يديعوت احرونوت: الشرطة هي للدولة وليس للحكومة

يديعوت احرونوت 8/4/2025، أهرون باراك: الشرطة هي للدولة وليس للحكومة
في نهاية كانون الأول 1991، في منصبي كقاض في المحكمة العليا، دعاني المفتش العام في حينه الفريق شرطة دافيد كراوس لان احاضر في يوم دراسي لطاقم قيادة الشرطة. كان هذا في عهد الانتفاضة الأولى. في المحاضرة وقفت بتوسع عند حقوق الانسان في إسرائيل. أشرت الى تشريع الكنيست كمصدر لحقوق الانسان، شددت على دور المحكمة بالاعتراف بحقوق الانسان وفي الدفاع عنها. في ذاك الوقت لم يكن سن بعد القانون الأساس: كرامة الانسان وحريته، والغالبية العظمى من حقوق الانسان كانت ثمرة قرارات المحكمة العليا.
في تناولي لدور الشرطة في حماية حقوق الانسان قلت:
“في حمايتها للتوازن الدقيق الذي يقرر حقوق الانسان على الشرطة أن تعمل مثل القاضي. هي ملزمة بان تعمل باستقلالية وعدم تعلق. مثل القاضي، لا يوجد على الشرطة إمرة، غير إمرة القانون. ومع ان الشرطة هي جزء من السلطة التنفيذية، لكن ليست هي شرطة الحكومة بل شرطة الدولة. الوسائل التي تحت تصرف الشرطة محدودة. عدد الشرطة محدود. الميزانية ناقصة. مطلوب تثبيت سلم أولويات في تفعيل قوة الشرطة. دولة تحترم حقوق الانسان وحساسة تجاه انتهاكها، تضع في رأس سلم أولوياتها – الى جانب حماية مجرد وجودها – حماية حقوق الانسان… وعليه فيجب وضع الدفاع عن حقوق الانسان في درجة عليا في سلم اولوياتنا الوطنية. اختبار حقوق الانسان ليس في قوة خطابة القضاة او السياسيين أو الشرطة. اختبار حقوق الانسان عمليا هو في قوة عمل الشرطة وفي انفاذها. أساسا يجب إعطاء أولوية لتلك الطبقات من السكان التي هي هشة على نحو خاص، كالقاصرين، الشيوخ، النساء والأقليات.
“في موضوع الأقليات الذين يعيشون في اوساطنا، يجب أن نقول أمورا واضحة. حقا، دولة إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي… حقوق الانسان التي وقفت عندها هي حقوق كل انسان وانسان، سواء كان ينتمي للاغلبية أم ينتمي للاقلية”.
كما اسلفنا، كانت هذه أيام الانتفاضة الأولى، وشرطة إسرائيل كانت منشغلة جدا في حماية امن المواطنين في ضوء العنف. رغم هذا شددت امام طاقم قيادة الشرطة على أنه حتى في مثل هذه الأوقات فان عمل الشرطة لا يتبع الا القانون:
“الدولة توجد، منذ تأسيسها في حالة طواريء. هذا الوضع احتدم منذ الانتفاضة. حالة الطوارئ تستوجب وسائل طواريء. لكن على هذه ان تكون في اطار القانون، واذا كان القانون ناقصا فلا يجب العمل بدون قانون، بل يجب التوجه الى محافل المشرعين كي يقوموا بواجبهم ويغيروا القانون. الامن لا يخلق القانون، واحتياجات الامن ليست علة للخروج عن القانون. سلطة القانون هي عنصر في الامن القومي. حتى في حالات الطوارئ يجب تنفيذ حقوق الانسان.
“الاختبار الحقيقي للديمقراطية، والاختبار الحقيقي لحقوق الانسان هو بالذات في حالات الطوارئ، حين تحتدم الخواطر وتسيطر المشاعر على العقل… كل شرطي هو انسان، وحقوق الانسان هي أيضا حقوقه. هذه الحقوق، هي التي تعطي معنى للمجتمع المنظم، وحيوية للوحدة السياسية التي تسمى دولة. نزعتَ حقوق الانسان فانك تنزع من الدولة الديمقراطية روحها. لا مفر إذن من التصدي اليومي، في كل ساعة، للحاجة لحماية حقوق الانسان. اما المراوحة في المكان هو تراجع. والتراجع الصغير نهايته تراجع كبير. حقوق الانسان لا تتحقق من تلقاء ذاتها. مطلوب حماية يومية عليها. هذه الحماية هي في ايدي الشرطة. اذا اجادت في تنفيذ مهمتها فسيكون معنى لحياتنا. اذا فشلت في ذلك سنفشل جميعنا”.
تذكرت هذا الأسبوع هذه الاقوال التي قلتها لطاقم قيادة في الشرطة قبل 34 سنة. وهذه الاقوال صحيحة بقدر لا يقل اليوم أيضا. ضمن أمور أخرى الشرطة ملزمة بان تحمي حق التظاهر الذي هو حق أساسي في كل ديمقراطية. ليس فقط أن تسمح بالمظاهرة بل وأيضا ان تعطي الحماية المناسبة للمتظاهرين. كما أن من الواجب على الشرطة ان تكافح بشكل دائم في القانون بما في ذلك ان تدير تحقيقا أساسيا دون أي تحيز في حالات الاشتباه الحقيقي بالفساد السلطوي. كفاح كهذا مطلوب أيضا لاجل حماية حق كل انسان في أن يحصل على خدمة مناسبة من الحكم.
ثار فيّ الشك في أن مثل هذه الأمور قد نسيها المفتش العام والطاقم الأعلى. بودي ان اعود واشدد على أن في إسرائيل الديمقراطية الشرطة هي شرطة إسرائيل وليست شرطة الحكومة. حين تكون الحكومة تتوقع من الشرطة او تأمرها بان تعمل حسب قرار قضت المحكمة بانه ليس قانونيا، على ا لشرطة أن تمتنع عن تنفيذ هذا القرار. عليها أن تعمل كشرطة إسرائيل، وبالتالي ان تعمل مثلما تأمرها المحكمة العليا لإسرائيل.
في هذه الأيام تبحث المحكمة العليا في قانونية اقالة رئيس الشباك رونين بار، واضح من تلقاء ذاته ان على المفتش العام أن ينفذ قرار المحكمة. صمت المفتش العام حين سئل اذا كان سيفعل هذا طن في اذنيه. جدير به أن يشرح صمته. القول “ساعمل حسب القانون” ليس كافيا إذ ان الحكومة أيضا تقول ان قرارها هو “حسب القانون”. فليتفضل المفتش العام ويقول “ساعمل حسب القانون كما تفسره المحكمة”.
*اهارون باراك رئيس المحكمة العليا الاسبق
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook