يديعوت احرونوت: يدفنون غزة

يديعوت احرونوت 23/5/2025، ناحوم برنياع: يدفنون غزة
الإسرائيليون الذين شاهدوا المؤتمر الصحفي لنتنياهو أول أمس كان يمكنهم أن يأخذوا انطباعا مغلوطا. بخلاف ما قاله فان سيطرة الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة تجري بسهولة نسبية. فالقوات تجتاح مدنا مدمرة فارغة من السكان. أصداء الانفجارات التي تهز البيوت في غلاف غزة لا تدل على معارك من بيت الى بيت: فلا توجد بيوت؛ لا توجد معارك. وحسب مصادر في الجيش فان 12 ساعة فقط استغرق لاحتلال مدن مثل الشجاعية، التفاح، جباليا. فالمواطنون نزحوا جنوبا. مخربو حماس نزحوا معهم او بقوا في نفق، بانتظار الفرصة للخروج ولقتل مقاتل.
التهديد الأساس هو العبوات التي خلفها المخربون وراءهم. دانيلو موكنو، مقاتل من جولاني قتل في خانيونس بعبوة زرعت في طابق عال من بيت. الطابقان الاولان مشطا. العبوة زرعت في الطابق فوقهما. عندما انفجر البيت انهار على المقاتلين. هذا بانتظارنا على ما يبدو، لاحقا أيضا: قتيل بعبوات، قتيل بنار صديقة. الدبابات ستندفع الى الامام لكن المقاتلين الذين سيعودون من هناك سيروون انهم لم يروا عدوا. هذه حرب من طرف واحد.
عشرة مسؤولين كبار تبقوا في قائمة المرشحين للتصفية. هؤلاء مسؤولون من الدرجة الثانية أو الثالثة، شهداء عابرون. لا معنى لهزم حماس، لان حماس كمنظمة عسكرية هزمت قبل أن تنطلق الحملة المسماة “عربات جدعون” على الدرب. غزة، يقول مصدر عسكري لم تعد تهديدا استراتيجيا.
العدو الملموس هو بيوت وانفاق. الفكر العسكري المحدث يقول انه في كل بيت يقف على حاله قد يختبيء قناص. من تحت كل بيت قد يعمل نفق. الاستنتاج: يجب هدم كل بيت في كل مدينة، في كل قرية، في كل مخيم لاجئين. طوكيو، برزدن، كوفنتري، كل المدن التي تعرضت لقصف مكثف في الحرب العالمية الثانية انهت في وضع افضل من بيت لاهيا، من رفح، من بيت حانون ومما بانتظار خانيونس وغزة.
رئيس الأركان ايال زمير ومعظم جنرالات هيئة الأركان فضلوا صفقة لاعادة كل المخطوفين، انهاء الحرب واستئنافها بعد ذلك، بافتراض ان حماس ستخرق وقف النار. هكذا أيضا رئيس الشباك رونين بار وهيئة اركانه. لكن نتنياهو أملى سياسة أخرى ولم يتبقَ للجيش غير تبني الاملاء، تسويقه للمقاتلين وللجمهور، وتنفيذه بالحد الأدنى من الخسائر.
لقد اعد الجيش خطة عملياتية ورفعها لاقرار الكابنت. وقد استندت الى بضعة افتراضات: الضغط العسكري رقق مواقف حماس عشية الصفقات السابقة؛ مطلوب ضغط لترقيق المواقف هذه المرة؛ اخلاء السكان (في الجيش يستخدمون الاصطلاح المغسول “تحريك”) سيتيح السيطرة على الأرض وتطهيرها وسيشجع احتجاجا ضد حماس؛ السيطرة على المساعدات الإنسانية ستمنع مصدر الدخل للمنظمة وتضعف سيطرتها على السكان. “اليد التي تطعم تبقي الحكم”، يقول مصدر عسكري.
حماس تدفع لنشطائها بالمساعدات. احد الأساليب الذكية. اصطلاحه بالعربية هو “حوالات”: صندوق بندورة اشتري في إسرائيل او في الضفة بثمن معين؛ في القطاع يباع بثمن آخر؛ الفرق ينتقل عبر صرافين في تركيا ويتجسد بمال نقدي. الطريقة ناجحة أيضا في المساعدات المؤطرة، من خلال المنظمات وكذا في المشتريات من خلال التجار.
الشركة الامريكية التي ستوزع الغذاء يفترض أن تبدأ عملها في نهاية هذا الأسبوع. طهرت من اجلها أربعة مجالات – في الجنوب، في الوسط وفي الشمال. الجيش سيفتش ويحرس. المواطنون يتم ادخالهم بعد التفتيش، يتلقون رزمة غذاء ويخرجون. ماذا سيفعلون بالرزمة عندما يلتقون في خيمة النزوح، رجل حماس، ليس واضحا. الموضوع لم يعالج بعد.
إسرائيل – صفر نقاط
لم تولي الخطة العسكرية وزنا مناسبا لمشكلتين: والادق القول، للفيلين في الغرفة: الأول، انعكاس الوضع في غزة في وسائل الاعلام العالمية وعبرها في الحكومات الصديقة؛ الثاني، التداعيات على اليوم التالي.
التقارير في وسائل الاعلام ركزت على الفظائع: طفلة تتضور جوعا؛ جثامين تحت الأنقاض؛ طرد جماعي، بالعربات، على الاقدام، صرخة نساء، مدن مدمرة. هذا ما يعرف التلفزيون كيف يفعله، هذا ما تعرف الشبكة الاجتماعية كيف تشعله. منظمات حقوق الانسان ساهمت بنصيبها. لإسرائيل لم يكن جواب، واذا كان فهي لم تعرف كيف تسوقه.
نتنياهو علق بين الحاجة لان يشرح في العالم بان ما تفعله إسرائيل في غزة ليس رهيبا بقدر كبير، وبين الحاجة لاقناع سموتريتش، بن غفير والقاعدة بان ما تفعله إسرائيل في غزة رهيب وفظيع.
في الطريق الى إعادة احتلال غزة فقدت إسرائيل حكومات صديقة في أوروبا. حكومة إيطاليا اليمينية هي الخسارة البارزة. لا تقل أهمية الانعطافة التي طرأت في حكومة بريطانيا. يوجد لها أيضا تداعيات امنية واقتصادية في وقف توريد الذخائر والاتفاق التجاري. وحتى حكومة المانيا تزن سياستها من جديد. مع كل الاحترام للتصويت في الايروفزيون، أوروبا تأخذ بالابتعاد.
والان أمريكا أيضا. الخطة التي اقرت في الحكومة بنيت على اساس ان ترامب، بخلاف بايدن، سيبدي صفر حساسية لحياة المدنيين في غزة. إسرائيل ستتمتع باسناد مطلق. لكن ترامب يبلور اراءه وفقا لما يراه في التلفزيون. يحتمل الا يكون حساسا لحياة الغزيين لكنه حساس لمشاعر شركائه التجاريين في السعودية، قطر والامارات. انتقاد ترامب أجبر نتنياهو على السماح بإدخال مساعدات إنسانية قبل وقت مما أراد، ومباشرة الى ايدي حماس. في البداية القى المسؤولية على الجيش. وعندما لم ينجح هذا اتهم منتقديه في إسرائيل.
في صباح يوم الثلاثاء، اجري في الجيش تقويم للوضع تضمن بحثا في النقد على إسرائيل في أمريكا وأوروبا. “نحن لا نزال في مرحلة التلميح”، اجمل ضابط كبير. وافترض بان دخول الشركة الامريكية، الانخفاض المتوقع في عدد القتلى وتوسيع المساعدات ستوقف المطالبات بالعقوبات. تقديره كان متفائلا.
التداعيات على اليوم التالي تكشف هوة بين رؤيا الجيش ورؤيا الحكومة. نتنياهو يتحدث عن سيطرة إسرائيلية في غزة كلها، الى أبد الآبدين، وترحيل طوعي لقسم كبير من السكان. سموتريتش يتحدث عن استيطان وحكم عسكري.
عمليا، الجيش يشق الطريق لتحقيق رؤيا الجناح المسيحاني في الحكومة. حين كل ما يتبقى من غزة هو كومة ضخمة من الأنقاض، يصبح الاستيطان حلا في متناول اليد يكاد يكون مطلوبا.