يديعوت احرونوت: التحذير والخطر

يديعوت احرونوت 28/9/2025، ميخائيل ميلشتاين: التحذير والخطر
تنشر في وسائل الاعلام وفي الشبكات الاجتماعية في الآونة الأخيرة تحذيرات عديدة من “مؤامرة في الظلام” تنشأ من جهة مصر: بدء بانتهاكات فظة لاتفاقات السلام عبر تكثيف لقوات الجيش في سيناء دون تنسيق مع إسرائيل، وحتى الاستعداد المتسارع لمعركة ضدها. نظرة مركزة تظهر اشتباها بمصادر التقارير ومصداقيتها. فمعظم الصحف والمحللين (بمن فيهم الامنيون “السابقون” من المحذرين يتماثلون بشكل واضح مع اليمين، ومصادر تحليلاتهم غامضة وهي بالأساس عديمة الاستناد الى مصادر سياسية وعسكرية رسمية. يدور الحديث عن ترديد لرسالة من النوع الذي في اطاره يقتبس الجميع عن الجميع دون أن يتساءلوا ما هو المصدر وما هي مصداقية التقارير. مطلقو التحذيرات يعرضون أنفسهم غير مرة كمن تعلموا ويطبقون جيدا درس 7 أكتوبر، ويصفون الوضع الحالي في السياق لمصر كـ “المفهوم المغلوط الجديد”. غالبيتهم الساحقة، بالمناسبة، لم تعرض أي صوت آخر عشية 7 أكتوبر بل ان بعضهم مجد التسوية في غزة وشرح بان حماس مردوعة من إسرائيل.
يستوجب الامر اشعال أضواء حمراء في أوساط الإسرائيليين وليس بالضرورة من هجوم قريب بل بالذات من أنه تجري محاولة مغرضة لخلق توتر بين القاهرة والقدس بدوافع مشبوهة. في هذا السياق يثور تذكير حرج من الماضي غير البعيد يتعلق بقضية قطر غيت. وحسب ما علم فان قطر تطلعت لان تحسن صورتها كوسيط ناجح في ظل التشهير بمصر، وفي هذا الاطار عملت أيضا على نشر معلومات كاذبة حول النوايا الهجومية للقاهرة ضد إسرائيل. “تقارير” كهذه، بما في ذلك عن “مناورة هجوم مصرية ضد المفاعل في ديمونا” تبينت كانباء ملفقة، او “طبخ” مواد قديمة وصفت كدليل على الاستعداد للمعركة. عمليا، بالفعل تتدهور العلاقات مع مصر واساسا في اعقاب تخوف الأخيرة من ان تكون إسرائيل تعتزم حل مشكلة القطاع على حسابها من خلال دفع الغزيين الى سيناء. القلق من “المؤامرة الإسرائيلية” يتعمق مؤخرا في ضوء خطة احتلال مدينة غزة وتجميع معظم الغزيين في منطقة صغيرة في جنوب القطاع، والى هذا تضاف الحماسة التي ابداها نتنياهو لخريطة “أرض الميعاد” (بما فيها أراض في دول عربية، من مصر أيضا)، “المقابلة” التي منحها لقناة التلغرام “أبو علي اكس برس” واتهم فيها القاهرة بمنع الهجرة من غزة (الامر الذي جر تراشقا قاسيا بين الدولتين) وكذا اقتراح طرحته الوزير غيلا جمليئيل من بداية الحرب (وحتى قبلها) لاقامة دولة فلسطينية في سيناء، الامر الذي اعتبر في القاهرة كتهديد جدي.
