ترجمات عبرية

يديعوت احرونوت: غزة على الطاولة

يديعوت احرونوت – ناحوم برنياع – 4/7/2025 غزة على الطاولة

أمام المشهد المبهج الذي سيقع بعد ثلاثة أيام في البيت الأبيض ليس أمامي غير ان أقتبس آية من المصادر. “مومستان تثنيان الواحدة على الأخرى”، كُتب في تلمود بابلي. حنه زيمر الراحلة، محررة صحيفة “دافار” كانت تمتشق هذه الاية في كل مرة ترى فيها سياسيين يزيفون المحبة امام الكاميرات. ذات مرة، في اثناء رحلة عمل الى إسطنبول قفزت الى غلاتا، الذي كان حي النوافذ في المدينة. أزقة ضيقة، ظلماء، بيوت مكشوفة، نساء متدللة، مزينة، تمدح الواحدة الأخرى امام الزبائن. “فما بالك تلاميذ الحكماء”، كتب الحكماء. أناس حكماء كانوا اسيادنا. عندما ترون ترامب ونتنياهو ينحنيان الى الامام في كرسييهما الفاخرين في الغرفة البيضوية، شعرة فقط تفصل بينهما، يهزان رأسهما، يضحكان، يثنيان الواحد على الاخر بمدائح مبالغ فيها – تذكروا تلمود بابلي. 

نتنياهو طلب من البيت الأبيض تقديم موعد زيارته: فهو يعرف كم يمكن لمضيفه ان يكون متغير المزاج. اذا ما سار كل شيء كما كان مخططا، فان الزيارة في واشنطن ستدمج احتفالا على ايران بانقاذ من غزة. ترامب وتغريداته يفترض أن يشكلوا وزنا مضادا لكل تهديد يطلقه سموتريتش وبن غفير قبيل انسحاب محتمل. رغم اشتياقنا الشديد لحكم عسكري في غزة، لاستيطان مستوطنين رمال تل السلطان وبيت لاهيا، لتحويل فتيان التلال الى فتيان الشاطيء، لا يمكننا أن نكون ناكري الجميل لرئيس اعطانا فوردو.

“منذ 11 أكتوبر 2023 لا يفعل نتنياهو الا سياسة حزبية”، قال لي هذا الأسبوع شخص عمل معه على مدى معظم الفترة (في 7 أكتوبر أصيب بصدمة، مرت بالتدريج؛ في 11 أكتوبر اتخذ القرار السياسي الحزبي الأول في كابنت الحرب). 

الآراء في الساحة السياسية منقسمة: هل وجهته الى تسوية تخرج الجيش الإسرائيلي من معظم غزة، تعيد المخطوفين، تشق الطريق الى التطبيع مع السعودية وتسمح له بالإعلان عن انتخابات مبكرة والانتصار فيها – ام وجهته لتبييض استمرار حكم الائتلاف الحالي، دون المخاطرة في انتخابات، في ظل تعميق الشرخ الداخلي والانقلاب النظامي.

توجد مؤشرات الى هنا والى هناك. التغيير في مكانة المخطوفين وعائلاتهم هو مؤشر من نوع ما. تحرير مخطوفين لم يكن في أي مرة هدفا بحد ذاته: كان أداة، وسيلة. في البداية نتنياهو أنكر وجودهم: كانوا المشكلة التي محظور الاعتراف بها. في صالحهم، بالطبع، مثلما قالت سارة نتنياهو.

بعد ذلك اصبحوا عبئا، عدوا، عملاء حماس. عيناب تسنغاوكر، الزعيمة والرمز للكفاح من اجل الصفقة، لاحقوها بلا رحمة، هددوها بموت ابنها وبموتها. وعندها وصلنا الى المرحلة الثالثة، المرحلة التي فيها فيها نتنياهو بانه يتورط في غزة. صفقة لتحرير المخطوفين أصبحت هدف الحرب الأساس. عائلاتهم عادت لتكون اعزاء الامة. اذا كان نتنياهو يسعى الى انهاء هذه القصة السيئة في غزة، فان المخطوفين وعائلاتهم سيشقون له الطريق.

التغيير في قضية التجنيد هو مؤشر معاكس. اذا كانت وجهة نتنياهو للتسوية وللانتخابات، لكانت حاجة لان يبعد نفسه عن الحريديم. فتملص الحريديم من الخدمة هو سم سياسي: فهو مكروه من ناخبي الليكود العاديين ومكروه على نحو خاص في المجتمع الصهيوني – الديني، الذين يريد نتنياهو أصواتهم. على الرغم من ذلك مارس ضغطا هائلا على يولي ادلشتاين، رئيس لجنة الخارجية والامن. في مقلوب على مقلوب، الحرب مع ايران أيضا كانت حجة في صالح قانون التملص: لا يجب هز الائتلاف في وقت الحرب.

