يديعوت احرونوت: مسيرة السخافة

يديعوت احرونوت – ميخائيل ميلشتاين – 10/8/2025 مسيرة السخافة
ظاهرا، كل إسرائيلي سيوافق على الأهداف التي عرضتها الحكومة في الخطة التي قررتها: نزع سلاح حماس وتجريد القطاع. سيطرة امنية إسرائيلية، حكم جديد في المنطقة، وفوق كل شيء تحرير المخطوفين. المشكلة، مثلما مع معظم قرارات الحكومة منذ بداية الحرب تكمن في الفجوة الغريبة بين قرارات حاسمة تنبع ظاهرا من استراتيجية مرتبة وبين الواقع نفسه. وهذا يؤدي بمعظم العالم بان يشك بان إسرائيل لم تعد تعمل بتفكر وفي الداخل يبعث على عدم الثقة.
لا توجد نقطة في الخطة لا تثير علامات استفهام ثاقبة بالنسبة لامكانية التنفيذ: كيف بالضبط سينفذ اخلاء نحو مليون فلسطيني في مدينة غزة، وماذا يحصل اذا ما رفض بعضهم النزوح؛ أولم يستوعب بانه لا يمكن في نفس الوقت تحقيق حسم لحماس وتحرير مخطوفين؛ من هو بالضبط ذاك المحفل المجهول الذي يفترض أن يحكم في غزة؛ ولماذا الحاجة لتوسيع جهاز المساعدات الإنسانية الجديد (GHF) الذي ثبت كفشل ذريع الذي على ما يبدو سيحتدم اذا كثرت مهامه كما هو مخطط.
يشكل قرار الحكومة فصلا جديدا وعاصفا على نحو خاص من مسلسل الخيالات التي تطرح، تفشل، لا يحقق فيها وبالتالي تتكرر الأخطاء الكامنة فيها بلا انقطاع. خطة الاحتلال تقوم على أساس ذاك الخلل إياه الذي ينعكس في أفكار المدينة الإنسانية او التمسك برؤيا ترامب. ايمان بالقدر على هندسة واقع ووعي بشكل آلي ونقي. وبقدرة الاقتصاد على تغيير التجربة وهي عناصر أساس في المفهوم المغلوط في 7 أكتوبر.
كثيرون في الحكومة، ورئيسها أساسا، يتباهون بمعرفة تاريخية عميقة، لكنهم يصرون على تكرار أخطاء الماضي بما فيها تلك التي ارتكبوها هم انفسهم، مثل تنمية الميليشيات والعشائر، والتي تعني عدم التعلم من التاريخ الإسرائيلي القريب والبعيد. يحاول نتنياهو اليوم اقناع الاسرة الدولية بانه يعمل على “تحرير الغزيين من حماس” (رسالة تنقل بالانجليزية لان الجمهور الإسرائيلي لن يقبل بها بل سيثور ضدها). مساعي تسويق كهذه فشلت في حروب الولايات المتحدة في فيتنام وفي العراق، في حروب السوفيات في أفغانستان، وعندما اجتاحت إسرائيل لبنان في 1982. فقد رفضت الشعوب أن ترى في المحتل “محررا” ومن غير المتوقع للامر ان يتغير في حالة الغزيين، الذين يحطم عداؤهم لإسرائيل أرقاما قياسية عقب الحرب.
الخيار الوسط الذي تم اختياره بدلا من احتلال كامل للقطاع، أي السيطرة “فقط” على مدينة غزة وافراغها هو تعبير آخر عن الميل المتواتر والضار لتبني طرق وسطى بدلا من حسم واضح، مثلما ينطوي على طريقة الاجتياحات بدلا من الاستيلاء على الأرض او إقامة GHF كوسيلة غير مباشرة لتقويض حماس. يبدو أنه في بواطن اغلبية الحكومة يمتنعون عن حكم مليوني فلسطيني وبالتالي يختارون طرقا وسطى تمدد الحرب.
حتى قبل ان تبدأ خطة الاحتلال في التحقق، تجبي منذ الان من إسرائيل ثمنا باهظا وعلى رأسه تسريع التسونامي الدولي الذي من المتوقع أن يصل الى ذروته بعد نحو شهر حول الاعتراف الواسع المخطط له لدولة فلسطينية. فضلا عن النقد من ارجاء العالم تبدو واضحة مؤشرات مقلقة مثل قرار المانيا (صديق مخلص لإسرائيل) الا تبيع لإسرائيل وسائل قتالية كفيلة بان تستخدمها لغزة. في إسرائيل يصرون على الا يفهموا بان التضامن الواسع معها والثقة التي منحت لها بسبب مذبحة 7 أكتوبر يتبددان. وان العالم لم يعد مستعدا لان يقبل خطواتها وعمليا لا يؤمن بان للحكومة أهدافا واضحة باستثناء استمرار الحرب.
نتنياهو عمليا يصبح شاذا من بين رؤساء الوزراء في إسرائيل ممن تصدوا منذ إقامة الدولة لمعضلة غزة. تاقوا للسيطرة على الأرض لكنهم امتنعوا عن المسؤولية عن جموع الفلسطينيين، معظمهم لاجئون، ما وصفه اشكول “عروس إشكالية يرافقها مهر بلاد إسرائيل. بعد تردد عسير فضلوا في النهاية الانسحاب من القطاع (رابين، شارون) او الا يحتلوها مثلما تصرف بن غوريون، أولمرت وحتى نتنياهو نفسه في حملة الجرف الصامد، عندما سُرب أيضا العرض الافتراضي الذي اعد في الجيش الإسرائيلي وذلك على ما يبدو كي يثير ضغطا يحبط الاحتلال.
أولئك الذين يتمسكون في إسرائيل بالاحتلالات ويعرفون أفكار وقف النار بـ “السائبة”، ينسون أن يشرحوا للجمهور، بشكل صادق وواعي ما هو الثمن الذي ستكبده الاحتلالات بما في ذلك التنازل عمليا عن تحرير المخطوفين، الغرق الطويل في الوحل الغزي، عبء لا سابق له على منظومة الاحتياط وعزلة دولة محتدمة؛ لا يتكدبون عناء التفكير في الخلل الكمن في أن القيادة المسؤولة عن اخفاق 7 أكتوبر، والذي يحتمل أن تكون تمثل في هذه اللحظة اقلية تفرض خطوة دراماتيكية كفيلة بان تغير دراماتيكيا حياة الإسرائيليين وصورة الدولة، وبعضهم حتى يغطي على دوافعه الأيديولوجية للاحتلال بتبريرات (استراتيجية – امنية) على ما يبدو انطلاقا من التطلع الى “تسويق” الفكرة أو الفهم بان الشعارات حول الاقتراب من الخلاص لا تحظى بتأييد جماهيري واسع.
قرار الاحتلال يعزز الإحساس بان إسرائيل تفقد على نحو مثابر الإنجازات المثمرة التي حصدتها في اثناء الحرب، وتتكبد بالتدريج اضرار استراتيجية جسيمة وبالاساس تدهور حاد في مكانتها الدولية وشرخ متسع في الداخل حول مسألة غاية الحرب. قلة هي الحالات في التاريخ كان فيها السير نحو الهوة واعيا ومليئا بالثقة بهذا القدر، رغم إشارات تحذير لا حصر لها ووجود غير قليل من محطات التوقف على الطريق. لو كانت المؤرخة بربارا توخمان على قيد الحياة اليوم، لكانت كرست فصلا بل وربما كتابا كاملا لمسيرة السخافة الإسرائيلية التي تتقدم نحو غزة.