل، كل هذا ما كان ينبغي له أن يحصل لأنهم هناك يفهمون أن الوضع صعب، إن لم يكن صعباً جداً – ويعملون ضده.

في العالم ما قبل قيام الحكومة الحالية، انشغل عشرات كثيرون من القانونيين الخبراء في خدمة الدولة، في المنظومات والمنظمات المختلفة، في محاولة التأكد أنه لن تفتح ضد إسرائيل محاكمة من نوع كهذا أو تحقيق وطلب أوامر اعتقال. وقد نجحت هذه المحاولة على نحو شبه تام. التحقيق الذي فتح على “الجرف الصامد” بعد سبع سنوات من التردد تواصل بكسل ومشكوك فيه أن يصل إلى أي مكان.

في العالم الموازي كان هناك حوار مثمر ومغذٍ دوماً، بين المستشار القانوني للحكومة ورئيس الوزراء، وفي هذا الحوار عرف الطرفان كيف يدفعان قدماً بخطوات لا تقاتل فقط الشبهات الناشئة بأثر رجعي، بل تدخل المحامين في مسيرة اتخاذ القرارات في مواضيع عسكرية بما فيها الأكثر حساسية، بما فيها مثلاً في 2003 سؤال المستشار القانوني للحكومة: هل من الصواب من ناحية القانون الدولي تصفية الشيخ أحمد ياسين مؤسس وزعيم “حماس”، رغم أنه زعيم سياسي وعجوز مريض؟ (المستشار قال لا ولا، ومرة أخرى لا – إلى أن جاءت أدلة بررت برأيه الضربة).

أن يقال إن العالم كله ضد إسرائيل، وكنا سنصل على أي حال إلى النتيجة ذاتها، هو تقريباً مثل أن يقال إن “حماس” لا تريد صفقة، وإن إسرائيل فقدت منذ الآن البراءة في المفاوضات مع منظمة القتلة. حتى لو كان صحيحاً أن كل العالم ضدنا وأنهم كلهم لاساميّون، وعندي شك كبير في ذلك، كانت لا تزال حاجة للنظر في هذه الأمور مسبقاً، والعمل بتفكر وحكمة لأجل منع ذلك. في العالم الآخر كانت مستشارة قانونية وأناسها مشاركين في كل القرارات بالنسبة للحرب، ويشرحون لـ”الكابينيت” ولقادة الجيش أنهم ملزمون بأن يقوموا بالأمور حسب البروتوكول. في العالم الآخر، بما في ذلك في الأسابيع الأولى حين كان الدم يغلي والروح تواقة للثأر، كان المستشارون القانونيون سيحرصون على أن تتطابق القرارات مع القانون الدولي حتى إن كان هذا القانون يبدو لجهات مختلفة هامشياً وليس مهماً وربما مثيراً للحفيظة في تلك اللحظة. لكن في العالم الحقيقي منظومة العلاقات العكرة التي بين نتنياهو والمستشار القانوني وكل منظومة النيابة العامة، بعد أن حاول نتنياهو إقالتها وتخريب المنظومة، أقصيت المستشارة وأناسها عن محافل عديدة. وهذه، عن حق أم عن غير حق لم تطالب مرات عديدة أن يكونوا حاضرين فيها.

في العالم الحقيقي تصرف العديد من السياسيين كأنهم يعيشون في فراغ، طلعة ترومان، رواية بن غفير. في العالم الحقيقي مست الجهود السياسية لإحباط جهاز القضاء الإسرائيلي بصورتها – وخان أصبح مقتنعاً أقل فأقل باستقلالية منظومة القضاء، وأكثر بأن إسرائيل تعمل بشكل غير قانوني، على أقل تقدير.

خان، بدهائه، حشر الطرفان في فخ متعذر. وليس لأنه لم تكن تحذيرات. في العالم الآخر كانوا سينتبهون لتغريدة عظيمة المعنى للمدعي العام، وإن لم ينتبهوا، فلعلهم كانوا سيقرؤون المقال الذي نشر هنا في شباط، في أعقاب مؤتمر ميونيخ والذي ذكرت التغريدة فيه. “إسرائيل توجد في ذروة مسيرة آخذة في الاحتدام، آخذة في التسارع في نهايتها دولة مقصية، منبوذة، مقاطعة ومكروهة”، كتبنا في حينه، “وليته من هنا، من ميونيخ، يُرفع علم أحمر يحاول أن يشرح لمواطني دولة إسرائيل، وربما حتى لزعمائها خطورة الوضع”. العلم رفع. لكن أحداً لم يره.

في العالم الآخر كانوا سيقرؤون هنا صفحة التوصيات التي نشرها المحامي روعي تشايندروف، من كبار المحامين العاملين في القانون الدولي، والذي شغل منصب مساعد المستشار القانوني للحكومة، وترأس الدائرة القومية التي نجحت على مدى السنين في إحباط المبادرات للبدء بإجراءات دولية ضد إسرائيل. تشايندروف أوصى بسلسلة خطوات ينبغي اتخاذها فوراً، قبل أن يصدر الأمر، وحتى قبل أن يعلن المدعي العام على الإطلاق أنه يعتزم طلب إصداره. “يجدر النظر أيضاً في إمكانية مطالبة المدعي العام بنقل عملية الفحص والتحقيق إلى إسرائيل”.

إن دستور المحكمة مبني على فكرة الاستكمال – أي إعطاء أولوية للدول التي تريد وتستطيع التحقيق بنفسها في الادعاءات التي تطرح بالنسبة لمواطنيها أو الأفعال التي ارتكبت على أراضيها”، كتب في 2 أيار.

لو كان اتخذ أحد ما هذا العمل، لكانت الأمور تبدو أقل اضطراراً منها الآن حين لا شك أنه ينظر بها في جهاز القضاء.

في عالم آخر، في كابوس أقل، إسرائيل كانت ستصل جاهزة أكثر بكثير إلى هذه اللحظة. وبرأي الكثيرين ما كانت لتصل على الإطلاق لأن كريم خان ما كان يريد أن يهين نفسه حتى لو كان مقتنعاً بأنه يجب إصدار الأمر في محاولة ضعيفة قانونياً بهذا القدر.

لكن هذا ليس العالم الآخر، بل هو هذا العالم، مع الكابوس بالقوة الكاملة. والآن إسرائيل تصبح الدولة الثالثة التي ضد رأس هرمها القائم فيها طلب إصدار أمر اعتقال. كابوس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى