ترجمات عبرية

يديعوت: الأوقات الصعبة، الأوقات السيئة

يديعوت 10-5-2024، ناحوم برنياع: الأوقات الصعبة، الأوقات السيئة

​​في الأسبوع القادم سنحيي عيد الاستقلال الأكثر مرارة في تاريخ الدولة. فالحزن على القبور التي أضيفت هذه السنة في المقابر العسكرية والمدنية سيلتقي الغضب على ما يبدو كفقدان للطريق. ولعله أسوأ من هذا: اندفاع نحو الهوة. ظاهراً، العالم يسير كالعادة: ستوضع الأكاليل وترفع المشاعل وينكس حرس الشرف سلاحه، وستملأ رائحة المناقل أحراش الصندوق القومي. لكن يقين أيام الاستقلال السابقة لن يكون هناك. شيء ما أساسي تشوش.

الأضرار الهائلة التي ألحقتها أحداث 7 أكتوبر تغرينا للغوص عميقاً إلى أسئلة وجود الدولة. لكن هذا ترف، وانشغال بأيام أكثر راحة، ففي هذه الأثناء تدور رحى حرب ترفض الانتهاء. الحرب عادلة، لا شك في هذا، لكن حتى الحروب العادلة ينبغي أن تدار بعقل. لدى الجيش الإسرائيلي وفرة من السلاح، وثمة دافع، لكن من تحت كل هذا الخير يعتمل انعدام وسيلة عضال. سبعة أشهر في غزة، وحماس لا تزال تحتجز المخطوفين، وتطلق الصواريخ، وتوزع الغذاء، سبعة أشهر في الجليل وحزب الله لا يزال يطلق النار إلى حيث يروقه ومتى يروقه؛ سبعة أشهر ونحو 100 ألف إسرائيلي منقطعون عن بيوتهم دون تاريخ موعد، دون أفق أمني. لم يسبق أن كان أمر كهذا.

الهدف الأسمى الآن هو رفح: في رفح ستنقذ دولة اليهود. يصعب على العالم فهم الأهمية الاستراتيجية لرفح. كانت رفح شعار معركة جيداً لقنوات البث البيبية، سلاحاً يضرب به كل من تساءل أين تسير الحرب. لكن الشعار الذي على الطاولة في المعركة الأولى يصبح خطة عملياتية في المعركة الثالثة. أقر الكابنت للجيش تنفيذ المرحلة الأولى في الخطة – السيطرة على معبر رفح والأراضي قليلة السكان شرق المعبر.

اجتاز نتنياهو الكابنيت بسهولة. كان يمكنه أن يذكر غادي آيزنكوت، الوزير الذي يكثر من تحديه، بأنه هو، آيزنكوت، سأل بنفسه قبل ثلاثة أشهر: لماذا لا نسيطر على المعبر؟ ها نحن نسيطر؛ ما المشكلة. عرف الوزراء بأن أعمال الاحتلال لا تنتهي في المرحلة الأولى. فثم حاجة لحراسة المحاور وتصفية التهديدات ومنع المراوحة في المكان. عملية الاحتلال مثلها مثل تناول علبة حلاوة: نقتطع خطاً يليه خط. وقد عرفوا بأن احتمال التورط كبير، والمنفعة قليلة. لكن وقع عليهم خوف مذيعي اليمين أولئك الذين يثرثرون حتى الجنون في القناة 14 وفي القنوات الموازية. فأقروا، بالإجماع.

المحطة التالية كانت إدارة بايدن. فقد قيل للأمريكيين بأن لا علاقة بين معبر رفح ورفح: يدور الحديث عن مكانين منفصلين تماماً. معبر رفح كان القشة الأخيرة: بعد أسابيع طويلة من المداولات في البيت الأبيض على وقف التوريد العسكري لإسرائيل، حسم الأمر.

بتعابير كمية، يتعلق القرار بـ 3500 قنبلة من نوعين و6500 جهاز يجعل القنابل دقيقة. ثمة ضرر، لكن ليس بحجوم تهدد قدرات سلاح الجو. لكن الكمية تبدو هامشياً: الدراما تكمن في القرار نفسه. البيروقراطية الأمريكية منضبطة: قرار يؤخذ في البيت الأبيض يضرب موجات على طول الإدارة وعرضها.

ما من شيء نحققه باحتلال رفح يساوي الحفاظ على الحلف مع أمريكا. هذا لا يعني أن إسرائيل ملزمة بأن تطيع واشنطن بكل طلب من أو تفزع من كل نقد يأتي من هناك، لكنها ملزمة بأن تفهم بأن الأمر سينجح دوماً. مشوق وجه الشبه بين رابين ونتنياهو. رابين، الذي استقبل كبطل في واشنطن، بعد أن وصل إليها إثر نصر في حرب الأيام الستة، اعتقد انه مسموح له؛ أما نتنياهو فيعتقد هذا حتى اليوم. كل منهما بدوره تعامل مع الرئيس الأمريكي مثل فتى مراهق يعمد إلى إهانة أبيه.

