يديعوت احرونوت: تسونامي امريكي في غزة
يديعوت احرونوت 16/11/2025، د. ميخائيل ميلشتاين: تسونامي امريكي في غزة
بعد أكثر من شهر من التوقيع على اتفاق انهاء الحرب في القطاع (9 أكتوبر) يتضح الماضي، الحاضر والمستقبل. أولا، ينكشف بشكل ثاقب الجواب على سؤال كيف وصلت إسرائيل الى نهاية القتال. إعلانات كبار رجالات الإدارة الامريكية، وعلى رأسهم الرئيس ترامب والمقابلات الصحفية معهم لا تدع مجالا للشك: إسرائيل أجبرت على انهاء القتال في اعقاب الهجوم الفاشل في قطر الذي اثار في واشنطن اشتباها جسيما بشأن خروج استراتيجي عن التوازن. فالحرب لم تنتهي لان الضغط العسكري نجح بل لان ترامب قرر بان حربا بلا حدود زمنية وتخطيط تلحق ضررا بإسرائيل لكن بواشنطن أيضا.
منذ 9 أكتوبر يتبين أيضا ما هو الواقع الجديد في القطاع. فمن خلف التباهي الإسرائيلي بانه لم يكن انسحاب من كل القطاع، تختبيء حقيقة أن الجهة التي تملي اليوم التالي في المنطقة هي الامريكيون، وهؤلاء يصادرون من إسرائيل بالتدريج الحصرية على مجالات الفعل المختلفة. القيادة التي أقيمت في كريات جات يفترض أن تكون القدم المتقدمة في تدخل غير مسبوق من واشنطن في النزاع، وحسب تقارير مختلفة ستضاف اليها قاعدة كبرى في حدود القطاع. لقد ثبتت الهيمنة الامريكية في غزة بضع مرات: موافقة ترامب على قبول جواب حماس على خطة العشرين نقطة خاصته رغم أنه لم يتضمن استعدادا لنزع السلاح؛ المطالبة بمواصلة المسيرة رغم خروقات فظة من جانب حماس (أساسا الحوادث التي سقط فيها ثلاثة جنود إسرائيليون في منطقة رفح والتأخير في إعادة جثامين المخطوفين)؛ المطالبة بالاذن لكل خطوة مدنية لكن أيضا عسكرية في غزة.
في إسرائيل لا يزال مقررو السياسة يعلنون بانه يمكن في كل لحظة معينة العودة الى القتال، احتلال أراض من القطاع بل وكله، وفي النهاية إبادة حماس. في هذا تنعكس فجوة آخذة في التعمق مقابل موقف الأمريكيين من غزة. فضلا عن ذلك، يبدو ان كل خطوة يدفع بها الامريكيون قدما تستهدف تثبيت واقع جديد على الأرض بشكل يقيد حرية عمل إسرائيل ويصعب عليها جدا العودة الى القطاع.
ذرى جديدة في التسونامي الأمريكي ستكون في الأسبوع القريب القادم حين يؤتى للتصويت في مجلس الامن بخطة ترامب لليوم التالي في غزة وفي مركزها نشر قوات اجنبية في المنطقة. إقرار المقترح ليس مضمونا (في ضوء تحفظ روسيا والصين)، لكن يبدو ان المسودات المطروحة منذ الان تكشف تحديات مركبة: ادماج رجال السلطة الفلسطينية في إدارة غزة والاشارة الى إمكانية إقامة دولة فلسطينية.
قضية المخربين العالقين في الانفاق في رفح تعكس هي الأخرى الفجوة المتسعة بين القدس وواشنطن. في إسرائيل تتصاعد أصوات كثيرة – أساسا من جانب سياسيين ومحللين – ممن يطالبون بابادة او على الأقل اعتقال مخربين، بخلاف الولايات المتحدة التي تطالب بان يضعوا سلاحهم ويتمكنوا من العودة الى الأراضي التي تحت سيطرة حماس او يتم نفيهم الى الخارج ما يعبر بالطبع عن الرفض لضعضعة وقف النار.
بقدر ما تصر إسرائيل على التمسك بخيالات ضارة مثلما في نصف السنة منذ 18 اذار وحتى نهاية الحرب، فانها ستفقد حضورها، واساسا قدرتها على فرض الفيتو في مواضيع هامة: حكومة مستقبلية في القطاع مع شخصيات ترتبط بحماس او قوات دولية على حدود إسرائيل من دول معادية (وعلى رأسها تركيا).
ان تطلع ترامب للتقدم في حفظ الاتفاق من شأنه أن يدفع واشنطن لقبول حلول وسط، حتى وان كانت على حساب إسرائيل – مثلا الموافقة على أن ينزع السلاح الهجومي من حماس، دون ان يكون مطلوبا الإعلان عن نزع كامل للسلاح. في ضوء التقرب من استكمال المرحلة الأولى من الاتفاق قد يتزايد الضغط الأمريكي على إسرائيل لتعميق الانسحاب من الخط الأصفر.
تقف إسرائيل في مفترق استراتيجي وعليها أن تعترف بانها تقف في هذه اللحظة امام امكانيتين فقط: الصدام مع ترامب ووضع خطوط حمراء امامه (سيناريو قابل للتنفيذ – لكن سيجبي ثمنا باهظا) او الاعتراف بالواقع المتغير ومحاولة الحفاظ على حرية عمل قصوى (أساسا الحق في الضرب المتواصل للتهديدات الناشئة، مثلما في لبنان)، وكذا حق الفيتو في ضوء قرارات تكون في تضارب حاد مع المصالح الإسرائيلية. في المستقبل الابعد يحتمل أن تطرح مرة أخرى إمكانية العودة الى القتال – اذا ما رفع ترامب يديه في ضوء إصرار حماس فيقر ذلك لإسرائيل.
يتيح انهاء القتال المكثف في غزة لإسرائيل نظرة استراتيجية واضحة على ساحات مواجهة أخرى. هكذا تتجلى حقيقة أنه رغم الإنجازات المبهرة في لبنان وايران – فان العمل لم يكتمل، ويستوجب جهدا إضافيا لتعميق الضربة التي لحقت بالعدو. تركيز الاهتمام في غزة والتمسك بالعودة الى قتال واسع هناك يضعفان القدرة على الاهتمام بساحات اهم، وليس اقل أهمية – بالشرعية الدولية وبخاصة الامريكية.



