يديعوت احرونوت: سوريا تواجه تحديات عديدة أساسها الانقسام الطائفي

يديعوت احرونوت 13/12/2024، ميخائيل ميلشتاين: سوريا تواجه تحديات عديدة أساسها الانقسام الطائفي
بعد أن تنتهي الاحتفالات وتتحطم آخر تماثيل الأسد في الميادين، سيتعين على السوريين ان يجيبوا من يحكمهم، وأساسا هل ستواصل سوريا الوجود أم ستنشأ ثلاث – أربع سوريات. دمشق، وسوريا كلها تشبه اليوم برلين بعد 1945 التي قسمت الى مناطق نفوذ بين القوى المختلفة، والتحدي الكبير هو هل سينجحون في العمل معا والحفاظ على وحدة الدولة”. أقوال الكاتب عبدالرحمن الراشد في “الشرق الأوسط” تبرز المعضلة الثاقبة التي تكمن في داخل ومن الخارج لسوريا في الأسبوع الأخير، مطلوب الكثير من التفاؤل كي يصدق المرء بان سوريا ستصعد من الان فصاعدا الى مسار مستقر. فمن خلف مظاهر الفرح وتوزيع الحلوى ينتظر واقع متكدر: طوائف يوجد بينها عداء تاريخي وحسابات دموية لم تصفى؛ قيادة جديدة هي جملة واسعة من المنظمات (بعضها جهادية) دون قاسم مشترك ومع الكثير من الكراهيات الداخلية: استمرار النبش من اياد خارجية تحمي رعايا وتحاول السيطرة على ممتلكات في الدولة المتفككة؛ انعدام إطار لساحة سياسية حديثة ومجتمع مدني؛ ودولة اقتصادها وبناها التحتية مدمرة بعد 13 سنة من الحرب الاهلية.
في هذا تشبه سوريا العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين في 2003. في الدولتين لم يكن معروفا حتى انهيار النظام القديم الصندوق الأسود للقوى الاجتماعية والعلاقات بين الطوائف. عندما سقط نظام البعث في العراق انطلقت من صندوق المفاسد كل شياطين الماضي، بخاصة الصراعات بين الطوائف وصعدت أو نشأت قوى جديدة بما في ذلك داعش. نجح العراق في البقاء، وان كان بشكل متعثر، أساسا بسبب النسغ الأمريكي الذي حافظ عليه. الامر غير موجود في سوريا ويثير التساؤل ما الذي سيربط بين جملة المنظمات والطوائف.
اللبناني نديم قطيش، مدير عام شبكة “سكاي نيوز” بالعربية يوصي بان نكون شكاكين حول طبيعة الجماعات السائدة في النظام الجديد وبخاصة هيئة تحرير الشام برئاسة أبو محمد الجولاني (احمد الشرع). “يجدر بالذكر ان حكم الخميني في بداية عهده ترافق وآمال بنظام جديد وليبرالي، وهكذا أيضا الحكم قصير الأمد للاخوان المسلمين في مصر بعد اسقاط مبارك في 2011، والذي رأى فيه الكثيرون بداية نظام ديمقراطي. نحن نعرف التاريخ المخادع هذا ونعرف ما كانت مزايا تلك الأنظمة الواعدة عمليا”.
كما أن الباحثة السعودية أمل الهزاني تقترح النظر بحذر، وان كان بتفاؤل اكبر قليلا. “بتأخير 14 سنة نضجت ثمار الربيع العربي في سوريا أيضا، لكن الاحتفال سابق لاوانه. علامة الاستفهام المركزية تتعلق بالجولاني. في الأسبوع الأخير حاول تثبيت حكومة انتقالية ومن خطاب النصر الذي القاه في المسجد الاموي ومن المقابلات مع وسائل الاعلام الغربية ينعكس هجر شعارات الماضي المتطرفة في صالح نظام جيد ومستقر”.