الازمة الحادة في العلاقات تترافق وعلاقة مهزوزة وعديمة الثقة بعمق بين قيادتي الدولتين. هذه وصف لنشوء سوء تقدير مأساوي، آلية خطيرة تتجه الى حروب حتى عندما لا تكون الأطراف المشاركة معنية بالمواجهة. ان رفع مستوى التأهب العسكري المصري استعدادا لاوضاع متطرفة محتملة (واساسا اقتحام الحدود مع غزة وتدفق جماهيري الى سيناء)، يفسر على ما يبدو في إسرائيل كاستعداد لخطوة هجومية ويجر تأهبا وتدريبات من جانب إسرائيل، ومن هنا تتطور كرة ثلج من شأنها أن تؤدي الى احتكاكات أمنية، الى حد هز اتفاق السلام بين الدولتين. كل هذا رغم أنه وقعت مؤخرا خطة كبرى لتوريد الغاز من إسرائيل الى مصر، ما يفترض به ظاهرا ان يلجم التدهور في العلاقات.
بين هذا وذاك مطلوب انتباه لتهديدات ليست وهمية أو مختلقة من جهة مصر، وعلى رأسها التهريب المكثف للسلاح من سيناء الى القطاع والى أراضي إسرائيل، بالغالب من خلال حوامات، مثلما في حالة محور فيلادلفيا الذي شكل قناة مركزية تحولت حماس عن طريقها الى جيش بواسطة تهريب السلاح قبل 7 أكتوبر، فان التهريبات الحالية هي الأخرى تنبع من تداخل بين الإهمال وغض النظر، ويحتمل أن أيضا التعاون من جانب محافل مصرية تجني أرباحا. ان التنسيق والثقة القويان بين الدولتين كفيلان بالمساعدة للقضاء على الظاهرة، ومثلما هو دوما نوصي بمشاركة واشنطن، التي ترعى اتفاق السلام.
في أكتوبر 1973 و 2023، كان أصحاب القرار السياسي والأمني مفعمين بالثقة بالنفس وبالاستخفاف بالعدو، وهكذا خلقوا بايديهم مفاجآت استراتيجية وصدمات قومية. في أكتوبر 2025 ينعكس تحدٍ آخر، لا يقل خطورة في الإصرار على خلق تهديدات. وينبع الامر من خليط من المصالح المشبوهة وانماط العمل ما بعد صدمة الاعتماد الحصري على استخدام القوة وسلوك على أساس تحليل قدرات الطرف الاخر دون “تشويش العقل” بتحليل نواياه. يدور الحديث عن نموذج خاص لمفهوم مغلوط يدمج الاماني، الأيديولوجيات وجنونات الاضطهاد (الاشتباه، لكن من النوع غير الصحي)، وكل هذه تجسد مرة أخرى الحقيقة البشعة في أن جذور مفهوم 7 أكتوبر لم يحقق فيها ابدا كما ينبغي في إسرائيل.
ان التوتر المتصاعد والخطير مع دولة ذات الجيش الأقوى في العالم العربي يستوجب إيضاحات – سواء من جانب رئيس الوزراء أم من جانب الجيش الإسرائيلي. فالغموض والحفاظ على التنسيق من خلف الكواليس همان بشكل عام لكن الوضع الذي يصبح فيه الاستعداد المصري للحرب “حقيقة” وينشأ تخوف باحتكاك متزايد معها، يستوجب على حجل موقفا علنيا، ومن الأفضل أن يكون ذا رسالة مصالحة وليست رسالة مناكفة وتهديد.
ان الانتقال الحاد من عدم الاكتراث و”الاحتواء” لمظاهرة القوة في كل وضعية وزمن – والذي تحول عمليا الى استراتيجية إسرائيل في نصف السنة الأخيرة من شأنه ان يوقع على رأسها معركة أخرى لا يبدو أن لاي من الطرفين مصلحة فيها وتعرض للخطر احد الذخائر الاستراتيجية الإسرائيلية الأهم في نصف القرن الماضي. كل هذا في الوقت الذي تكون فيه إسرائيل غارقة حتى الرقبة في ساحات قتال لا تنتهي، تعلق في عزلة حادة في الساحة الدولية، ويصعب عليها تثبيت اجماع داخلي للمواجهات المختلفة وبخاصة تلك التي في غزة.