العلاقات الشخصية، الحميمة، القيم المشتركة، مضللة. ففي النهاية، يدور الحديث عن قوة عظمى وعن دولة تسير في المدار. عندما تتضارب المصالح، تنتصر المصالح. لا تفهم واشنطن لماذا يعد مصير أربع كتائب لحماس مهماً بهذا القدر لحكومة إسرائيل. فللمس بحياة مليون ونصف نازح ثمن سياسي؛ وللمس بالائتلاف الذي بناه بايدن مع الدول السنية حيال إيران ثمن استراتيجي وسياسي. بلغ السيل الزبى. يمكن تحليل القرار على النحو التالي أيضاً: حرصت الإدارة على الفصل بين إسرائيل ونتنياهو – نتنياهو شجبوه بل وبعثوا حتى بتشك شومير اليهودي، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ في الدعوة إلى تنحيته؛ أما إسرائيل، الدولة والشعب، فقد حظيت بثناء فقط. الآن، مع التجميد، هم يعاقبون إسرائيل كلها والجيش الإسرائيلي، ببؤبؤ عينهم. دراما عظيمة.

وقف وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ورئيس القوات المشتركة الجنرال تشارلز براون هذا الأسبوع أمام لجنة مجلس الشيوخ. أخذ أوستن على عاتقه الإعلان رسمياً عن التجميد أمام الكاميرات. أول أمس، أضاف وزير الخارجية بلينكن حجراً من جانبه: طاقم من وزارة الخارجية الأمريكية يفحص إذا كانت دول أجنبية تخرق حقوق الإنسان بالسلاح الذي تشتريه من الولايات المتحدة. وأشار الطاقم إلى انتهاكات وأوصى بالعمل. فحصت إسرائيل الحالات وقدمت أجوبة. أول أمس، كان يفترض ببلينكن أن يبلغ الكونغرس بأن الموضوع قد عولج: طهرنا إسرائيل. لكنه أجل البلاغ دون تحديد موعد جديد.

نتنياهو يشكو

قوة مشتركة من لواء “جفعاتي” ولواء المدرعات 401 وصل في سفرية إلى معبر رفح. بدلاً من الإيضاح للمقاتلين ما يحظر عليهم عمله عندما يسيطرون على الهدف، جلبوا لهم حاخاماً تلا لهم آيات الاحتلال. شريط ظهرت فيه دبابة كاسحة لأحرف يافطة غزة، أغرق الشبكات الاجتماعية. واختلط بأشرطة بكاء نساء فلسطينيات اضطررن للنزوح مرة أخرى، هذه المرة من الجنوب إلى الشمال. إذا ما أقرت المرحلة الثانية في احتلال رفح، فسيضطر مئات الآلاف للانتقال شمالاً.

إسرائيل الكاسحة؛ إسرائيل الطاردة؛ إسرائيل المحتلة؛ الضرر كان ولا يزال جسيماً.

إسرائيل “طلقت” العالم أيضاً في قصة صفقة المخطوفين. رجال حماس تصرفوا هذه المرة بحكمة: عندما جلبوا الوثيقة التي تفصّل شروطهم إلى القاهرة، أعلنوا: “حماس تقول نعم للصفقة”، هذا هو العنوان، وهذه هي الرواية دون صلة بالجوهر.

أما إسرائيل ففعلت العكس؛ مكتب رئيس الوزراء الذي تلقى الوثيقة من الموساد، لم يشرك آخرين بها. مرت نحو ساعتين ضربت فيها رواية حماس جذورها في وسائل الإعلام العالمية وفي ردود الفعل الحكومية. كان نتنياهو منشغلاً في ذاك الوقت بخلق روايته، رواية تقول إن الحكومة كلها، بالإجماع، ترفض مقترح حماس بتاتاً. الوزراء، الذين لم يعرفوا ما الذي تقترحه حماس، استقبلوا “إجماعهم” من وسائل الإعلام.

أما الحقيقة فهي أن حماس لم تقل نعم، وحكومة إسرائيل لم ترفض المقترح بالإجماع، لكن كل طرف تمترس بالصورة التي نشأت له. مر يومان، والروايتان لا تزالان تسيطران في وسائل الإعلام. رغم الرفض المطلق، اجتمع كابينت الحرب للبحث في المقترح. في الكابنيت وزير واحد على الأقل يرى في مقترح حماس أساساً للبحث. الوفد الذي بعثت به إسرائيل إلى القاهرة (رؤساء أقسام في الأجهزة وعمداء من الجيش بدلاً من رؤساء الأجهزة ولواء) تلقى أمراً بالبقاء ليومين آخرين؛ للاستماع والصمت. لم يعطَ له أي تفويض. وفد حماس أيضاً بقي، بضغط المصريين. أمس كان يفترض بالوفدين أن يغادرا، بخفي حنين.

مواطن أجنبي التقى نتنياهو مؤخراً، وسمع منه شكاوى قاسية على إدارة بايدن، على وقف التوريد العسكري وعلى النقد الموجه ضده وضد حكومته. طلب المواطن أن يعرف ما هو تفكيره الاستراتيجي، رؤيته، السعودية، إيران، ماذا عن لبنان، ماذا عن أمريكا، تصفية حماس، أجاب نتنياهو.

في ليل 14 نيسان، أطلقت إيران 110 صواريخ باليستية، و36 صاروخاً جوالاً و185 مُسيرة نحو إسرائيل. أجهزة دفاع وطائرات أمريكية أوقفت قسماً كبيراً من الهجوم في سماء العراق. دول عربية سُنية ساهمت بنصيبها في الصد. فهل سيتجند كل هؤلاء للدفاع عن إسرائيل في الهجوم القادم؟ ليس مؤكداً. أخذ الجيش الإسرائيلي بيان تجميد الإرساليات على محمل الجد. معقول الافتراض أن إيران أخذت البيان الأمريكي على محمل الجد.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى