يديعوت احرونوت: غزة زاوية مقديشو

يديعوت احرونوت 3/6/2025، آفي كالو: غزة زاوية مقديشو
كتاب مارك باودن “Black Hawk Down” الذي كتب قبل اكثر من عقدين، اصبح مع السنين اسطورة سينمائية وابداعا هاما في صحافة الحرب الحديثة. فقد أجاد الكتاب في تحويل حدث عسكري مأساوي الى حكمة عميقة عن تعقيدات الحروب عديمة التعريف الواضح. ورغم ذلك، أصر رؤساء امريكيون على مدى السنين على تكرار الخطأ إياه في القرن الافريقي وفي الصومال – حين جربوا فرض النظام في الفوضى في دول ضعيفة مثل أفغانستان والعراق، وبقدر ما في ليبيا أيضا. هذه التجارب انتهت باخفاقات مدوية. أفغانستان أصبحت عش دبابير الإرهاب؛ العراق في عصر ما بعد صدام حسين أصبحت امتدادا للحرس الثوري الإيراني؛ اما ليبيا فاصبحت بؤرة عدم استقرار إقليمي.
بعد نهاية سنتين ونصف من ولاية حكومة نتنياهو السادسة، واضح للجميع أن ليس في يدها أي قدرة على أن تدير خطابا استراتيجيا عاما متقدما بالنسبة لقطاع غزة، وعمليا – ليس لها هذه القدرة على الاطلاق. لا بينها وبين نفسها (في ضوء البطانية المسيحانية لرئيس الوزراء نتنياهو من لحظة اقامتها في ضوء الاضطرارات القضائية لرئيسها)؛ لا بينها وبين الجيش الإسرائيلي وأجهزة الامن في ضوء انعدام القدرة على تطوير خطاب نقدي، معقد وموضوعي في مسائل الساعة الملحة. وبالتأكيد ليس بينها وبين “شركائها” في العالم. العزلة الدولية المتزايدة على إسرائيل هي أيضا عزلة إسرائيلية عميقة تؤثر جدا على ساحات العمل من ايران عبر اليمن وحتى قطاع غزة. هذا، مع استثناء واحد – لبنان، حيث قيادة آلية تنفيذ ضمان وقف النار هي بالأساس للجيش الإسرائيلي وليس للدولة – والنتائج بناء على ذلك.
واضح ان حكومة إسرائيل تهرب من البشرى بالنسبة لمستقبل غزة. فهي غير معنية ببديل حقيقي آخر لحكم منظمة الإرهاب كي تحافظ على الرواية التي تسمح بحرب المئة سنة في غزة لكن لا تبقي أيضا “عنوانا” مسؤولا ما في القطاع – لا منظمات دولية ولا حتى جهات محلية في الميدان – وبالتأكيد لا البديل الأسوأ لحكم عسكري إسرائيلي في القطاع. بغياب حسم واضح بالنسبة لمستقبل القطاع من شأن هذا ان يتدهور الى وضع فوضى تجعله مقديشو الشرق الأوسط: منطقة تسودها الفوضى وتشتت القوة، تتحكم فيها فصائل مسلحة ذات أفكار راديكالية تتصارع فيما بينها على النفوذ من خلال استخدام القوة، توزيع الغذاء وجباية الخاوة. هذا ليس سيناريو مخيف من دولة ممزقة وبعيدة – بل واقع محتمل يتشكل هنا والان على مسافة سفرية قصيرة من مركز البلاد.
في سيناريو خطير وحيال انعدام الوسيلة المقلق والمتواصل لحكومة إسرائيل، هذه الفوضى لن ترتدي بالضرورة شكل منظمة الإرهاب مؤطرة بل كفيلة بان تنشأ من رعاع عنيف ومنفلت. هؤلاء هم أجزاء واسعة من الجمهور الغزي الذي يعد اكثر من مليوني نسمة ويتعرضون في العقود الأخيرة لمسيرة ممنهجة في كراهية إسرائيل. التخوف الذي بموجبة على مسافة دقائق عن الحدود تقوم مقديشو الفلسطينية هو مشكلة عويصة لا تتطلب فقط تعزيز الامن الجاري والباهظ بل يمس باحساس الامن الحيوي جدا لاعادة بناء ثقة بلدات الغلاف، إعادة السكان الى بيوتهم وازدهار متجدد لاحد اقاليمنا الجديدة في البلاد.
يبدو أن الفوضى التي تلوح في القطاع مع انقضاض الجمهور الجائعة على مراكز توزيع المساعدات في رفح تؤكد كم هو تلعثم ا لحكومة في الموضوع يجرنا جميعا في فراغ خطير؛ وكم كانت صفقة مخطوفين شاملة ولا تزال امر الساعة وبداية المخاض لترتيب “اليوم التالي”، فضلا عن جانبها القيمي، الإنساني واليهودي الكامن في قلب الحاجة لاعادتهم، وجميل ساعة واحدة مبكرا.