يديعوت احرونوت: العيون جفت من الدموع

يديعوت احرونوت – ناحوم برنياع -31/1/2025 العيون جفت من الدموع
أربيل يهود قامت بخطواتها الأخيرة في الطريق الى الحرية. الضغط كان واضحا على وجهها. الاكتظاظ، الضجيج، الغبار، المعرفة بان حياتها سائبة في ايدي حراس مسلحين كان يسعدهم في ظروف أخرى أن يقتلوها. الطريق التي لا تنتهي من سيارة واحدة الى سيارة أخرى، في داخل الجموع. اذا كان ثمة شيء ما إيجابي في المشهد ممزق الاعصاب في خانيونس، كان في تذكير الإسرائيليين، والمشاهدين من خارج إسرائيل أيضا، بان الأسر في غزة لم يكن رحلة. تماما لا. من شاهد عودة المراقبات، سليمات ومعافات كان يمكنه ان يعتقد أن الشيطان ليس رهيبا جدا: دخلنَ سليمات، خرجنَ سليمات. رحلة ترفيه في غزة. ليس هذا هو الواقع.
ومع ذلك الصور مضللة. الجموع لم تطلب الدم – بل تسعى للتوفيق. وهم لم يكونوا مختلفين كثيرا عن الجموع الذين يحتشدون في المظاهرات، في الجنازات، في المهرجانات. الخطر يكمن في الحشر، في فقدان السيطرة. ليس هذا هو الحدث الذي يبرر تسمية الجموع الغزي “بالحيوانات البشرية”.
“لا يوجد غير مشاركين في غزة”. قضى في ضوء الصور محلل القناة 12 الموغ بوكر. هذا القول يتكرر على لسان كثيرين، في الجيش أيضا، منذ 7 أكتوبر. لست واثقا ان الناس يفهمون حتى النهاية الى أين يؤدي بهم هذا القول: اذا لم يكن غير مشاركين في القتال في غزة، فلا يوجد غير مشاركين في إسرائيل. الأطفال أيضا مشاركون، وكذا الشيوخ والرضع أبناء يومهم. كلهم جنود. هذا هو التفكير الأساس لمنظمات الإرهاب: مسموح لنا ابادتهم جميعهم حتى آخرهم. اذا لم نبيدهم، هم سيبيدوننا. هذه هي العقيدة التي غذى بها يحيى السنوار النخبة تمهيدا لـ 7 أكتوبر. الى أن اوصلته، كلنا نعرف. أما نحن فقد اوصلتنا الى الافساد الداخلي، الى مقتل قواتنا والى أوامر اعتقال في لاهاي. القاعدة الصحيحة بسيطة: اذا كان مقاتلا، فهو مشارك؛ اذا لم يكن مقاتلا فهو غير مشارك. لو كنا حرصنا على هذه القاعدة، ما كان الجيش الإسرائيلي ليقتل هذا الأسبوع كوبي افيتان، سائق تراكتور كانت تشغله وزارة الدفاع في محور نتساريم. “حادثة مؤسفة”، قالوا في الجيش. ليست حادثة مؤسفة – بل تفكير مؤسف.
صفقة المخطوفين الزمت إسرائيل بان تبتلع عودة حماس الى الحكم في غزة – هي الشريك. سياسة النعامة لحكومة إسرائيل توجت حماس من جديد على غزة، والصفقة أجبرت الإسرائيليين على ان يروا النتيجة بعيونهم. الصور لخصت اللحظة: إما حماس او الفوضى. من زاوية نظر أربيل، في الطريق الى سيارة الصليب الأحمر، حماس كانت مفضلة.
عنها فكرت وعن جماعة نير عوز كلها، التي استقبلت امس غادي موزيس وأربيل لكنها تذكرت أيضا عوديد ليفشتس، الذي لم يصل، ومخطوفيها وشهدائها جميعا. الفرح ممزوج بالحزن، بالقلق، بالغضب. العيون جفت من الدموع.
في رأس نتنياهو
ليست كل السفريات زائدة: نتنياهو يسافر يوم الاحد الى واشنطن لزيارة هامة، شبه حيوية. هذه الزيارة ستعلمه، وربما تعلمنا أيضا، الى أين وجهتنا هل للحرب والضم ام لانهاء صفقة المخطوفين، للانسحاب، للمفاوضات وللتطبيع. حتى لو كانت كل الشائعات عن امراض نتنياهو صحيحة، فان سفريته كانت واجبة الواقع.
نتنياهو وترامب هما زعيمان مسؤولان عن اضرار جسيمة الحقت بشعبيهما – كل واحد في يومه، كل واحد بطريقته. أي منهما لم يتحمل المسؤولية، أي منهما لم يتصدى لذنبه. أعطيت لهما الان فرصة للإصلاح – خطوة ذات مغزى في حالة ترامب، خطوة حرجة في حالة نتنياهو.
هل السفرية تبرر تأجيلا إضافيا لشهادة نتنياهو في محاكمته؟ بالتأكيد نعم، وليس فقط بسبب أهمية سفريته. شهادته هي مهزلة: فهي تسخر بالمحكمة حين يكون حاضرا ويلقي خطابات طويلة، عديمة الصلة، عن فكره الديمقراطي – وتسخر بالمحكمة حين يغيب. المحاكمة، التي كان يفترض بها ان تكون الدليل المؤكد على انه توجد في إسرائيل مساواة امام القانون، تثبت حاليا العكس: لا توجد مساواة. يوجد متهمون متساوون ويوجد متهم يساوي اكثر. ليس تفوق المحكمة هو الذي يعرض في القبو الأمين في شارع وايزمن في تل أبيب، بل انبطاح القضاة، قصر يد الادعاء، غرور الدفاع. اربع سنوات ونصف ضائعة، محرجة، خمس بعد قليل، ولا نزال نرى النهاية.
مندلبليت، الذي كان المستشار القانوني للحكومة قرر عدم الاكتفاء بالجنايات البسيطة ظاهرا، السهلة على الاثبات، في ملف 1000 أضاف اليها 2000 و 4000. هو وطريق النواب العامين لديه، لم يفهموا الى أي نفق طويل يدخلون الدولة.
في واشنطن سيلتقي نتنياهو ترامب 2.0 – نموذج مختلف تماما عن ترامب الولاية الأولى. في الجولة السابقة تحدث عن ثورة: في هذه الجولة هو مصمم على أن يحدثها، بسرعة، بقوة وبشكل غير رقيق. الثورة النظامية من تأسيس لفين وروتمان هي لعبة أطفال مقارنة بالبلطة التي يلوح بها الان ترامب على العرب، التقاليد وقواعد اللعب في الديمقراطية الامريكية. “هو يحمل صلاحيات الرئيس حتى مداها الأخير وبعدها يوسعها قليلا”، كتب، في خليط من العجب والفزع، بيتر بيكر، كبير محللي ترامب في “نيويورك تايمز”.
الثورة الترامبية لا تكتفي بتغيير السياسة: هي تعطي تفسيرا جديدا للدستور وللقانون، للتوازنات وللكوابح، للقوة التنفيذية للرئيس، للمسلمات في مواضيع الدين والدولة، الاقتصاد والمجتمع. مهاجرون غير قانونيين يرفعون الى الطائرات، موظفون مقالون بجموعهم، خدمات رفاه وفرتها الدولة منذ سنين توقف دفعة واحدة، مصوتو ترامب يحبون استعراض القوة، الزخم والكاريزما، الثأر بالمؤسسة الليبرالية، الكريهة. جزء من الثورة ستتوقف في المحكمة؛ جزء آخر سيمر. عالم قديم حتى الأساس سيخرب.
يكاد يكون كل نظام مطلق يبدأ هكذا. لموسليني عبر اردوغان وحتى بوتين، حماسة هائلة. عندما يكون المصوتون مطالبين بان يدفعوا باجسادهم ثمن التغيير، هم يحبون ثورتهم أقل بقليل.
فكرتان ستمران في رأس نتنياهو حين سيشم رائحة الثورة. الأولى، لماذا ليس أنا: لماذا في أمريكا العظمى، مع دستور فاخر، ابن 238 سنة، يمكن احداث تغييرات واسعة بتوقيع رجل واحد على صفحة ورق، لكن في إسرائيل كل روقة اطلبها تعلق في لجان الكنيست وفي احتجاج عائلات المخطوفين وفي الالتماسات الى محكمة العدل العليا؛ لماذا في أمريكا ترامب يغلقون ملفات قضائية ويلغون محاكمات ويقيلون بين ليلة وضحاها كل مستشار قضائي لا يرضي الرئيس، وفي إسرائيل في هذه الاثناء يتحدثون فقط عن الإقالة ويخافون لمسها. حان الوقت لاستيراد أمريكا الى إسرائيل.
التذكير الثاني كيف يمكنني أن استغل الموجة الثورية قبل أن تتبدد. ترامب عطش للثورات؟ انا سأصوت له ثورة. هو يفكر من خارج الصندوق؟ انا سأبتكر له حلا من خارج الصندوق. نبدأ بايران – هجوم على المنشآت النووية، مثلا، باسناد امريكي – ومن هناك نتدفق الى الضفة، الى غزة، الى لبنان، الى سوريا، الى السعودية، الى الأمم المتحدة. انتصارات للسلاح الأمريكي؛ صفقات بلا ثمن؛ مواقف تاريخية لم يسبق للعالم أن رآها. الايادي ستكون ايادي إسرائيل؛ الصورة صورة دونالد.
الأساس، كما سيذكر نتنياهو نفسه، هو استعراض القوة الجسدية، الثقة بالنفس، السيطرة على الوضع؛ ولا كلمة عن 7 أكتوبر، ولا كلمة عن أزمة التجنيد او العملية الجراحية للبروستاتا. ما هو جيد للقضاة في القدس ليس ملائما للرئيس في واشنطن. ترامب يحتقر الضعفاء.