“أسوأ من اليهود”
الاكراد في سوريا يشكلون 10 في المئة من السكان، هم الشكاكون المركزيون تجاه الوضع الجديد ولهم أسباب وجيهة لذلك. “زعماء مثل الجولاني لا يمكنهم أن يغيروا طبيعتهم”، يشرح د. اكرم نعسان، نشيط كردي – سوري بارز يسكن في المانيا وعاد في الأيام الأخيرة الى منطقة عفرين حيث ولد. “الاكراد كانوا دوما الطائفة الأكثر ظلما في سوريا. وهم عالقون في بقعة أليمة بين تركيا والمنظمات الإسلامية المتطرفة، جهتين تعاونتا في اسقاط الأسد. من ناحية الإسلاميين، الاكراد أسوأ من اليهود، وفي بعض المناطق في شمال سوريا وقعت منذ الان احتكاكات بين الطرفين، معقول الافتراض انها ستتعاظم”.
شكوك من نوع آخر يتميز بها الدروز، الذين يعدون 3 في المئة من السكان. “جبل الدروز، وبخاصة مدينة السويداء، كانا بؤرة مركزية في الثورة ضد الأسد، والدروز قدموا المساعدة للكثير من اللاجئين المسلمين في جنوب سوريا. لكن كانت أيضا جيوب تأييد لنظام الأسد مثل قرية الحضر، الامر الذي يلزم الدروز بان يثبتوا بانهم جزء من الثورة”، يشرح دولان أبو صالح، رئيس مجلس مجدل شمس حيث رفعت في ميادينها المركزية اعلام سوريا الجديدة. “علامة الاستفهام المركزية تتعلق بالجولاني المعروف مع تيار معاد لكل الطوائف غير السُنية في سوريا بما فيها الدروز”.
قلق طائفي مختلف تماما يبرز بين العلويين، الأقلية التي حكمت سوريا في الـ 54 سنة الأخيرة بقوة الذراع وتخاف الان من تصفية الحسابات، التي بدأت مظاهرها في الأسبوع الأخير في شكل تصفيات واعدامات.
الخاسرة المركزية من سقوط الأسد هي ايران التي قدم مركزية في معسكر المقاومة الذي قادته قطعت وبذلك يضاف الى الضربات القاضية التي تعرض لها حزب الله الذي مع قطع أنبوب التنفس الإيراني يفقد دراماتيكيا من قوته. يدور الحديث عن ضربة تاريخية لطهران، التي شعرت حتى قبل بضعة اشهر بان النجوم في الشرق الأوسط تترتب لصالحها. الوضع الجديد يثير هناك جملة واسعة من ردود الأفعال: بدء من النقد الداخلي اللاذع على المقدرات والدماء التي استثمرت سنوات طويلة وضاعت هباء، عبر الخوف من ان تتجه جهود إسرائيل (والولايات المتحدة) الان ضد النظام الإسلامي، وانتهاء بجهود التليين، مثل الإعلانات بان ايران ستبقبل حسم الشعب السوري والموافقة على رفع العلم السوري الجديد في السفارة السورية في طهران.
“منذ الان ينشأ حساب نفس ثاقب في طهران، يترافق واتهام كبار رجالات النظام والحرس الثوري بما يلوح كفشل ذريع لاستراتيجية طويلة السنين”، يشرح الباحث د. فرزين مديني من معهد واشنطن. “التحولات في سوريا ولبنان ستلزم ايران بالاستثمار في العراق اكثر واساسا لغرض منع تهديدات مستقبلية من سوريا بخاصة إمكانية انبعاث داعش. إضافة الى ذلك ستتأكد أهمية العراق في الصراع ضد إسرائيل، ويحتمل ألا تكتفي الميليشيات الشيعية باطلاق المسيرات الصواريخ الجوالة وستنتقل الى صواريخ باليستية. الضربات الأخيرة ستدفع ايران الى تسريع انتاج الصواريخ وبالطبع التقدم في المشروع النووي انطلاق من التقدير بان إسرائيل والولايات المتحدة تطوران دافعية هجومية ضد النظام الإسلامي، ما يفترض ردعا وضمانة للحصانة مثلما تصرفت كوريا الشمالية”.
حماس منعزلة
في الخلفية ينشأ في العالم العربي بحث حول مسألة هل تبشر الحرب بنهاية معسكر المقاومة الذي تقوده ايران وبالتشكيك بمفهوم المقاومة الذي أساسه حرب عصابات وإرهاب ضد إسرائيل وسعي لاستنزافها حتى لو كان الامر يجبي ثمنا باهظا. في الشرق الأوسط يتساءلون هل الشهية الكبيرة للوكلاء هي التي أدت الى الهزيمة. فقد اقاموا مكانة حكم (حماس)، تمأسسوا عسكريا (حزب الله) وطوروا تطلعات لهزيمة إسرائيل. وقفوا امامها جبهويا، وهكذا اصبحوا قابلين للإصابة وتعرضوا لضربات قاضية حتى لو لم يبادوا.
المنتصر في الدراما الحالية هو بلا شك اردوغان الذي دعم معظم المنظمات التي قادت الهجوم الحالي. “هو الحاكم الحقيقي اليوم في دمشق”، يدعي د. نعسان. ويؤكد ذلك د. حي ايتان كوهن ينروجك من جامعة تل أبيب فيقول: “لقد شخص اردوغان فرصة تاريخية في ضوء غرق روسيا في الحرب في أوكرانيا والاصابات الشديدة التي تعرضت لها ايران وحزب الله وبادر الى خطوة لتعزيز النفوذ الاستراتيجي التركي في المنطقة. في الخلفية توجد رؤيا العثمانية الجديدة التي تتطلع الى استعادة المجد التركي في العودة الى القيادة في العالم السني، وترى في الحرب خطوة لصد القوى الشيعية بقيادة ايران، مثلما كان في القرن السادس عشر.
للولايات المتحدة وزن مركزي في اليوم التالي في سوريا. في هذه المرحلة تركز واشنطن على منع جهد تركي لسحق القوى الكردية التي يساعدها الامريكيون ولا سيما ميليشيا YPG. اما باقي الجماعات فليس للولايات المتحدة صلة حقيقية، يشرح روبرت فورد السفير الأمريكي في سوريا بين 2011 – 2014. “لقد نجح الجولاني حتى الان في المفاجأة بنهجه، والتوقع المركزي منه هو ابداء التسامح تجاه الأقليات، وبخاصة المسيحيين، وهي المسألة القريبة من قلوب الأمريكيين. في نظرة الى الامام سوريا تكون في توتر بين تعب اغلبية سكانها من 13 سنة حرب أهلية وخوف من الغرق في مصير مثل مصير ليبيا بعد اسقاط القذافي وبين خصومات القوى الداخلية وغياب تقاليد اللعبة السياسية، الامر الذي من شأنه بالتأكيد أن يهدد وحدة الدولة”.
دون البحث عن طفيليات
في ضوء الدراما التي لا تزال في ذروتها فان إسرائيل مطالبة بنهج متوازن. ترك النشوة بروح حرب الأيام الستة التي سادت في تغطية السيطرة على جبل الشيخ السوري وتدمير سلاح الجو السوري وتذكر المزايا الأساس للحارة التي تعلمناها بشكل مأساوي في 7 أكتوبر. لقد كان الأسد عدوا مريرا وسقوطه هو ضربة قاضية لمعسكر المقاومة بقيادة ايران. لكن سوريا في اليوم التالي ليست بلاد الفرص بل مصدر للعديد من التحديات.
أولا، يجب الامتناع عن الاخيلة والتذكر كيف نظرنا في البلاد الى سقوط صدام والربيع العربي. فقد تحدثنا عن شرق أوسط جديد، ليبرالي، مزدهر ومستقر، وتجاهلنا التحذيرات من الفوضى والإرهاب المحتملين.
ثانيا، يجب مواصلة تدمير البنى التحتية للجيش السوري والقدرات غير التقليدية والسلاح المتطور خشية وقوعه في ايدي الثوار، الى جانب الاحتفاظ العاقل في المنطقة العازلة في هضبة الجولان مع التأكيد بانه مؤقت ومحدود.
في المدى الابعد من الضروري تبني نهج حذر متواضع وواع أساسا. من الحيوي تطوير علاقات مع جماعات قريبة من الحدود لأغراض امنية مع الحذر من مغامرات عايتها إعادة تصميم سوريا ومن شأنها ان تجتذب إسرائيل عميقا الى الداخل مثلما حصل في لبنان 1982. الحلم الإسرائيلي العتيق “لاكل الحمص في دمشق” يجدر احالته جانبا مع الاعتراف أيضا بانه سيمر وقت وستطل تحديات عديدة في الطريق الى العاصمة السورية.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook