يديعوت احرونوت: انشغلت حكومة إسرائيل بايقاع الأذى الاقتصادي بصحيفة هآرتس
يديعوت احرونوت 25/11/2024، ناحوم برنياع: انشغلت حكومة إسرائيل بايقاع الأذى الاقتصادي بصحيفة هآرتس
وقع أمس حدث استثنائي في حياتنا: حكومة إسرائيل اتخذت قرارا. وليس مجرد اتخذته – بل اتخذته بالاجماع. في الوقت الذي ملأت فيه عشرات الصواريخ من حزب الله، المنظمة التي هزمناها، وجه السماء ويركض فيه ملايين الإسرائيليين القلقين الى المجالات المحصنة، انشغلت حكومتنا في مسألة تقلق وزراءها حقا: كيف تخوزق اقتصاديا وسيلة إعلامية.
الوسيلة الإعلامية هي صحيفة “هآرتس”. وزير الاتصالات شلومو كرعي، بالتشاور مع نتنياهو، طرح على الحكومة مقترحا يقول ببساطة: الحكومة وكل الهيئات الممولة منها ستمتنع عن أي نشر في هذه الصحيفة ولن ترتبط بها باي طريقة. السبب المعلن: كلمتان في خطاب القاه الناشر والمالك لـ “هآرتس” عاموس شوكن في مؤتمر في لندن. شوكن دعا في خطابه إرهابيين فلسطينيين “مقاتلي حرية”.
اكثر مما يدل قرار الحكومة على الصحيفة وعلى ارائها، يدل على طبيعة الحكومة الحالية، قيمها ونواياها. سأصل الى هذا. في هذه الاثناء يخيل لي ان القاريء يتوقع مني شروحات: أولا ما هو رأيي عن تصريح شوكن؛ ثانيا، ما هو رأيي في صحيفة “هآرتس”.
جميل. اعتقد أن شوكن اخطأ مرتين: مرة في ان الناس الذين يقتلون عن عمد، بنية مبيتة، نساء، أطفال، غير مشاركين، ليسوا مقاتلي حرية – هم ارهابيون. هذا التشخيص حرج من ناحية أخلاقية كما أن له جوانب عملية. مرة ثانية، هي انه ليس التطلع الى الحرية هو الذي يحرك الإرهابيين. النظام الذي يسعون اليه هو اصولي إسلامي في حالة حماس، طغمة مالية ذات نزعة قوة في حالة تنظيم فتح. هؤلاء وأولئك يسعون الى استبدال الاحتلال باحتلال.
كُتّاب في “هآرتس” انتقدوا بحدة اقوال شوكن. وكان النقد لشرفهم وشرف الصحيفة. فقد عملوا مثلما عمل منتخب كبير من كُتّاب الرأي في “يديعوت احرونوت” بعد نشر التسجيل من محادثة نتنياهو ونوني موزيس. ليس لطيفا للصحافي ان يهاجم الناشر الذي يعيله وينشر على الملأ ثمار عمله. أحيانا لا مفر.
“هآرتس” تصل الى بيتي كل صباح مع “يديعوت”، في كيس نايلون واحد. صحيفتان مختلفتان وخير أن هكذا. كلتاهما تساهمان مساهمة هائلة في تثقيف الجمهور، في يقظته، في فهمه. هكذا أيضا هيئات الاعلام الأخرى، هيئة البث والهيئات التجارية. في إسرائيل الاعلام الحر هو مراقب الدولة، هو المعارضة، هو حامي الحمى: دوره حيوي. المسلسل التلفزيوني الذي يبث في الأسابيع الأخيرة عن ناشرين وحروبهم يفوت الامر الأساس: الاعلام الإسرائيلي افضل واهم بكثير من حروبه الداخليه. المجموع يفوق مساهمة كل جسم اعلامي على حده.
وزراء الحكومة الحالية لا يفكرون هكذا، وهذا حقهم. حكومات سابقة أيضا لم تحب الاعلام ولم ترضى عنه. الفارق هو بالافعال. عندما تنشر الحكومة والهيئات المستعينة بها إعلانات في “هآرتس” فانهم يقدرون بانه يوجد قراء ستجديهم المعلومات. الحكومة لا تصنع معروفا لهيئة إعلامية عندما تنشر فيها. هي تقدم خدمة للجمهور وتنفع نفسها وتنفع الدولة.
لكن وزراء الحكومة – بالاجماع – تعتقد خلاف ذلك. هم يتعاطون مع ميزانية وزاراتهم كامتياز اعطي لهم، كمال سياسي إضافي. والأخطر من هذا – يتعاطون مع ميزانية الدولة كوسيلة ابتزاز. اذا كنت تمجدهم فستحظى بميزانيات النشر. اذا كنت تنتقدهم فستفلس. مشروع الهدم الذي بدأ بهيئة البث ينتقل الان الى الصحف ومن هناك سيصل الى قنوات التلفزيون والإذاعة ومواقع الاخبار. هذا نجح في هنغاريا فلماذا لا ينجح في إسرائيل.
أو، للأسف، سيكبح القرار في الطريق، وعندها ستثبت مرة أخرى لقاعدتك بان محكمة العدل العليا والمستشارة القانونية هما العدو والدولة العميقة تتحكم بالدولة.
هذا خطير ومقلق لكنه مسلم أيضا. فتخيلوا حالة متطرفة: مسرح الكامري يطلب نشر اعلان عن مسرحية جديدة. بدون إعلانات، يعرف المسرح، ما تشترى البطاقات. لا، يقول الوزير كرعي. انت تتلقى مساعدة من هيئة حكومية، انت تقيد نفسك ببيع البطاقات لمشاهدي القناة 14 فقط. رفائيل تريد ان تعرض وظائف للمهندسين. لا ولا، سيأمر كرعي. المهندسون فقط في قنواتي.
كل شيء مرتبط. كرعي إياه يدفع قدما الان بقانون يمنح حصانة شاملة من المحاكمة لاعضاء الكنيست. لفين يؤيد. “كل الحيوانات متساوون”، كُتب في “مزرعة الحيوانات” لجورج اورويل. يأتي الخنازير ويضيفون جملة: “لكن توجد حيوانات تساوي اكثر”.
نتنياهو هو دب جريح، فزع، عدواني، منتقم وحاقد. مناجاة تسع دقائق ونصف نشرها في منتهى السبت جسدت لكل الإسرائيليين وضعه. الأيام التي حاول فيها لجم وزرائه محبي الهدم انقضت ولم تعد. القرار بشأن “هآرتس” لن ينتهي بـ “هآرتس”.