أدلشتاين انكسر، على ما يبدو. مسودة القانون افرغت من العقوبات الشخصية التي فرضت على رافضي التجنيد. المخصصات المالية اعيدت. إقرار القانون كما هو، بتأييد الكتل الحريدية، سيثير معارضة جماهيرية واسعة حتى من مؤيدي الحكومة لكن سيسمح لها بمواصلة البقاء. هذا مؤشر. ولتعقيد الأمور اكثر من ذلك، ثمة من يصدر سيناريو آخر، لا يقل صخبا: وجهة نتنياهو الى التسوية، الى إعادة المخطوفين، الى الخروج من معظم غزة، الى انهاء الحرب، الى التطبيع مع العالم العربي السني. بعد أن ينهي هذه الحملة ا لعظيمة سيوقع على صفقة إقرار بالذنب مع الادعاء العام في محاكمته ويعتزل، في ذروة مجده، محوط بمحبة الشعب كله واعجاب العالم. هو تعب، قال لوزير سابق. هل سيعتزل، سألت. العائلة لن تسمح له، قال. 

كيف تعطلت العربات

في 16 أيار انطلق الجيش الإسرائيلي الى حملة سميت “عربات جدعون”. شاركت فيها أربع فرق ولاحقا خمسة. رغم انهم في الجيش لا يعترفون بذلك حتى الان، فان خيبة الامل كبيرة. امام النجاحات العسكرية المبهرة في لبنان وفي ايران، الحملة في غزة، صحيح حتى كتابة هذه السطور، تتلخص بفشل ذريع. الدافع كان سياسيا حزبيا، القرار كان قرار رجل واحد والثمن عال: عشرين مقاتلا من الجيش قتلوا في حزيران، قتيلان في أيار وقتيلان آخران في الأيام الاولاى من تموز؛ مئات من غير المشاركين ممن قتلوا في الجانب الفلسطيني. صور قاسية في العالم. مؤشرات صحوة من حماس. 

اعمال الاحتلال دحرت السكان نحو دائرتين كبيرتين وأخرى صغيرة: دائرة غزة واحيائها؛ دائرة المواصي؛ وجيب اصغر من قلب خانيونس حتى اطراف مخيمات الوسط. الاشتباه هو أنه في كل دائرة كهذه يوجد مخطوفون احياء. كل تقدم للجيش من شأنه ان يكلف بحياتهم. 

كي نفهم كيف تعطلت “عربات جدعون” في رجال غزة، علينا ان نرجع الى الوراء، الى الجدول الزمني الذي عرضه الجيش على الكابنت في أكتوبر 2023. فقد تحدث الجدول الزمني عن ثلاث مراحل قتالية تنتهي بتفكيك حماس بعد 11 شهرا حتى سنة. 

لقد كانت للحرب خمسة اهداف معلنة. ليس في هذا الترتيب: تصفية القوة العسكرية لحماس؛ تصفية قيادتها؛ ضمان حرية العمل لإسرائيل؛ إقامة حكم آخر في غزة، إعادة المخطوفين. الأهداف الثلاثة الأولى تحققت في نيسان – أيار 2024 قبل اكثر من سنة. اما الهدفان الاخيران فقد استوجبا خطوة سياسية، ليس عسكرية. 

نتنياهو رفض القيام بالخطوة الإضافية. فقد تخوف من تفكيك الحكومة. الرفض كل حياة مخطوفين ومقاتلين، الحكومة راوحت في المكان في غزة لسنة وعندها انطلقت الى حملة عسكرية يمكن ان نسميها “حرب سموتريتش” او “حرب نتنياهو”. الحجة كانت ان الحملة ستجلب صفقة حسب الشروط التي طرحتها الحكومة. هذا لم يحصل. الحقيقة هي ان هذا ما كان يفترض بها أن يحصل. اهداف الجيش الإسرائيلي صيغت حسب الاماني، وليس حسب الامكانيات الواقعية على الأرض. الخطابات المتفائلة لرئيس الأركان وللالوية استهدفت رفع معنويات المقاتلين. عمليات رئيس الأركان ايد صفقة شاملة، تعيد كل المخطوفين وتقيم وقفا دائما للنار (حماس لم تتحدث في أي مرة عن وقف تام للحرب مع إسرائيل. فوقف الحرب يتعارض وايديولوجيتها. على حد نهجها هي مستعدة للهدنة أو تهدئة لزمن محدد). 

التجربة تدل على أن الجانب الفلسطيني بقي بشكل عام في موقفه؛ اما حكومات إسرائيل فتغير المواقف كل الوقت. اذا كان ثمة الان امل في صفقة فهو ينبع أساسا من التغيير الذي طرأ، اذا كان طرأ في الخطة السياسية لنتنياهو. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى