يديعوت احرونوت: تقديم الاتفاق على أنه “نصرٌ كامل” قد يُثير مفاهيم جديدة وخطيرة

يديعوت احرونوت 12/10/2025، ميخائيل ميلشتاين: تقديم الاتفاق على أنه “نصرٌ كامل” قد يُثير مفاهيم جديدة وخطيرة
مع نهاية عملية “حارس الاسوار” في أيار 2021، خلص كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين إلى أن حماس قد تلقّت ضربةً موجعةً، وانكسرت عزيمتها أكثر من أي وقت مضى. وعلى أساس هذه الغطرسة، تطوّر المفهوم الذي انهار في أكتوبر/تشرين الأول 2023. إن إصرار الكثيرين في إسرائيل على وصف اتفاق إنهاء الحرب في غزة بأنه إنجازٌ دراماتيكي، على وشك تحقيق نصرٍ كامل، يُذكّر بسابقة الماضي الكئيب، ويثير مخاوف بشأن نشوء مفاهيم مغلوطة جديدة.
إلى جانب الفرحة المُبررة بالإفراج المُرتقب عن المختطفين، والإشادة بالإنجازات العسكرية الحقيقية، من الضروري الحفاظ على رؤية دقيقة للواقع، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء والنقاش المُتحيز للمصالح السياسية والايدلوجيات. هذا ليس “مرارةً” وتشاؤمًا، بل هو النهج السليم والمتوازن للتعامل مع واقع مُعقد، يحمل في طياته إنجازاتٍ باهرة وثغراتٍ تحتاج إلى سدّ.
لقد علّمنا السابع من أكتوبر ضرورةَ أن نبني تحليلنا ليس فقط على تحليلنا للواقع، بل أيضًا على تحليل الطرف الآخر. تُدرك حماس حجم الدمار الذي ألحقته بالقطاع، لكنها لا ترى في الاتفاق هزيمة، بل تشخص انجازات، وأبرزها مزاعمها بحصولها على ضمانات لإنهاء الحرب، وأنها رغم الضربات غير المسبوقة التي تلقّتها، صمدت، بل ولا تزال القوة المهيمنة في غزة.
مسألة نزع سلاح حماس هي جوهر الانقسام الإسرائيلي
مسألة نزع سلاح حماس هي جوهر الانقسام الإسرائيلي. لم تلتزم حماس بهذا (ولم يُصرّ ترامب على هذه النقطة)، وتُشير الحركة إلى أنها ستوافق، كحد أقصى، على “تجميد” قوتها العسكرية أو التخلي عن “الأسلحة الهجومية”. في إسرائيل، يُفترض على نطاق واسع أن المرحلة الثانية من الاتفاق ستُجرّد حماس من قدراتها العسكرية، لكن هذا لا يمكن تحقيقه عمليًا إلا باحتلال القطاع بأكمله والحفاظ على السيطرة عليه لفترة طويلة. وإذا لم توافق الحركة على ذلك (وهو سيناريو شبه مؤكد)، فستضطر إسرائيل إلى العودة إلى القتال، ربما في انتهاك للضمانات التي قدمها ترامب لإنهاء الحرب.
إضافةً إلى ذلك، من الضروري وضع علامات استفهام حول التصريحات المتشددو والتي انطلقت في إسرائيل الأسبوع الماضي، والتي عُرضت على أنها “حقائق”. من أبرزها التأكيدات على أن الاتفاق الحالي يختلف جذريًا عن المبادرات التي سبقته في العام الماضي (وهذا غير حقيقي)؛ وأن حماس تخلت عن أمور لم توافق عليها سابقًا (لم تستبعد إطلاق سراح جميع الرهائن وتشكيل حكومة جديدة مقابل إنهاء الحرب)؛ وأن الضغط العسكري مكّن من “الوضع الجديد” (الحركة لا تتخلى عن سلاحها، وتعارض أيضًا “مجلس السلام” الذي دعا إليه ترامب).
حقيقة أخرى تحتاج إلى توضيح هي أن الاتفاق الحالي يفتقر إلى الوضوح، وخاصةً فيما يتعلق بالمرحلة الثانية. في هذا السياق، تبرز أسئلة قد تُشكّل عقبات: كيف ستُدار عملية تحديد مكان الرهائن القتلى وإعادتهم، وهي محور هذه المرحلة؟ هل ستواصل إسرائيل الانسحاب الإقليمي، وهل سيشمل ذلك أيضاً منطقة الغلاف و”فيلادلفيا” كما تطالب حماس؟ كيف ستبدو الحكومة المحلية الجديدة التي يُفترض تشكيلها في قطاع غزة؟ وفوق كل ذلك، ماذا سيحدث عندما (كما هو متوقع) تنشأ أزمة تتعلق بنزع السلاح؟
مقبرة للأوهام العديدة التي انتشرت بشأن غزة
يُشكّل الاتفاق الجديد مقبرةً للأوهام العديدة التي انتشرت بشأن غزة، وخاصةً منذ استئناف إسرائيل للقتال قبل ستة أشهر. ولكن انهيار هذه المدينة له ثمن لن يدفعه أحد على الأرجح: الجهد الكبير المبذول في تخطيط المدينة الإنسانية، وإدارة الهجرة الطوعية التي أنشئت في وزارة الدفاع، وآلية المساعدات الإنسانية الجديدة (GHF) التي تتطلب استثماراً ضخماً والتي يتم التخلص منها تدريجياً (وصفها سموتريتش بأنها “منعطف استراتيجي في الحملة”)، والميليشيات التي رعتها إسرائيل، وتثير ملاحقاتها معضلة حول ما إذا كان ينبغي حمايتها أم لا.
يجب أن تنضم الأوهام التي انهارت إلى التحقيق المتعمق في جذور فشل السابع من أكتوبر. وهذا دليل قاتم آخر على حقيقة أن أولئك الذين خلقوا مفهوم السابع من أكتوبر واستمروا في تشكيل الواقع دون التحقيق في إخفاقاتهم، ينتجون، كما هو متوقع، مفاهيم جديدة. الإحباط هذه المرة أكبر، لأن الأوهام كانت مصحوبة منذ البداية بإشارات تحذيرية حادة (بما في ذلك في المقالات التي كتبتها). وهذا يثير السؤال حول مدى تحسن إدراك القيادة للواقع وفهمها للعدو. إن حقيقة أن حماس وافقت على إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء دفعة واحدة، على عكس العديد من التقييمات في المنظومتين السياسية والأمنية، وكذلك في وسائل الإعلام، توضح أن إنتاج المفاهيم لم يتوقف للحظة بعد السابع من أكتوبر ويتسبب بثبات في أضرار استراتيجية.
في هذه المرحلة، يجب على إسرائيل التركيز على أهداف واقعية بدلًا من الأوهام، وأهمها ضمان حرية التحرك ضد أي تهديد ناشئ في قطاع غزة، وخاصةً التخطيط للهجمات وتهريب الأسلحة، كما هو مطبق في لبنان منذ نحو عام؛ ونشر قوة أجنبية – يُفضل أن تكون أمريكية – على محور “فيلادلفيا”، المسار الذي تحولت من خلاله حماس من منظمة إرهابية إلى جيش. وبما أنه من غير المتوقع أن تتلاشى حماس في غزة – ولا في باقي الساحة الفلسطينية، وخاصةً في الضفة الغربية – فمن المرجح أنها ستحاول استعادة قوتها ومواصلة التخطيط لكيفية الإضرار بإسرائيل بأساليب وساحات متنوعة. وهذا يتطلب من إسرائيل، بعد انتهاء الحرب، إعداد النظام المستقبلي للقضاء على حماس، وهذه المرة بشكل استباقي ورصين، على غرار الجولة الثانية المطلوبة، على ما يبدو، ضد التهديد النووي الإيراني.
للجمهور الحق في خطاب صريح وناضج ومعقد، خالٍ من محاولات التلاعب بالوعي وغرس الروايات. يجب توضيح أن الاتفاق هو أهون الشرور، وهو أفضل من احتلال القطاع والبقاء فيه لأجل غير مسمى. ومن المهم بشكل خاص تجنب تصوير الاتفاق – لاعتبارات سياسية – على أنه “نصر باهر”، تمامًا كما هو الحال مع التسوية الاقتصادية عشية السابع من أكتوبر، والتي وُصفت بأنها وصفة سحرية لحل مشكلة غزة. إن إدراك الثغرات والظلال في الواقع الناشئ أمرٌ أساسيٌّ لدقة تحديد التحديات والتخطيط لمواجهتها، وهو ما لم يكن عليه الحال عشية السابع من أكتوبر.