يديعوت احرونوت: المفاوضات التي منعت الانفجار

يديعوت احرونوت 18/4/2025، رون بن يشاي: المفاوضات التي منعت الانفجار
رئيس الوزراء لم يتفاجأ حقا عندما بلغه مبعوث الرئيس ترامب ستيف ويتكوف عند زيارته واشنطن ببدء مفاوضات بين الولايات المتحدة وايران – المفاوضات التي بدأت يوم السبت الماضي في مسقط عاصمة عُمان.
يمكن الافتراض أن إسرائيل كانت على علم بالخلافات في الإدارة حول مسألة النووي الإيراني. من جهة معسكر الصقور وعلى رأسه مستشار الامن القومي مايكل فالتس ومسؤولو البنتاغون ممن يطلبون التدمير التام للبرنامج النووي الإيراني. ومن الجهة الأخرى نائب الرئيس جيدي فانس، وزير الدفاع بيت اغسف، رئيسة الاستخبارات تولسي غبارد والمبعوث ويتكوف الذين يسعون الى اتفاق يشمل تجميدا للبرنامج ورقابة متشددة. قبل بضعة أيام من رحلة نتنياهو العاجلة الى الولايات المتحدة كان واضحا بان يد المعسكر المعتدل هي العليا.
وأفادت “نيويورك تايمز” في ليل يوم الأربعاء على لسان مسؤولين كبار في الإدارة بان إسرائيل “بمشاركة كاملة مع الولايات المتحدة خططت لهجوم على منشآت النووي في ايران، ويحتمل في الشهر القادم، لكن الرئيس ترامب استخدم الفيتو على العملية في صالح القناة الدبلوماسية. وحسب التقرير، في 2 نيسان التقى قائد المنطقة الوسطى الامريكية الجنرال مايكل كوريلا مع مسؤولين إسرائيليين كبار واطلعهم بذلك. اما نتنياهو الذي كان في هنغاريا فقد اتصل بترامب في محاولة لارجاعه عن قراره. اما الرئيس فأجاب بانه غير معني بان يبحث في ذلك هاتفيا ودعاه الى البيت الأبيض.
خرج نتنياهو من لقائه مع ترامب بيدين فارغتين. فليست الخطة العسكرية فقط تبقت حاليا على الورق بل وتبين أيضا بان للرئيس ولرجاله لا توجد خطة متبلورة لخوض المفاوضات وما يريد ان يحققه من خلالها باستثناء الا يكون لإيران سلاح نووي. من توقع منه قولا صريحا عن التزامه بتصفية البرنامج النووي الإيراني – خاب ظنه.
العبث هو ان ايران توجد اليوم في قمة ضعفها كدولة وكمجتمع، لكن في نفس الوقت هي دولة حافة نووية يمكنها في غضون اشهر معدودة من لحظة القرار أن تحوز سلاحا نوويا عملياتيا وبه تهددنا وتهدد دول المنطقة بل وحتى أوروبا والولايات المتحدة. عمليا، ايران تقترب من مكانة كوريا الشمالية التي تحوز سلاحا نوويا وصواريخ بعيدة المدى وبالتالي تتمتع بالحصانة.
في جهاز الامن في اسرائيل مقتنعون باننا اذا لم نعمل في غضون اشهر معدودة لإزالة التهديد، فاننا سنفوت فرصة تاريخية. بتقدير كل محافل الامن في إسرائيل، وكذا محافل غير قليلة في البنتاغون وفي اسرة الاستخبارات الامريكية، فان إنجازات حرب السيوف الحديدية، واساسا الهجوم الأخير في ايران، الى جانب التدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه تشكل نافذة فرص لهجوم على منشآت النووي وتدميرها من الأساس. نافذة الفرص ستكون مفتوحة لزمن قصير، ربما فقط لاشهر. ما أن تغلق، حتى يكون الهجوم اقل نجاعة بكثير وسيجبي ثمنا اكبر ممن سيهاجم. اعتبار هام آخر هو ان كوريلا، الذي يؤيد الهجوم على منشآت النووي سينهي مهام منصبه بعد عدة اشهر، ولا يمكن أن نعرف ماذا سيكون موقف بديله وكم يمكن الاعتماد عليه في أن يقف الى جانب إسرائيل في هذه المسألة.
هذه الفرضيات الأساس هي التي أدت الى خطة الهجوم التي عرقلها ترامب. وحسب “نيويورك تايمز” فقد أمر نتنياهو بداية الجيش الإسرائيلي ان يعد خطة تدمج بين اجتياح كوماندو لمواقع نووي تحت أرضية وبين هجوم من الجو. لكن هذا الخيار شطب عن جدول الاعمال. نتنياهو أراد أن ينفذ هجوما مبكرا قدر الإمكان، قبل ان تغلق نافذة الفرص، وفي جهاز الامن بدأوا يبلورون خطة بديلة لهجوم جوي واسع يحتاج الى مساعدة أمريكية – ليس فقط في الدفاع عن إسرائيل من رد إيراني بل وأيضا في الجانب الهجومي.
بالمناسبة، في إسرائيل لا يغضبون على التسريب الأمريكي ويفهمون بانه جاء لخلق ضغط على ايران وللاظهار بان التهديد العسكري جدي وملموس، ناهيك عن أن ليست كل التفاصيل التي نشرت في “نيويورك تايمز” دقيقة.
التطلع: نموذج القذافي
لاجل فهم الوضعية الحالية ينبغي تحليل الاعتبارات الاستراتيجية للولايات المتحدة، لإسرائيل ولايران.
الرئيس ترامب، في ولايته الثانية والأخيرة، يريد أن يدخل صفحات التاريخ كمن وضع حدا لنزاعات مضرجة بالدماء في ارجاء العالم من خلال المفاوضات التي يرى نفسه خبيرا فيها. واذا كان ممكنا أيضا الحصول على جائزة نوبل وعلى الطريق زق اصبع في عين كريه روحه بايدن – يكون افضل. الواقع الحالي في الشرق الأوسط يبدو في نظر الرئيس ومستشاريه كفرصة لتحقيق مبتغاه، وهو يريد أن يحقق هذا الإنجاز في زيارته القريبة الى المنطقة، في نهاية أيار او بداية حزيران. ترامب معني بان يعلن عن صفقة تضع حدا لتطلعات ايران بسلاح نووي وتوسيع اتفاقات إبراهيم من خلال اعلان السعودية عن التطبيع مع إسرائيل.
رحلة ترامب الى الشرق الأوسط ستكون منعطفا في الساحة العالمية. وبدون إزالة التهديد النووي الإيراني – هذا لن يحصل. وعليه فقد أوضح الرئيس بانه غير مستعد لان يضيع الوقت على مفاوضات طويلة وانه اذا لم يتحقق اتفاق، فانه سيفعل الخيار العسكري الذي جمد حاليا.
التهديد ليس فارغا من المضمون. فالولايات المتحدة تجمع قوة هجومية ودفاعية واضحة في الشرق الأوسط بل وتمنح ايران نموذجا لقدراتها ونواياها حين تقصف بلا انقطاع الحوثيين في اليمن. لكن في إسرائيل يخشون من أن يكون جمع القوة والتهديدات التي يطلقها ترامب تستهدف أساسا خلق ضغط وعي على ايران وفي النهاية لن يرغب في تبذير أموال دافع الضرائب الأمريكي على حرب أخرى في الشرق الأوسط وتعريض جنود أمريكيين يرابطون في القواعد في العراق، قطر، السعودية والبحرين للخطر. وعليه، كما يقدرون في القدس، سيفضل ترامب المساومة على اتفاق نووي سيء على أن يتمكن من التباهي بانجازاته الدبلوماسية.
في جهاز الامن وفي المستوى السياسي في إسرائيل يسود اجماع على أنه محظور الاكتفاء باقل من التدمير التام للقدرات النووية الإيرانية. بمعنى: تفكيك منشآت التخصيب وأجهزة الطرد المركزي، التدمير التام لمفاعل المياه الثقيلة والإخراج الى دولة ثالثة كل اليورانيوم المخصب الذي جمعته ايران. إضافة الى ذلك تطلب إسرائيل كشف وهدم منشآت تطوير وإنتاج السلاح النووي نفسه بما في ذلك الرؤوس المتفجرة النووية للصواريخ. إسرائيل تفضل أن يجري هذا على ايدي الأمريكيين وباشرافهم، بشكل لا تتمكن فيه ايران من إعادة ترميم وتطوير البرنامج النووي العسكري لديها ومنظومات انتاج الصواريخ الباليستية والصواريخ الجوالة.
من خلف كل هذا يوجد فهم استراتيجي إسرائيلي يعتقد بان تفكيك البرنامج النووي الإيراني سواء بطريقة عسكرية ام بمفاوضات سيوجه ضربة شديدة لنظام ايات الله قد تؤدي الى سقوطه – مثلما حصل لنظام القذافي في ليبيا. وعندها فقط كما هم مقتنعون في القدس، سيزال عنا التهديد النووي. طالما بقي النظام على حاله، فستتمكن ايران من إعادة بناء البرنامج النووي. العملية العسكرية التي خططت لها إسرائيل، وكبحها ترامب حسب “نيويورك تايمز” كان يفترض بها ان تخلق ظروفا محسنة لانهيار النظام في طهران.
أما ايران، التي تستشري فيها البطالة وعملتها توجد في اسفل الدرك في كل الأزمنة، فمعنية أساسا برفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا عنها، ولتكون لها إمكانية تصدر النفط، أساسا للصين. لكنها لن توافق على التنازل عن مكانتها كدولة حافة نووية. وحتى لو وقعت على صفقة مع الولايات المتحدة فانها ستتطلع لان تبقي في يديها القدرة على الاقتحام الى سلاح نووي في غضون أسابيع أو اشهر قليلة. وهي اليوم قادرة على ان تصل الى جهاز متفجر نووي في غضون 12 يوما وفي غضون أسابيع قليلة ان تحوز على ما يكفي من المادة المشعة – أي اليورانيوم المخصب لمستوى 90 في المئة – تكفي لست قنابل. لإيران توجد أيضا ترسانة من مئات الصواريخ الباليستية والصواريخ الجوالة، لبضع عشرات منها على الأقل قدرة كامنة لان تحمل رأسا متفجرا نوويا.
إسرائيل وان كانت ضربت بشكل شديد قسما من قدرات الدفاع الجوي الإيرانية التي تحمي منشآت التخصيب بل ودمرت، حسب منشورات اجنبية، الخلاطات المتطورة التي بواسطتها تنتج الوقود الصلبة للصواريخ. لكن لا تزال لدى ايران الاف أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي بنتها منذ انسحب ترامب من الاتفاق النووي في 2018، ولا تزال لديها منشآت تطوير وإنتاج الصواريخ. ويقدر الخبراء بان التخلي عن هذه الوسائل، فما بالك عن البرنامج النووي كله سيمس مسا شديدا بمكانة النظام بل وكفيل بان يؤدي الى انهياره، كما تتطلع إسرائيل.